وجهة نظر

أحمد الخمسي في قلب الأوضاع(23):نقطة الى السطر.. هذه خلاصاتي

هل يختلف ما تبقى من الأغلبية المفككة السابقة التي صدرت عن المؤتمر الرابع للاشتراكي الموحد مطلع سنة 2018، عمّن انشقّوا؟ في الموقف التنظيمي بصدد الاندماج نعم. أما في الفلسفة التنظيمية فلسوف تدلّ اللجنة التحضيرية، من خلال مساطرها وأشغالها عن درجة الاختلاف وعن درجة التشابه. وإذا غلب التشابه فلن يكون الحزب الاشتراكي الموحد مستقبل إلا كبؤرة تنطفئ رويدا رويدا…ولن يستطيع السي محمد آيت يدر إحياء الموتى وقد ظل دوره دائما يتلخص في “المنقذ من الضلال”. 

عود على بدء

منذ انشقاق منظمة العمل سنة 1996، ذهبت الاستراتيجيا لذا الطرفين (منظمة العمل المتبقية والاشتراكي الديمقراطي). وبعد ذهاب الطرف المنشق، بقي الصراع، داخل منظمة العمل، على المرتبة الأولى بينما من تبقى في القيادة. وظهرت لطرف ثالث (ممن بقي في المنظمة) هذه الثنائية البئيسة. إذ رأى رؤية العين الانشقاق الموالي في الطريق، فاقترح استراتيجيا بديلة: استراجية التجميع. كانت جمعية الوفاء (محمد الساسي ورفاقه) قد انشقت عن الاتحاد الاشتراكي في 2001، لتبحث عن موقع لها في أرض الله الواسعة. وقبلها كان المستقلون الديمقراطيون قد رفضوا الالتحاق بالنهج الديمقراطي الذي تشكل منتصف تسعينات القرن 20. كما كانت الحركة من أجل الديمقراطية قد أصبحت عنوانا بمعية عمر الزيدي رديفا يساريا. أما الفعاليّات اليسارية فقد تجمعت لتشكل مكوناً رابعا من مكونات التجميع، سرعان ما ظهر “البام” بديلا منتجا للأدوار المؤسساتية المنتظرة لبعض رموزها. وكذلك كان.

منطلق الجميع منطلق يستحق الاحترام. فالمنطلق تلخّص في إرادة الحفاظ على النبتة اليسارية في المجتمع وفي الحياة السياسية للمغاربة. فهي تلخص الشعارين اللذين أفرزهما شباب حركة 20 فبراير سنة 2011. لكن الآفاق اختلفت.

فارتسمت السيرورة  طيلة عشرين عاما سارت وفق ما يلي:

  • إيقاع التوحيد: ثنائية الخطو البطيئ ثم والقفز المتسرع،

لا يمكن إهمال إيقاع السير في عمل حزبي، يدّعي حمل مشروع مجتمعي بديل. فمن لا يتحكم في خطوات سيره لا يضمن لا لنفسه ولا لغيره القدرة على التنظيم الإداري. حتى لو وُجِدَ اللوجيستيك (المقرات).

  • لم يتم تمييز اللحظة النظرية عن اللحظة السياسية عن اللحظة التنظيمية:

فقد تمّ الاكتفاء عند جهد “التوحيد” بضبط العلاقات بين القيادات في المقر المركزي. ولكن عندما تمر لحظة التنظيم، يظل التنافس المركزي بين الذين جمّعوا أنفسهم، غير مؤَسَّسٍ على التنافس في تطوير البنية التحتية (المقرات، الجمعيات، الحضور النقابي في القطاعات). لذا، بقي التوحيد مجرد تجميع. وحتى التجميع فقد مكونين اثنين: الحركة من أجل الديمقراطية والفعاليات اليسارية. وظهر من بعد كما لو أن جمعية الوفاء عززت التوجه اليساري الراسخ للاشتراكي الموحد.

ومن جانب التوحيد على مستوى الفكر السياسي، ظلّت ظلال الماضي محل تمايز عملي بين أعضاء الحزب الواحد. فالذين أتوا من “مدرسة” الماركسية اللينينية، ظلوا يعتقدون أنهم سليلو هذه النظرية التي تدعو المنتمي لها إلى النوم في عسل “النظرية العلمية”. خصوصا أورثوذوكس منظمة العمل وأعضاء حزب الطليعة الذين جعلوا من ماركسيتهم العلمية – بحسن نية- ذريعة لانفصالهم عن الاتحاد الاشتراكي. أما الذين أتوا من الاتحاد الاشتراكي للتّو فلم يتوقفوا عند ما كان يجعل منهم أوفياء لحزب المهدي وعمر قبل دخول الحزب للحكومة، أي “استراتيجية النضال الديمقراطي” (1975). ومن انضموا لتقوية فرصة تقوية اليسار عاقدين العزم على اختلاف العهد الحالي عمّ سبق سنة 1999، كان تراجعهم عن الوحدة سلسا بلا ضجيج.

وبالتالي، أفقد الغياب الجماعي للمراجعة النظرية، الأسمنت الروحي الاستراتيجي للتوحيد السياسي والتنظيمي. تناسي هذا الخلل جعل القادة المجمِّعين يستغنون عن الحاجة الملحاحة لهذا الأسمنت، فاكتفوا بأنفسهم – كقادة- شرطاً كافياً لضمان التوحيد، بمجرّد اتفاقهم الفوقي. مما خَفَّضَ واقع التوحيد إلى مجرد مشيخات تُشَغّل الهواتف للاطمئنان على موازين “القوى” داخل مرميطة الحزب. لكن الحياة الداخلية التي أصبحت مجرّد أصداء للنقاشات “العليا” خلقت الحاجة إلى مأسسة التأسيس النظري عبر الاشتغال بالتيارات موضوعيا، قصد استدراك الفراغ النظري بالاجتهاد في الفكر السياسي دون عرقلة سيرورة التوحيد الرسمية العمياء. كانت لحظة الأرضيات السبع لحظة مشرقة لكن القيادة ساعتها، رأت فيها حجة على الغنى الحاصل، دونما استثمار في شكل منظومة فكرية.  فالحاجة إلى التيارات كانت موضوعية بين بعض القادة الجادين وما زالت لأن السيرورة لا تُغْنِي عن الصحو العقلاني لتوجيه الصيرورة.

ولأن الصحو النظري لم يحصل. أصبح التوصيف المناسب لأحزاب اليسارية المتجاورة مع بعضها هو ما أطلقه قادة حراك الريف: الدكاكين السياسية. وبقي التوحيد مجرد تجميع مرة أخرى.

ولأن التجميع سار دون محاسبة بصدد تطوير البنية التحتية كما سبق ذكره، ولأنه افتقد الإسمنت النظري، فقد أصبحت اللحظة السياسية مجرد سلسلة تصريحات وردود فعل على القرارات السياسية الرسمية للنظام السياسي ثم نزلت إلى المواكبة السجالية والرد اليومي على الإجراءات التدبيرية للحكومة.

كان دور  الاجتهاد النظري وما زال للفصل الفكري بين الدولة المغربية وبين النظام السياسي الذي يدَبِّر مصالح التحالف الطبقي، وهو الفصل البيداغوجي الذي ينقل الاستراتيجيا السياسية إلى التكتيك الظرفي، حتى لا تضيع البوصلة الجامعة الموحّدة، وهو ما تفتقده القيادة كلا وبعضا.ولا حديث عنه المرّة. لا قدماء منظمة العمل اجتهدوا في هذا الأمر ولا جمعية الوفاء التي كانت تخُطُّ أرضية الأغلبية المفكّكة، ولا المستقلّون ساهموا في تطوير مسيرتهم النقابية في المرحلة الطلابية من قبل. لذا، كان انسحاب الحركة من أجل الديمقراطية بلا توتّر ولا ردود فعل. أما انسحاب الفعاليّات في الغالب للاندماج في مسيرة “البام” فهو دليل آخر على غياب التميّز النظري. للتعويض عن كل هذا الفراغ غاب النقاش السياسي وحل البوليميك والتخوين واستقوت الوصاية على اليسار في شكل معبد له حراسه الجبابرة.

في أحسن الأحوال، أصبح اللجوء – بين الفينة والأخرى- لنظريات عبد العروي أو لنظريات محمد عابد الجابري، مثل الترياق لمداواة الفقر النظري كمرض مزمن. وبقيت مناداة “كاماراد” فيما بين الأعضاء قناعاً يُخْفِي المرض. مرض الجهل. وها نحن اليوم نرى الأورثوذوكسية اللفظية، تخفت شيئا فشيئا، لينتهي القاموس اليساري والاستراتيجيا اليسارية إلى مجرد قطوف لغوية دانية، يستعملها القادة متناقضة مع ما يردّدونه على أسماع الجمهور، خلال المؤتمرات وفيما بين المؤتمرات. فقد صرح ناطق باسم الأغلبية المفككة خلال متم المؤتمر الرابع: إننا نستمد مبادئنا من “مبادئ الثورة الفرنسية”. وهو يعلم أن الثورة الفرنسية أعدمت ملك فرنسا. أفبهذه التصريحات كانت الأغلبية المفككة تريد صياغة “عرض سياسي جديد” تقنع به الفاعل السياسي الرئيسي في الحياة السياسية للمرور من الملكية التنفيذية إلى الملكية البرلمانية؟ أم أن مثل هذه التصريحات في المجهول كانت تصلح لتعبئة المؤتمرين للنضال من أجل ملكية برلمانية؟ لمن كان هذا الخطاب الملغوم موجّها؟ وبأي عتاد نظري؟ أم كانت التلفيقية والجهل بمجريات الثورة الفرنسية هو القاسم المشترك لدى شيوخ الأغلبية المفككة؟

  • التشكُّك المتبادل بصدد التوازن في المواقع

لم يكن توصيف الأغلبية كونها مفكّكة رغبة كيدية مضمرة. بل كان التفكك كالأصبع يكاد يعمي أعين المتتبعين. وكان الاتصال بالقادة منفردين يغني بنميمتهم فيما بينهم كل مستمع عن الاعتقاد في كل التحام متوهّم. ومرة أخرى كانت خلفية القادة من الرسو الجماعي في ميناء “القيادة الدائمة” هو الاستفادة من ريع “الزعامة”. لكن الاشتغال من طرف الذين يملكون مهارة الاشتغال كان لا يزيد عن التنافس الشخصي فيما بينهم لمراكمة نقط المباراة.

وما أدى إلى انفجار 21 يونيه 2021، هو فيض المحصلة النهائية في التنافس بين “المجتهدين” القادة. وقد كانت النتيجة أن ثلاثية التنافس لم تزد عن الكولسة من أجل الاندماج المبكر لقلب موازين القوى بينهم من خلال الحسم: اذا حصل الاندماج المبكر سوف يقطف الداعون له ثمار تسرعهم، واذا فشل الاندماج المبكر سوف يصل التفكك الأغلبي إلى نقطة الانفجار وكذلك كان.

وظهر أن الأغلبية التي صدرت عن المؤتمر كانت أغلبية بموجب المساطر المرقعة المتبعة لاستكمال انتخاب المؤتمرين المتعتّر. بينما ظهرت الأغلبية الفعلية كأغلبية سياسية على بيّنة من أمرها، داخل الاشتراكي الموحد، انتظمت عبر دورات المجلس الوطني، وهي الأغلبية التي كانت تضم الحركيين بلا ملل على رأسهم الأمينة العامة، وإن كانت الأمينة العامة محسوبة ضمن الأغلبية العددية التي صاغتها المساطر الترقيعية طيلة المؤتمر وما قبله. فقد عمد الأغلبيون المفككة أغلبيتهم إلى تمطيط انتخاب المؤتمرين قصد الحصول على القاعدة الانتخابية التي ضمنوا بفضلها، الحصول على 80 في المائة (التصويت المكشوف المبتزّ  لصوت الناخب). تعمقت، في الواقع، الثنائية بين الأغلبية بالمساطر والاغلبية الفعلية عبر الممارسة. بحيث ضمُرت أغلبية المساطر، بينما وجد رموز نساء ورجال وشباب أقلية 20 في المائة (16+ 4) التي بقيت تشتغل في الحزب وتوجه قرارات دورات مجلسه الوطني عبر الحضور الفعّال.

وقد سبق لجزء من الاغلبية الفعلية (أصحاب 16 في المائة) منصب تنسيق المجلس الوطني على الطرف الثاني داخل الاغلبية المفككة للتقليل من خطر تفكك الاغلبيين بالمساطر فيما بينهم، حفاظا على وحدة الحزب. لكن منسق المجلس الوطني شغله هدف الاندماج المبكر عن الاشتغال من موقع المنسق للمجلس الوطني. وهو خطأه القاتل. وكانت بسرعته الهادئة من تحت الماء يهدف تحقيق الاندماج قبل الانتخابات.

التفكك الفعلي الذي عانت منه “الأغلبية بالمساطر”، تسارعت وتيرته من خلال اشتغال طرف من داخل الحزب للاعتراض على تسرع الاندماج، ومن خلال اشتغال طرف آخر من خارج الحزب لجرِّ الحزب نحو الاندماج المبكر.

نتائج التشكك عملة متداولة بين القادة، سرى في المؤتمر الرابع إلى درجة لا أحد أبقى على التعهدات التي كانت محل تواصل لتسهيل إنجاح المؤتمر الرابع. وأصبح الاستقواء بالتفاوض عملة للإيقاع وصيغة للبرغماتية الانتهازية للظفر بالواقع في المكتب السياسي، وهو ما أذكى المزيد من حقن الشك. كان الهدف إبعاد الأنداد وترسيخ الأتباع في المواقع.       

  • التوافق من أعلى على توزيع مناصب القيادة:

كان رهان أخذ الحزب الاشتراكي الموحد من العنق وجرّه إلى وسط انشقاقي عن الاتحاد الاشتراكي، هو الرهان الذي فشل في الأخير. لأن أغلب أعضاء المجلس الوطني لم يكن هدفهم العناد ضد الاتحاد الاشتراكي، بل كان اختيارهم التنظيمي مستقلا عن الاتحاد لا بالانشقاق ولا بالاندماج المتسرع البديل لمناطحة الاتحاد الاشتراكي. فالاتحاديون لهم الحق في اختيار خطهم السياسي في آخر المطاف.  بقي الاشتراكي الموحد، إذن، مختلفا عن الاتحاد الاشتراكي وبقيَ أيضا خاليا من عقدة الاتحاد الاشتراكي. ذهبت عقدة الاتحاد الاشتراكي مع أصحابها من جهة، وذهبت عقدة منظمة العمل جزئيا. والمطلوب في المؤتمر الخامس هو التخلص من وهم منظمة العمل. فالحزب الاشتراكي الموحد مدين لكل ما هو مشرق في ثلاث تجارب: حركة 20 فبراير وما تلاها من الحراكات الشعبية، والاتحاد الاشتراكي بشهدائه وكفاحه الطويل في المعارضة، ورصيد اليسار السبعيني والثمانيني.

لنعد الآن إلى مربط الفرس في التجربة الخاصة بالاشتراكي الموحد.

لنشر إلى الفارق الذي ميّز بين الاغلبية بالمساطر (80 في المائة السابقة بين فبراير 2018 و21 يونيه 2021) والأغلبية بالفعل (التي توجت باللقاء الموضوعي بين 16 في المائة والأمينة العامة).

لم ينتبه من أفرزوا من بعد “تيار اليسار الوحدوي” الى أن الأمينة العامة شكّلت المكتب السياسي على المقاس. ولم يستفيدوا من منصب المنسق للمجلس الوطني. لينشغلوا بالهدف الإجرائي التنظيمي للاندماج المبكر. ثم ليكثفوا التركيز على الهدف التنظيمي داخل فترة الانتخابات العامة. وهو ما أتمّ كل ظروف التحام الأغلبية الفعلية.

فاشتغلت الأغلبية الفعلية من خلال المجلس الوطني في دورتين رئيسيتين. واستكملت فعلها من خلال الأغلبية العددية المتبقية في المكتب السياسي (14 على الأقل من أصل 21).

إذا كانت تجربة تيار اليسار المواطن والمناصفة أفرزت المساهمة القوية والحاسمة في الحفاظ على الحزب الاشتراكي الموحد، فبفضل المناضلات والمناضلين ذوي الروح الجديدة المستقلة عن روابط الماضي. فقد اندمج أعضاء التيار فيما بينهم لمصلحة المغرب العليا ومن ثم لدور الحزب الاشتراكي الموحد في رص صفوف يساريات ويساريين مواطنات ومواطنين مغاربة قبل كل اعتبار.

تلك كانت بوابة النضال اليساري لفك الارتباط الانتهازي بين النضال والمواقع الحزبية. المغرب أولا وأخيرا. ومن تم اليسار في خدمة المغاربة أولا وأخيرا. وهو ما جعل أطر اليسار المواطن والمناصفة يملكون بوصلة مستقلة لا رابط ولا موجه لها سوى خدمة تقدم المغرب والمغاربة. مما جعل السلوك المواطن المنصف لنصف السماء (نساء المغرب)، يرى في الأمينة العامة مكسبا للنضال السياسي الحديث في بلدهم ولفائدة شعبهم. لكنهم لم يعبدوا يوما شخصا.

وكلما كان هذا الوضوح بسيطا ثابتا كلما كان موقع الأنثى العضو في الاشتراكي الموحّد عاديا في موقع مسؤولية الفرع أو عنوانا لصنوها رفيقها المنتخب في الجماعة الترابية الترابية.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى