ذ.محمد صلحيوي :اليسار الكامن واليسار الكائن…(الجزء الرابع )
4-صدام إستبطانين…
لنلاحظ أن حملة الدعم الوطنية الكبيرة للحراك، ليست فقط نتيجة ما تعرض له الحراك وقياداته، بل أيضا، لاستبطان المغاربة العميق لروح المقاومة والاستشهاد، لكن حين تكون الوضعية َ”مناطقية وبعمق و إمتداد وطني” يخرج اللاوعي،يخرج البعد الاقصائي “للحركة الوطنية” (الذي ساد منذ ثلاثينيات القرن الماضي) ، يتدخل “الالتباس” التاريخي حول مكانه خط الخطابي والريف كطرف من طرفي “الوطنية المغربية”كما اكد ذلك، الأنتربولوجي المغربي عبد الله حمودي: ك” أن تجربة الخطابي هي حركة وطنية اولى،وأن الحركة الوطنية المعروفة هي الثانية”، مستعملاَ تسمية “الشرخ الوطني”وهو يتحدث عن تاريخ الريف،وهو ما وقع بعد انتصار أنوال، إذ يؤكد المؤرخ المصطفى بوعزيز أن أجواء تمجيد و الاعتزاز بثورة الخطابي و انتصارها،كان سائدا وسط الوطنيين المغاربة، لكن عندما تحول الخطابي من قائد عسكري إلى ” رمز أسطوري”وخوفا من أن تطال ميولات هذه التجربة مستوى القطيعة مع سقوف الممارسة السياسية والثقافيةللانتلجنسيات، لجأت هذه الاخيرةآلى تحويل هذا التخوف إلى “توجس” من التجربة؛ إن التوجس من هذه الميول هو الذي سيدفع الوطنيون في الثلاثينيات إلى التأكيد على الطابع الشرعي لممارستهم السياسية، وعلى العمل لتجنب أي مواجهة عسكرية مع المستعمر تجنبا لأي” مغامرة”؛فبين “تمجيد الثورة” و “التوجس من المغامرة” استقر الالتباس في ذهنية الحركة الوطنية كعقلية وممارسة. فما أشبه الأمس باليوم.
وسؤال المتابعة هنا هو : ما الذي جعل من الريف نقطة ارتكاز للحراك الشعبي؟
إن إعادة صياغة مجموعة من الثنائيات، توضح أن الحدود المسيجة للوطنية والعقلية المغربيتين، لا تتعلق فقط بالدولة، بل تطال الانتلجنسيات المغربية خصوصا تلك التي تصنف نفسها منتمية للحركة “الوطنية المغربية” أو التي تصنف نفسها سليلة لها من القوى التقدمية واليسارية. إن سقوط كل الوسائط بين الحراك والدولة أنتج مواجهة مكشوفة: الدولة بإستراتيجيتها والحراك الشعبي بالريف بحمولة الحاضر المسيج بالتاريخ و المسألة الأساسية هناهي: أن الرهان على الزمن لإجهاض الحراك وقمعه وفرض التراجع على قيادته، قد بائت بالفشل، وعلى العكس من ذلك، فقد انتقل الحراك من الفعل في الحاضر إلى الفعل بطرق باب المستقبل، مستقبل الوطن المغربي. إن الرجة الحقيقية التي أحدثها الحراك تطال منظومة القيم المؤطرة للوطنية المغربية.
لخص المؤرخ المغربي المصطفى بوعزيز في أطروحته حول “الوطنيون المغاربة خلال القرن العشرين”، في الفقرة التالية ” لماذا لم تتوفق الانتلجنسيات الوطنية الحداثية المغربية في إحداث قطيعة مع المحافظة كثقافة وكسلوك سياسي؟ ولماذا تصاب في مسيرتها من هامش الحقلين الثقافي والسياسي نحو مركزيتهما بالارتباك والتردد، وتنزلق في ظرفيات إلى راديكالية مانوية تنسيها منظومة قيمها الحداثية، وتساهم بذلك في إعادة إنتاج المحافظة، وبالتالي تسهل مهمة تموقعها في الهامش.
إن هذه الخلاصة التركيبية، تمكن من فهم ما يمكن أن تؤول إليه مواقف مختلف القوى السياسية، وخاصة نخبها الثقافية من ظرفية الحراك الشعبي بالريف. فإذا كانت الدروس الاربعة مستوعبة بهذا الشكل أو ذاك ( الإقرار بما يشبه الإجماع بفشل النماذج التنموية السابقة، وسقوط الوسائط الادارية الحزبية، وما يمثله الوعي الجديد للقيادة )، خصوصا وأنها تحمل طابع التوطين، فإن حضور خط الخطابي القوي داخل الحراك الشعبي بالريف، ما ترجم في شعارات من قبيل ” من أجل مصالحة حقيقية مع الريف” و “إنصاف المنطقة ورد الاعتبار لتاريخها ورموزها”.
وسؤال الإستمرار هنا هو:عرف الوطن المغربي (دولة ومجتمع) تحولات و تطورات، منذ1873،فما الذي لم يتغير ولم يتطور؟
الذي لم يتغير خلال هذا الزمن الطويل،هي، عقلية الإنتلجنسيات المغربية؛
إن “العقلية”هي: <إستبطان جماعي، مهيكل للمخيال الجماعي،وموجه للسلوك الجماعي غير الواعي>كما حددها المصطفى بوعزيز،والذي يواصل بتفكيك بنية الحركة الوطنية في تعاملها مع ثورة الخطابي:”يمكن تلخيص موقف الإنتلجنسيات المغربية المتنوعة من ثورة محمد بن عبد الكريم الخطابي في عز أطوارها، في العبارة التالية” اللهم أنصره… حتى نكون معه”. لقد سبق لنا في نص كنا قد نشرناه على هامش ندوة علمية في الناظور حول معركة” أنوال”أن قلنا على تجربة الخطابي” بأنه لم يكن لها غد… بل كان لها مستقبل!” فحتى بعد عقد من الزمن على هذه التجربة(1926-1936)، وبعد أن تطور “النضال المدني” بالحواضر، سيبقى الوطنيون المغاربة، سواء في كتلة العمل الوطني في منطقة النفوذ الفرنسي، أو في كتلة العمل الوطني في المنطقة الخليفية الإسبانية، متموقعين بشكل ملتبس إتجاه الخطابي لماذا!؟ ألكون إعلانه”لجمهورية الريف” قد يفيد إستقلاله عن باقي مناطق المغرب،وبالتالي الخروج عن “سيادة السلطان” ؟أم لإنتقاده للعقلية الشعبيةوتخلفها عن العصر وما قد يستنتج من ذلك من ميول”غربية وربما علمانية”؟ أم أن مشروعه المجتمعي المتفتح على كل العالم الإسلامي والطامح إلى نظام سياسي يؤطر جزءاً كبيراً من هذا الفضاء قد لا يمتد للمشرق العربي، ولكن قد يغطي كل شمال أفريقيا.(“الوطنيون المغاربة خلال القرن العشرين ،صفحة 311) .
إن مفهوم “العقلية” كبنية ذهنية موجة للممارسة، كتشكل في المدى الطويل، أي في الزمن التاريخي، يمكن تقريبها بمفهوم “المخيال الجماعي”.
إن التوجس من سرديات المناطق والجهات المهمشة، هو الذي تعيد القوى الوطنية إنتاجه على مدى أجيال، وبها ‐العقلية‐ حاربت كل مقترب من محددات الوطنية المغربية التي حددتها خلال ثلاثينيات القرن الماضي(رسالة عمر بن الجليل إلى عبد السلام بنوتة).
لنلاحظ ثانية، أن الحركة الوطنية قبلت الاستقلال،ولم تأبه بمغرب الأربع مناطق (الصحراء بقيت محتلة‐ مركز المغرب كان تحت الحماية الفرنسية‐ شمال المغرب كان تحت الحماية الاسبانية‐ سبتة و مليلية والجزر بقيت محتلة و إلى اليوم من طرف إسبانيا). انتظر الشعب المغربي عشرين (20) سنة حتى تتعرض مقولة الوطنية للتطور مع استرجاع الصحراء المغربية، ويضاف “بعد” “الوطنيةالمواطنة” لمقولة الوطنية المغربية وتتعرض “العقلية المركزية” للحركة الوطنية لرجة عميقة. فأي زمن سينتظره الريف حتى تدمج ذاكرته وتاريخه في تاريخ الوطنية المغربية، وتقبر إلى الأبد تهمة “الانفصال” . وهذا هو المعنى العميق لعبارة ” الحراك الشعبي بالريف” فرصة تاريخية للمغرب لتجديد العتاد الذهني للعقلية المركزية وتحويلها إلى عقلية وطنية جامعة. ولمعالجة ما يجب تغييره على مستوى العتاد الذهني الموجه للممارسة السياسية، لمصالحة المغاربة مع تاريخهم المشترك .
إستعملنا في أبحاث سابقة، مصطلح”الحركة الوطنية”، وأثار نقاشاً، خصوصا وأننا مددنا الدراسة إلى حدود1975،وكانت إحدى أوجه الإعتراض على المصطلح، هو عدم علمية إستعماله بعد استقلال المغرب، فالبعد الوطني،حسب هذا النقد، إنتفى بعد انتهاء المرحلة الإستعمارية.فبالرغم من إختيارنا هنا مصطلح الوطنيين المغاربة، كفاعلين على طول القرن العشرين، فإننا سنعود لمناقشة الإعتراض السابق الذكر، في إطار مقاربة “الوطنية المغربية” كعقلية مخترقةللقرن العشرين،والعقلية هنا بالمفهوم العلمي الذي بلوره المؤرخ المقتدر جاك لوگوفjaque le Goff.”.
الكتاب:صفحة13.
“الذاكرة هي المادة الخام للتاريخ، فكيف ما كانت عقلية أو شفوية أو مكتوبة، فهي الحوض الذي يغرف منه المؤرخون. ولكون عملها بالضبط عملاً لا واعياً، فهي معرضة بشكل خطير للتحوير والإسندراج والتشويه من لدن الزمن والمجتمعات المفكرة، أكثر مما يتعرض له التاريخ نفسه[كنشاط علمي]. يغذي هذا النشاط بدوره الذاكرة، ويدخل في السيرورة الجدية الكبرى للتذكر والنسيان التي يعيشها الأفراد والمجتمعات، فعلى المؤرخ أن يتواجد هنا ليحيط علماً بهذه الذكريات وهذه المنسيات، ويحولها كلها إلى مادة فكرية ليصنع منها موضوع معرفة. إن تفضيل الذاكرة [على التاريخ] هو بمثابة الإرتماء في السيل الجارف للزمن.
[….] بلور جاك لوكوف مفهوم التشكل بالتعارض مع مفهوم الأصول(les origines) ليؤطر به مقارباته التاريخية،وإن كان المعني بالأمر لم ينعت التشكل بنظرية،إلا أنه يملك ملامحها لأنه أوسع من مفهوم، ذلك أنه يعتمد في تأسيسه على عدة مفاهيم أخرى. “” الكتاب صفحة 103.
إنها معركة المفكرين والمثقفين بامتياز،إلى جانب الأحزاب اليسارية الملزمة بإحداث القطيعة مع بنية المحافظة والإقصاء والنهميش.
حاولت هذه المساهمة، الإمساك قدر المستطاع، بجوهر حمولات الحركة الإجتماعية كتيار عام، طرح، بديناميات مختلفة، أقواها وأبرزها الحراك الشعبي بالريف، أجوبته على الإختلالات الاربعة:الطبقية والنوعية والبيئية والمناطقية، مترجماَ ذلك بالعدالة بمختلف مستوياتها؛إلا أن المفارقة تكمن في مواجهة دولة غير مستعدة للتغيير، وفي نفس الوقت “إنكسار” العلاقة مع قوى سياسية يسارية رافضة المطلوب منها لتجاوز إرث سياسي وفكري متمنع عن تجديد مقولاته وتصوراته.
طريقان إثنان ،إذن،أمام نخب التغيير وبمختلف مستوياتها:
إما الإمساك بالمضمون اليساري الكامن في الحركة الإجتماعية وبلوزته سياسيا و أدائياً وبعقلية ممارسة جديدة، وإما الإستقرار في وضعية”البقاء كهدف” والسير البطيئ صوب فرصة للتدبير.
إن ترديد معادلة”الإنفراج أوالإنفجار” تتضمن موقفاً حيادياً من تنامي النضال الشعبي، وبذلك يعاد إنتاج موقف قيادة الإتحاد الوطني للقوات الشعبية بعد إقالة حكومة عبد الله إبراهيم سنة1960،عندما راهنت على تفسخ الأوضاع، ماسيؤدي إلى سقوط النظام، ولعبد الله العروي موقف حاد من هذا الموقف.
إن اليسار يناضل من أجل فرض التعدد والإختلاف بالأسلوب السلمي الحضاري، أي النضال من. أجل إنفتاح سياسي وليس أخذ مسافة عن النضال الشعبي بلغة”بيناتكم” التي تعبر عنها معادلة “الإنفراج أو الإنفجار”.
في المقابل وفي خضم ظرفية 2011-2021،بدا واضحاَ،خصوصاً بعد إنطلاق الحراك الشعبي بالريف،أن الحزب الإشتراكي ألموحد يسير، وبهدوء،صوب إحداث القطيعة الفكرية البانية مع الماضي؛مركباَ-بشكل ثري-في سيره، ومن خلال مواقفه ومختلف بياناته، سرديات الوطن، خصوصاً سردية الريف والصحراء وسردية الحركة الوطنية،إن التأكيد على العدالة المناطقية تكثيف لمطلب معالجة الشرخ الوطني.
إن العدالة المناطقية مكنت الحزب من طرح مسألة المصالحة التاريخية الحقيقية مع الريف ومع كل الجهات المهمشة،وبذلك يدفع في اتجاه إعادة النظر في علاقة المركز و الهامش (الهامش هو مركز الحراك الشعبي المغربي). تلك العلاقة المختلة بين المركز و الهامش مكن الحزب من طرح فكرة إعادة وتجديد مقولة الوطنية المغربية لتصبح حاضنة وجامعة لكل بنات وأبناءالوطن بتنوعه الثقافي وبكل أرصدته التاريخية وبكل رموزه. وبذلك،خطا الحزب الإشتراكي ألموحد، خطوة غير مسبوقة حزبياً،وأعطى للحركة الإجتماعية معناها،وقد مشروع معنى لمضمون يسار الغد؛وبذلك أيضاَ، يعطي الترهين المغربي لتطور حركة اليسار العالمي الجديد؛وأعطى ثالثة،معنيَ لشعارات الدمقرطة والمواطنة.
تناولت الفقرة السابقة، وقع ظرفية2011 -2021 على اليساريين والديموقراطيين المغاربة عامة،وعلى الحزب الإشتراكي ألموحد،باعتباره التنظيم الوحيد الذي استوعب درس الحراك الشعبي؛ وهو الموقف الإيجابي الذي يحدد مسار المخاض الذي يعرفه هذا الحزب؛فكيف كان الوقع على انتلجنسيات أحزاب الحركة الوطنية وسلالاتها؟
في الجزء المتناول لإرتدادات الحراك الشعبي،تم الوقوف على “الحركية” التي برزت داخل المؤسسات الدراسية و البحثية لتلك الأحزاب؛والتناول الآني “للمعنى” الذي أنتجه ذلك التحرك.
نص النداء…
“من أجل حوار وطني شامل”.
هدف نبيل و تاريخي، كان وراء النداء الذي أصدرته سبع مراكز بحثية مغربية؛ وذلك ترقباً لتقرير النموذج التنموي؛كل ذلك في سياق الإمتدادات التي فرضهاالحراك الشعبي وبكل دينامياته؛فعندما يتحرك الآباء إذن،ويتردد ويرتبك الحفدة،عندها، يجب التأكد من إن المانع للتطورعائق على مستوى العقلية التي لم يطالها تطور من قرن.
نص النداء
“” عاشت بلادنا، في الفترة الأخيرة، أوضاعا مست كل المواطنين في حياتهم اليومية وفي قضاياهم المصيرية.
ومن المرتقب الإعلان الرسمي عن “مشروع النموذج التنموي” وحيت أن التوجيهات التي سيتضمنها هذا المشروع سترهن السياسات العمومية الوطنية لعدة عقود، فإن المؤسسات الوطنية الموقعة على هذا النداء لتعتبر من الضروري تمكين الشعب المغربي، بمختلف قواه الحية، من لحظة حوار واسع حول هذا المشروع قبل تصريفه كسياسات عمومية.
إن تنظيم الحوار المغربي- المغربي، كما ورد بهذا الشأن في الخطاب الملكي، يفرض إعطاء الوقت الكافي لمناقشة مضامين هذا المشروع.
إن بلورة نموذج تنموي جديد، بعد حوار واسع، يشمل كل مكونات وفئات ومناطق المغرب،
لكفيل بتوطيد التفاعل الإيجابي وتعزيز الثقة بين المجتمع والدولة، كما يمثل الضمانة لتوفير الشروط الضرورية لإنجاح مشروع نراهن، جميعا، على أن يؤسس لتعاقد اجتماعي جديد.
إن مؤسساتنا تعلن عن التزامها بالإنخراط، بقوة، في هذا الحوار الوطني في أفق البلورة الجماعية لوطنية متجددة وتحصين الوطن من أجل رفع تحديات الحاضر والمستقبل.
مؤسسة علال الفاسي
مؤسسة عبد الرحيم بوعبيد
مؤسسة علي يعته
مركز محمد بنسعيد آيت يدر
مؤسسة أبو بكر القادري
مركز محمد حسن الوزاني
مؤسسة محمد عابد الجابري للفكر والثقافة”.
لمناقشة جدلية لنداء المؤسسات العلمية، أعيد التذكيربمداخلة المؤرخ. الدكتور المصطفى بوعزيز(وهو من الفاعلين الاساسيين في عمل المؤسسات،ويمثل مؤسسة محمد بن سعيد أيت إيدر للدراسات، إحدى المؤسسات المصدرة النداء) في الندوة الوطنية (حضورية) لحزب الإستقلال. في موضوع ” أحداث 58-59 بمنطقة الريف:رؤى متقاطعة وشهادات..
نص المداخلة(تم تفريغها من فيديو الندوة):
<<الريف جزء من شمال المغرب، وهي المنطقة الخليفية قبل الإستقلال؛ هناك لحظات إشراق بين الشمال والجنوب (المنطقة السلطانية) الخاضعة لفرنسا.
من تلك الإشراقات التي يتغاضى عنها الجميع عنها، مكانة ودورعبد السلام بنونة الذي سمي “بأب الوطنية المغربية؛ والذي كان بروزه منذ1916،ساهم بقوة في بلورة الرد السياسي على الحماية، في تلك السنة كانت منطقة الحماية الفرنسية مازالت تحت تأثير الصدمة والصمت المطبق أمام الوجود الفرنسي،وهو الوطني الذي عرف بتعدد أعماله،من التعليم إلى الإنشاء، وقد تم إقصاءه وإبراز شخصيتي السلطان وعلال الفاسي.
من إشراقات الريف أيضاً،مايمكن تكثيفه في وقع ثورة الريف، من حيث العمق، على المنطقة الفرنسية” وبفكرة”أنه يمكن أن نثَََور على المستعمر مهما كانت قوته وجبروته”.
مع صعود الجمهوريين بإسبانيا، طرح موضوع الجلاء عن المستعمرات الإسبانية لأنه كان مبدءً من مبادئ قيام الجمهورية، وكان رأي الوطنيين في الشمال هو رفض انسحاب إسبانيا، وفعلاً تشكل وفد برئاسة عبد السلام بنونة واستقبل من طرف زئيس إسبانيا الجمهوري”زامورا”لإقناعه بعدم الجلاء. وقد طرحت فكرة” الحكم الذاتي”. آنذاك قبل قضية الصحراء الغربية، مع إختلاف السياق.
من تلك الإشراقات انتشار الثقافة والتعليم و الصحافة .
أيضاً،لقد كانت هناك عدة جيوش لتحرير،فهناك الجيش الذي أشرف عليه”بوزارِ” بتطوان، ثم هناك جيش “بوبو” بوجدة والذي ساند ثوار الجزائر وتلقى منهم ضربات قاصمة، ثم هنا الجيش الذي ذهب إلى الصحراء٠،لم تطلق كل هذه الجيوش رصاصة واحدة ضد المستعمر٠الجيش الذي قاوم الإستعمارين هو الجيش كان في الريف بقيادة عباس لمساعدي.
مع الإشارة إلى أ ن إبراهيم آلروداني هو مؤطر عباس لمساعد؛يبرز لمساعد وينسى آلروداني،ويغتالان في ظرف أسبوعين:عباس لمساعدي في23يونيو والروداني في 5يوليوز1956.
كل الإشراقات أعلاه، تؤكد وحدوية الريف، والذين يتهمونه بالإنفصال يريدون دفعه إلى الإنفصال.
جيش التحرير وإرث الخطابي، حصن الريف وحدوياً وما كان محور الصراع هو طرح سؤال أي دولة وطنية لمستقبل المغرب المستقل؟
في الريف كان الرد على الحماية الإسبانيةسياسياً وعلى الحماية الفرنسية كلن هوياتياِ. واستمر هذا التقاطب وتخديداً في مسألة “الوطنية”.
بعد الإستقلال ساد التحكم في منطقة الريف وغابت التنمية، و تغيير العملة، تغييرالبسيطة وما أنتجه من كوارث إقتصادية على الأفراد وعلى المنطقة..
فمع تراكم الغضب ومع وجود رأسمال رمزي:الشريف محمد أمزيان و الخطابي وتجربة جيش التحرير بالريف، كان من الطبيعي أن تكون 58-59 هرساً(إنكساراً) في علاقة الريف بالدولة.
وجدت منطقة الريف نفسها فجر الإستقلال غارقة في المغرب غير النافع، وهو ما عمق شحنة الغضب، ماشكل تراكماً لحدوث الهرس الكبير(الإنكسار ) الذي شكلته أحداث1958-1959بالريف، الذي ترافق مع نظرة الدونية تجاه المنطقة.
إستعمل فيها الكيف وأصحاب السبسي،صورة تم العمل على ترسيخها في المخيال العام، إضافة لتهمةالتهريب،علما أن كبار المهربين يوجدون في المركز.
وهناك أيضاً التحقير اللغوي والإعلامي،خلال 1984، تم نعت أهل الريف بالأوباش، وقد شكلت أحداث يناير1984،الهرس الكبير الثاني،تكرست وبشكل أعمق نظرة الحذر والتوجس تجاه منطقة الريف ..
الهرس الكبير الثالث،مع الحراك الشعبي2016،وتكرر نفس الخطأ الذي أرتكب مع الشباب الصحراوي الذي كانوا من أكبر الوحدويين وتم دفعهم للإنفصال.
نتيجة كل ذلك على المخيال الجمعي بالمنطقة: الشعور باليأس وفقدان الأمل في الإنصاف..
منطقة الريف ليست في وضعية عداءَ مع الدولة،ماشي أعداء (السيبة كانت دائما ضمن بنية المخزن).
المطلوب الإعتراف ورد الإعتبار لمنطقة الريف،وإدماج كل المغاربة والمغربيات في وطن واحد. ولكن أي وطن؟ففكرة الوطن هي فكرة غامضة..
حب الأوطان من الإيمان،يجيبك فقيه المسيد، الوطن هو مكة والمدينة وهو التعريف الروحي الديني للوطن.وهو ما تقيد به سلطان المغرب بقبوله بيعةأهل تلمسان لسلطان المغرب٠قبل (المولى عبد الرحمان) البيعة ثم تراجع عنها برأي مضمون ” الوطن الترابي” بحدود الدولة العثمانية ..
ومع” النضال الوطني” والمسيرة الخضراء تشكل مضمون الوطن السياسي، والتحدي الآن هو العبور إلى وطن المواطنة.
المضمون الذي لازال يتشكل…هناك الذاكرة الجماعية، وهناك. والذاكرة التاريخية العلمية،وعلاقة الذاكرين ليست متطابقة، ولن تتطابق أبداً.قد تلغى الذاكرة التاريخية العلمية .. فيصبح المؤرخ كاتباً تحت الطلب، وقد يقع الصدام بينهما؛الأساسي هو البحث عن تقليص مسافةالتباعد”علمياً” بين الذاكرين.
من أسئلة صدام الذاكرة الجماعية مع الذاكرة التاريخية العلمية: جواب سؤال:كيف ننظرلشخصية ومكانة وتجربة محمد بن عبد عبد الكريم الخطابي؟ كيف نجعل الذاكرة الوطنية ذاكرة جامعة.
كان إصدار فرع منظمة العمل الديموقراطي الشعبي ليومية تحمل صورة الخطابي سنة1985، كافياً لإستدعاء محمد بنسعيد أيت إيدر(الأمين العام للمنظمة ) من طرف الداخلية قصد التوضيح والتفسير؛هذه النازلة تؤكد أن شخصية محمد بن عبد الكريم الخطابي غير مرغوب في اندراجها في سياق ذاكرة ومخيال جماعي.
معهد الدراسات التاريخية وهي مؤسسة. عامة،تحتفظ بكتب ومؤلفات تنتظر النشر منذ فترة طويلة، وعدم تنشر(ومنها مؤلف من تأليفي[يقول الدكتور المصطفى بوعزيز]إن طول الإنتظار، معناه:هناك مؤقف محدد ورافض لفكر وحقائق علمية لا زالت محاصرة ومقصية.
التقريب بين الذاكرة الجماعية والحقيقة العلمية التاريخية عنصر من عناصر المواطنة.
مرة أخرى،الإعتذار ورد الإعتبار للريف،الإعتذار من طرف الوطن الغارق في المركزيه المعيقة.
الإعتذار للعبور إلى وطن المواطنة،وذلك بالحوار والحوار… .>>..
ذ.محمد صلحيوي
عضو المكتب السياسي للحزب الإشتراكي ألموحد