وجهة نظر

ذ.عبد الواحد حمزة :أدوات لتحليل قضايا في قلب الصراعات الطبقية الجديدة في المغرب (1/3)

ذ .عبد الواحد حمزة

جرت العادة، ببلادنا، أن تتم دراسة قضايا التعليم والتكوين والصحة والتشغيل وغيرها، في أحسن الأحوال، من خلال تقييم السياسات العامة للدولة في تلك الميادين، وأحيانا كثيرة بشكل ينفصل بعضها عن البعض، ودون أن يستتبع ذلك تصحيحا ما أو إصلاحا حقيقيا او تغييرا فعليا في البنيات والسلوكيات الاجتماعية، لكي تبقى الأمور كما هي عليه، إن لم تزد استفحالا!

والحال أن الممارسة السياسية–الاستراتيجية – النقيض، من جانب آخر، جانب القوى الديمقراطية – التقدمية ببلادنا، تستدعي تقييم تلك المواضيع/ كمشاكل/ و”مسائل اجتماعية” تأخذ في صلبها دينامية الحركات الاجتماعية الواعدة، “القديمة الممتدة” منها، نسبيا، والمتجددة/ الجديدة، على اعتبار تداخلها وتفاعل واحتضان بعضها البعض،لأنه ليس كل جديد بالضرورة جديد وليس كل قديم قديم (…).

كما يمكن التساؤل عن “تقدمية” حدث/ ظاهرة اجتماعية ما، من عدمها، أو “رجعيتها” من عدمها، بالرغم من جدتها على الساحة الاجتماعية أو قدمها.(انظر “عرائض” الحركات الأمازيغية، البيئوية، النسوانية، المعطلين، المقصيين،السلاليات، المهاجرين “البدون أوراق” السود، إلخ)، وكذا التزام بعض المحامون في ما يعرف بـ”محامين من أجل قضية” ، إلخ. نجد هؤلاء النشطاء غالبا في قطاع محامي الأحزاب السياسية اليسارية الديمقراطية، اتحاد العمل النسائي، مثلا، أو محامون – أفراد مناضلون، إلخ.

فهل يمكن اعتبار تحرك/ حركة “مواطنون ضد التلقيح الإجباري” ، مثلا، “رجعية” متى قامت، أو تقدمية؟ وقس على ذلك من الحركات الجديدة المناهضة لـ”الأبرتايد”

والعنصرية والتطبيع مع الكيان الإسرائيلي، مثلا؟ ( المغرب، الاتحاد الإفريقي…)، والأخرى المناهضة للعولمة أو الداعية لمقاطعة المنتوجات الإسرائيلية، الخ. كما سبق للمغاربة أن قاطعوا منتوجات في السوق المغربي رفضا وكناية بزواج السلطة بالمال والريع، في زمن ينخرط فيه بلدنا جهاراً في تلك الديناميات الوطنية – الإقليمية والدولية الكاسحة؟…الخ. وسنعالج هاته الإشكالات في ثلاثة نقط:

الحركات الاجتماعية الجديدة في ركاب النيوليبرالية وأزمتها)2007(….

يبدو أن النيوليبرالية توجد – كإيديولوجيا – في أساس مشاكلنا كلها (جورج مونبيوت 2017 في كتابه الأخير “الخروج من الخراب…”)، مسببة خراب العالم. إنها المؤطرة اليوم لكافة أشكال هيمنة الرأسمال العولمي وكافة أنواع البؤس والحرمان والمنع والتهديد (ماسلاو ابراهام 1941)، وهي -بهذا- مؤطرة لكافة أنواع الصراع الطبقي الجديد ببلادنا وفي العالم.

وقبل الغوص في الهيمنة الثقافية والعلمية التي يمارسها أصحاب الفكر النيوليبرالي (فونهايك، فريدمان، تاتشر،…)، يمكن التذكير بأن النيوليبرالية تقوم على مركزية السوق التنافسية ومجابهة قيم المساواة بقيم الحرية، وهي بذلك تنحو منحى أصوليا. والحال أن بعض الدارسين ينظرون فيها مذهبا اقتصاديا وسياسيا وأخلاقيا، من الأكيد أن تحُدّ من فلسفته “التداعيات البنيوية لاقتصاد السوق” (جيسيكا وايت في كتابها الأخير “أخلاقيات السوق”… 2019). إنها تدعو للتقليص بقسوة للقطاع العام، لأنه لا ولن يعمل بالمنافسة الضرورية لكل اقتصاد ناجع، قصد الربح وانتزاع حصة من السوق (سوزان جورج 2021).

فمنذ الحرب الباردة والنيوليبرالية تأخذ الوجه الاقتصادي للإمبريالية الأمريكية الجديدة (توماس فريدمان 2021)، وهي تعمل باستمرار على كسر النقابات وتحويل الثروة من الخزينة العامة للدولة إلى حفنة من الخواص. وليست “الخصخصة” شيء آخر غير نقل تلك الثروة من أسفل شعبي عريض إلى نخبة أعلى، دون أن يسفر ذلك على تحسين فعلي بالضرورة للجودة. فجوهر النيوليبرالية هو تحكم آليات السوق في مصائر العباد، وفرض الاقتصاد لإرادته على المجتمع والتراجع عن دولة الرعاية (سوزان جورج 2021)، بل والإقدام على “إبادة الكوكب” (إدواردو غليانو، 2017) على يد حفنة من كبريات الشركات العالمية وتواطؤ من سياسيين محليين، كأن تجعل من بلدان الجنوب “مكبا للنفايات الإشعاعية” (تذكر فضيحة نفايات السيدة الوزيرة الحيطي…).

ونحن على مشارف احتمال إدماج مجموعة/ “تنسيقية الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد” في سلك الوظيفة العمومية (انظر اتفاق 18 فبراير 2022) “كإمكان اجتماعي” (برنار لاكروا، 1981)، على علته، إذ أثمر على رفض واسع داخل القطاع التعليمي الوطني، وأنتج في صفوف بعض قواه الحية (انظر ما عرف بالفظاعات السبع التي تورطت فيها الدولة بقطاع التعليم (2022)( “خيبة أمل”، ذكَّرت البعض باتفاقات سابقة مع الدولة – على عهد اليوسفي عبد الرحمن – لم تزد المشهد السياسي، ببلادنا، إلا تشرذما وانقساما و“إهدارا للصمود“ وتحييداً للصراع الاجتماعي– النقابي والسياسي الوطني (انظر العلمي الحروني والعسري جمال (2022)(.

كما يمكن اعتبار ذلك استكمالا لاستراتيجية عمومية بدأتها السلطات منذ مدة (انظر اتفاق أبريل 2019 مع النقابات الأكثر تمثيلية، عدا ك.د.ش) وتريد أن تُكَمِّلَها وتنهيها وتقفلها اليوم، بأي ثمن ! ولهذا، فعند معالجة “فعل جماعي”  -كالذي تقوم به تنسيقية الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد”- مثلا، حري بالملاحظ والباحث أن ينتبه إلى ما أنتجته العلوم الاجتماعية المعاصرة من نظريات وأدوات قد تسعف المناضلين قبل الباحثين في حقل الاحتجاج الاجتماعي.

ومن هنا يمكن القول ان ما قد يحرك تلك الحركة الواعدة هو مجموع تلك “الإحباطات النسبية” التي تلم بها، تلك “الخيبة الجماعية” لمشمول أعضاء المجموعة والتي خلفتها “تربة اجتماعية” غير سليمة، غير عادلة وغير ناجعة. ونذكر، على سبل المثال لا الحصر، “الغيرية” التي يسببها التساكن، البيِّن في التوظيف لهيكلين، على الأقل، حيث يتم التوظيف بسرعتين: العقود المحدودة والعقود “القديمة”/ الطويلة المدى، إقصاء القابعين في الزنزانة رقم 10 وأصحاب الدرجة الممتازة، مما لم يشملهم “الاتفاق المرحلي”، إلخ. وحري بالحركة أن تدقق في المآلات والهوامش الحدية  ومدى الصمود أمام الإحباط المستشري قصد رصّ الصفوف وتقوية القرار النضالي – المطلبي الضاغط والشامل.

والحال أن تلك “الخيبة” تجد جذورها، كما يقول بورديو بيير في كتابه معاودة الإنتاج (1979) في الهوة السحيقة بين الهياكل الاجتماعية، مثلما يستبطنُها الفاعلون، مواطنون أو مستهلكون،أي في التطلعات المنشأة اجتماعيا، من جهة والهياكل الاجتماعية الخارجية، أي في طبيعة العلاقات بين الشهادات الدراسية والوظائف التي تتيح الالتحاق بها، من جهة أخرى. وهو ما قد يشمل ويدفع بالعداء نحو جميع المؤسسات من طرف الفاعلين، من جهة أخرى.

ومن الممكن طبعا أن ندقق في أطوار ذلك التقابل في المدى الطويل (أنظر كارل ماركس وذوتوكفيل وريمون بودون- فيما أسماه “قانون التوكفيلية”- في دراساتهم لعلاقة الحرمان باندلاع الثورات. وهو ما يحيل إلى دراسة أدق لأطوار وطبائع الدول، فنكون إما أمام دولة قوية ومستبدة وأخرى ديمقراطية هجينة وأخرى ديمقراطية حقة، إلخ)، في ارتباط بإشكالية حقوق الإنسان. فليس ما سمح به النظام السياسي قبل 23 مارس 1965 -عقب الاستقلال لبلادنا – هوما سيسمح به -بالضرورة- بعدئذ، في هوامش اجتماعية حدية أخرى، ومن ربط آلي ضروري بين التكوين والتشغيل.(وقد سبق لرئيس الحكومة بن كيران عبد الإلاه -في عهدته- أن أعلن طلاقهما). والحال أن نسب النمو الاقتصادي ليست بقوية والديمغرافيا والدبلومات في تضخم !

إن محاولة التسلق الاجتماعي تبدو أكثر فاكثر مستحيلة إذ أن ديناميات النشطاء تصطدم بما أسماه بورديو بـ”القيود البنيوية” الفاصلة بين الطبقات/ الشرائح الاجتماعية، في آخر المطاف . وهو جدار – قاعدة لن ولا تستثني الحالات الخاصة، بالرغم من استشراء مستمر للخوصصة، بما تعني من نزع صريح للملكية العمومية وضخها لصالح الخواص، دون تحسين ملحوظ -بالضرورة- لجودة الخدمات.

يتبع

ذ.عبد الواحد حمزة

سوسيو -اقتصادي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى