نص كلمة المكتب التنفيذي للكونفدرالية في المؤتمر الوطني العاشر للنقابة الوطنية للتعليم
ألقى نائب الكاتب العام للكونفدرالية الديمقراطية للشغل خليد هوير العلمي، كلمة باسم المكتب التنفيذي في فعاليات الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الوطني العاشر للنقابة الوطنية للتعليم المنعقدة بعد زوال يوم أمس الجمعة 20 ماي 2022 بالمركز الدولي للشباب ببوزنيقة.
ولأهمية الكلمة وما تضمنته من رسائل تنظيمية وسياسية وما حملته من اجابات على أكثر من سؤال سيما تلك المتعلقة منها تحديدا بشعار الدولة الاجتماعية الذي رفعته المنظمة في فاتح ماي 2020، واستقلالية القرار الكونفدرالي، واتفاق 30 أبريل 2022، نعرض حصريا في جريدة “الديمقراطية العمالية” الالكترونية، النص الكامل لكلمة المكتب التنفيذي.
“الاخوة والأخوات في قيادة النقابة الوطنية للتعليم، السيدات والسادة،
ممثلو الأحزاب السياسية، الوطنية الديمقراطية حلفاء الطبقة العاملة،
ممثلو النقابات التعليمية الأكثر تمثيلية،
السيد ممثل وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة،
السادة ممثلو المنظمات الحقوقية ومنظمات المجتمع المدني،
السادة ممثلو وسائل الإعلام الوطنية،
السيدات والسادة الضيوف المحترمين،
الاخوة والاخوات أعضاء المؤتمر،
أخواتي إخواني الكونفدراليين،
باسم المكتب التنفيذي، أحييكم تحية التقدير والاحترام ومن خلالكم أحيي الشغيلة التعليمية بكل فئاتها، وأبلغكم أحر تحيات وتقدير أخينا الكاتب العام للكونفدرالية الديمقراطية للشغل، الأخ عبد القادر الزاير الذي نتمنى له الشفاء العاجل لمواصلة قيادة مركزيتنا، وهو يتمنى صادقا نجاح مؤتمركم الوطني العاشر للنقابة الوطنية للتعليم. النقابة الوطنية للتعليم المنضوية تحت لواء الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، التي لعبت أدوارا تاريخية، بارتباطها العضوي بالطبقة العاملة، ودورا طليعيا في النضال من أجل الديمقراطية ومواجهة كل أشكال الاستبداد والاستغلال، والنضال من أجل تعليم عمومي جيد ومجاني لكافة بنات وأبناء شعبنا.
هنا لابد أن نستحضر دلالات ومعاني كفاحات 10 – 11 أبريل 1979 المجيدة والتي كانت إحدى النضالات الأولى التي خاضتها الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، حيث كان رجال التعليم صانعوها ومؤطروها، ليس فقط دفاعا عن رجال التعليم والصحة ولكن لمواجهة القرارات التي كانت تريد ألا يكون صوتا عماليا نقابيا في الحياة السياسية، وجعلت من التعليم موضوع الصراع الاجتماعي الطبقي مثلما كان هناك محاولة للمقايضة بين إرجاع رجال التعليم والصحة وغيرهم والقبول بالإصلاح التعليمي لكن الكونفدرالية الديمقراطية للشغل رفضت وتشبثت بمواقفها المبدئية دفاعا عن مجانية التعليم ومن حق كافة المواطنين في التعليم والصحة وغير ذلك من الحقوق الأساسية.
ونحن في افتتاح أشغال مؤتمركم الوطني العاشر، لابد أن نستحضر ونترحم على روح أخينا نوبير الأموي فقيد الطبقة العاملة و الحركة النقابية وفقيد الوطن، المؤسس والزعيم التاريخي لمركزيتنا الكونفدرالية الديمقراطية للشغل. الذي آمن بصدق و قناعة مبدئية بضرورة الربط الجدلي بين الصراع من أجل الديمقراطية و النضال الاجتماعي من أجل حقوق ومطالب الشغيلة، كما أنه استحضر على الدوام خلال مساره النضالي السياسي والنقابي مسألة التعليم، وناضل من كل المواقع من أجل حق الجماهير الشعبية في تعليم ديمقراطي، حيث اعتقل في بداية الستينات وهو يقود مسيرة احتجاجية لآباء التلاميذ ضد السياسة التعليمية. واستمر مناضلا نقابيا في صفوف النقابة الوطنية للتعليم موجها لنضالاتها ثم كاتبا عاما للكونفدرالية الديمقراطية للشغل التي كانت النقابة الوطنية للتعليم إحدى أهم ركائز تأسيسها. رحم الله فقيدنا الملهم ونعاهده على مواصلة النضال والوفاء لقيم التأسيس وسيظل ملهما لنا بمواقفه وصموده والتزامه بقضايا الشعب والوطن. لقد طلبنا من إخواننا في النقابة الوطنية للتعليم وهم يحضرون للمؤتمر إعداد وثيقة مرجعية عنوانها “نوبير الأموي وقضية التعليم”، نتمنى أن يتم إعدادها ما بعد المؤتمر.
وبالمناسبة، لا بد من استحضار باعتزاز وتقدير كل من تحمل المسؤولية في النقابة الوطنية للتعليم من أي موقع وقدم تضحيات وساهم في نضالاتها وإنتاجها الفكري للحفاظ على أدوارها ومهامها التاريخية، نترحم على من فقدناهم ونتمنى الشفاء للمناضلين الذين لازالوا مرابطين بنقابتهم ومنظمتهم.
أخواتي إخواني، الحضور الكريم،
لقد ظلت النقابة الوطنية للتعليم بأدوارها التاريخية و إرثها النضالي، في مقدمة النقابات المجسدة للهوية الكونفدرالية الكفاحية ببعد قومي ووطني، مستحضرة على الدوام، في أدائها النضالي ومواقفها المبدئية، ضرورة انخراط الطبقة الشغيلة من موقعها الاجتماعي في الصراع بكل مستوياته، من أجل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية. بما تعنيه من دفاع عن الخدمات العمومية وعلى رأسها المدرسة العمومية وفي قلبها حقوق و مطالب و مكتسبات الشغيلة التعليمية. وهو ما يؤكده شعار المؤتمر الوطني العاشر ” على درب الوفاء والنضال الديمقراطي مستمرون في الدفاع عن المدرسة العمومية وعن مطالب وحقوق ومكتسبات الشغيلة التعليمية”. هوية ترسخت مع تعاقب الأجيال وظلت نبراسا موجها للمعارك النضالية وخلفية أساسية في القراءة النقدية للسياسات العمومية في مجال التربية والتكوين وقوة اقتراحية لإصلاح شامل للنظام التربوي ببلادنا.
نحن اليوم في حاجة ماسة وموضوعية لترسيخ هذه المرجعية والحفاظ على العناصر المشكلة للهوية الكونفدرالية بكل أبعادها وتقاطعاتها. في عالم يعيش تحولات ومنعطفات حاسمة تعكسها ارتفاع حدة الصراع بين القوى الكبرى من أجل السلطة والمصالح الاقتصادية، و بروز التحالفات والاستقطابات من أجل إعادة رسم وتحديد مجالات النفوذ، باستخدام كل الأسلحة والإمكانيات، وفي مقدمتها سلاح المعرفة. فمن يمتلك المعرفة في عالم اليوم يملك القوة والسلطة. خاصة بعدما عاشه العالم من أزمة غير مسبوقة بسبب الجائحة، التي قدمت دروسا بليغة للبشرية وأكدت حقيقة واحدة، في زمن اللايقين، الضرورة الموضوعية لإعادة الاعتبار للإنسان كمحور لكل السياسات العمومية وكغاية أساسية للنظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي. كما تأكد كذلك، أكثر من أي وقت مضى، أن لامناص من وحدة الطبقة العاملة والعودة إلى موقعها الطبيعي في طليعة النضال والصراع بكل أبعاده السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية من أجل عالم أفضل ومستقبل أفضل للإنسانية تسوده الأخوة والمساواة والحرية والكرامة.
أخواتي إخواني الحضور الكريم،
لقد ظلت الكونفدرالية الديمقراطية للشغل منذ تأسيسها مدافعة عن قضايا التحرر في العالم، و شكلت القضية الفلسطينية في هذا الإطار جزء أساسيا من هويتنا و عنصرا موجها لبرامجنا النضالية، و إذ نجدد التأكيد على الدعم المطلق للشعب الفلسطيني البطل في كفاحه المستميت ضد الكيان الصهيوني الغصب، من أجل كافة حقوقه التاريخية و بناء دولته المستقلة و عاصمتها القدس. فإننا نجدد التعبير عن موقفنا الرافض وإدانتنا الشديدة لكل أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني المجرم باعتباره مرحلة من مسلسل الهيمنة الامبريالية، و سيكون لنساء و رجال التعليم دور مهم في مواجهة محاولات ترسيخ التطبيع المجتمعي بعد التطبيع الرسمي، لذا يجب أن تظل القضية الفلسطينية من القضايا الأساسية المطروحة في أجندتنا النضالية والتأطيرية.
لابد كذلك أن مؤتمركم يستحضر في جدول أعماله ونقاشاته قضية وحدتنا الترابية، واستكمال تحرير باقي الأراضي المستعمرة، في تأكيد للبعد الوطني الذي لطالما اعتبرته الكونفدرالية الديمقراطية للشغل جزء لا يتجزء من مرجعيتها الكفاحية. نحن لن نتخلى عن شبر واحد من تراب وطننا، و يجب أن تعمل الدولة على خلق شروط التعبئة الوطنية لمواجهة كل المناورات و التصدي لأعداء وحدتنا الترابية، و ذلك من خلال البناء الديمقراطي الحقيقي و توفير شروط العيش الكريم لكافة أبناء شعبنا، فالوطن ليس فقط حدودا و جغرافيا و لكن أيضا حقوق و حريات.
أخواتي إخواني،
ينعقد مؤتمركم في سياق وطني استثنائي، سمته الأساسية الوضع الاجتماعي الصعب الذي تعيشه فئات عريضة من الشعب المغربي، نتيجة تداعيات الجائحة الغير مسبوقة والتحولات الجيوسياسية التي يعرفها العالم. وارتفاع الأسعار وضرب القدرة الشرائية للمواطنين. إن الأزمات تكشف دوما الوجه الحقيقي للحكومات والاعتراف بالأزمة لايكفي، ولكن الإقدام على البدائل والحلول الوطنية الجريئة لتجاوزها هو المحك الأساسي لكل المخططات والبرامج والنماذج.
لأن الإهانة والفقر والتهميش مقابل مركزة الثروة هم جرائم في حق الوطن ومستقبله الحضاري. لكن الأسباب العميقة للأزمة البنيوية والمركبة تعود أساسا إلى الاختيارات السياسية والاقتصادية التي سادت طيلة العقود الماضية. اختيارات غيبت الإنسان وأعطت الأولوية للمصالح المادية لأولغارشيات استفادت من الريع والامتيازات. تهدف إلى تفكيك الخدمات العمومية وتحويلها إلى سلع خاضعة لمنطق السوق. و كان التعليم في مقدمة القطاعات الاجتماعية العمومية التي خضعت للتسليع عبر تشجيع القطاع الخاص و غياب الإرادة السياسية الحقيقية للإصلاح، فيكفي أن نقول أن بلادنا شهدت ارتفاعا لنسبة التعليم الخصوصي في العشرين سنة الأخيرة بنسق يعد من بين الأسرع في العالم. كما عملت الدولة و حكوماتها المتعاقبة خلال العشر سنوات الأخيرة على إدخال الهشاشة إلى القطاع و ضرب الاستقرار المهني لنساء ورجال التعليم عبر ما سمي بالتشغيل بالتعاقد الذي عبرنا في الكونفدرالية الديمقراطية للشغل عن رفضه باعتباره من مداخل تفويت المدرسة العمومية و تفكيك الوظيفة العمومية. ونجدد التأكيد هنا على مطلبنا بضرورة إدماج كافة الأساتذة و الأطر الذين فرض عليهم التعاقد في الوظيفة العمومية من خلال نظام أساسي واحد و موحد للشغيلة التعليمية، وهو المطلب الذي عبرنا عنه في الحوار الاجتماعي وكذلك عبر التعديلات التي تقدمنا بها غير ما مرة على مشاريع قانون المالية والتي للأسف جوبهت بالرفض من طرف الحكومة وعدة أطراف أخرى.
لقد رفعت الكونفدرالية الديمقراطية للشغل في فاتح ماي 2020 شعار بناء الدولة الاجتماعية كجواب موضوعي لما كشفت عنه الجائحة من اختلالات بنيوية، و أكدنا أن هذا البناء يقتضي :
- 1. الديمقراطية الحقيقية بما تعنيه من سيادة شعبية ومؤسسات تمثيلية منتخبة بشكل ديمقراطي وفصل للسلط و احترام للحقوق و الحريات.
- 2. القطع مع كل أشكال الريع والامتيازات والفساد الذي يكلف بلادنا ملايير الدراهم ويسمح لفئات طفيلية بمراكمة الثروات ويعمق الفوارق الاجتماعية والمجالية.
لكن الأكيد أن المرتكز الأساس للدولة الاجتماعية و لأي نهضة تنموية مأمولة يبقى الإصلاح الشامل و النسقي لمنظومة التربية و التكوين، لولوج عصر التكنولوجيا وبناء مدرسة عمومية مجانية وجيدة لكافة بنات وأبناء شعبنا، ضامنة للتوزيع العادل للمعرفة ومرسخة لقيم الحداثة والتنوير. ويبقى نجاح أي رؤية إصلاحية رهينا بتعبئة وإشراك الفاعلين الحقيقيين من أطر تربوية وإدارية من خلال ممثليهم الشرعيين النقابات التعليمية الأكثر تمثيلية، في بلورة الاستراتيجيات الإصلاحية وتحفيزهم عبر الاستجابة لمطالبهم المهنية والمادية والاجتماعية، وإعادة الاعتبار لهم من خلال مسار مهني يضمن الاستقرار النفسي والإداري ويمنح إمكانيات للتطور والترقي المهني والاجتماعي.
أخواتي إخواني،
سيظل دورنا ومهامنا هو الحفاظ على المرجعية التي تأسست عليها الكونفدرالية الديمقراطية للشغل والهوية الكفاحية لمنظمتنا في إستراتيجيتها النضالية وخلفيتها التفاوضية كموجه لنضالها الاجتماعي من أجل الحقوق المادية والمهنية ونضالها من أجل البناء الديمقراطي بما يحقق شروط وأسس العدالة الاجتماعية.
لكن عدم انتباه البعض الذي انجر وراء التشكيك أو الانتقادات البعيدة عن الموضوعية.
يجب أن يدركوا أن الكونفدرالية الديمقراطية للشغل مستقلة في قراراتها لا تخضع للضغوطات ولا الابتزاز ولا الإملاءات من أي جهة، ولا تقايض بمصالح الطبقة العاملة وأن ممارسة النقد البناء للأداء الكونفدرالي ساهم بشكل كبير في التأسيس لثقافة وأسس الحوار ببلادنا.
كل الضربات التي كانت موجهة للكونفدرالية الديمقراطية للشغل كانت امتحانا إما كما كان في السابق بالاعتقالات والطرد أو برفض الحوار والتهميش، أو من خلال الانتخابات المهنية وهو ما عرفته الانتخابات الأخيرة من تزوير واستعمال المال.
لقد نقلنا هذا الامتحان إلى مرمى الحكومة لمعرفة الوجه الحقيقي عن مدى الالتزام واحترام الحريات النقابية ومأسسة الحوار الاجتماعي وتنفيذ الاتفاقات القطاعية والمركزية.
إن الاتفاق الذي وقعته الكونفدرالية الديمقراطية للشغل رد الاعتبار للحركة النقابية في دورها التفاوضي وليس التشاوري كما كان في أبريل 2019، وأرجع الالتزامات السابقة المتضمنة في أبريل 2011 بعدما تم إقبارها والتنازل عنها في أبريل 2019. وعمل على وضع مرتكزات مأسسة الحوار والتفاوض ورفض كل أشكال المقايضة.
وضمن اتفاق التعليم والصحة حتى يكونا ملزمان للحكومة وليس الوزراء المعنيين بالقطاع.
أخواتي إخواني،
تمتلكنا أسئلة مستقبلا أكثر قلقا وستكون الكونفدرالية الديمقراطية للشغل حاضرة بكم لمواصلة المهام المطروحة علينا تنظيميا ونضاليا وتدبيرا للمرحلة المقبلة.
إن تقييم أداء أجهزتكم النقابية يجب أن يتم بروح المسؤولية والالتزام ونكران الذات في إطار مبادئ مركزيتكم.
إننا نتق فيكم وفي وعيكم وفي ذكائكم الذي ساهم دوما في إنجاح محطاتنا التنظيمية والنضالية قطاعيا ومركزيا، وألا نضيع جهدنا في ما يمكن أن يهدد رصيدنا الكونفدرالي.
شكرا لكم والسلام عليكم”.