وجع الفن 4:1 غشت الموجعة في شجن فن الفادو البرتغالي
ادغيسي ولد الرهونية
ذات يوم سنة حراك الريف (2017)، كتبت مجلة طيل/كيل، بتوقيع إلهام الحماموشي، مقالا موجزا حول “تاريخ الفادو”. لسنا ندري كيف تم اقتراح ومن اقترح أن يفتتح مهرجان الفادو في الرباط يوم 21 أبريل تلك السنة الموسومة بالبلوكاج المؤسساتي وبالفرح الشعبي النضالي؟؟ عادة ما يسترخص المغاربة المهام الموكولة لهم فتبقى المعالجة سطحية أو حاملة لأثر اقتباسي من الفرنكوفونية مثل أحاديث العنعنة القديمة التي يندثر اصل القول من فرط نقل القول عن فلان عن فلان، فيتوصل الخلف بما لم يقله أصلا السلف البعيد.
عندما نعيد الكَرَّة ونغوص في البحث، نجد على الأقل هذا الوصف الموجوع بصدد فن متناقض مع روح البرتغاليين اليوم، الفرحين البسطاء الكرماء، فن حزين ينشد مع القيثارة ويلبس فنانوه اللون الأسود. لِمَ يا ترى هذا الحزن؟
كان على مقترحي نقل مهرجان الفادو البرتغالي أن يؤسسوا للمهرجان ورقة تقنية تكشف عمق ارتباط فن الفادو البرتغالي الحزين بلحظة فقدان ملك برتغالي شاب (24 سنة) بهي الطلعة، قوي الإيمان، مستقيم السلوك. وكان للمغاربة أن يستضيفوا في دورة من دورات مهرجان الفادو اليوم الأمين العام للأمم المتحدة، غوتييريز، ليذكروه بملحمة صنعها المغاربة فوق أراضيهم الأمبراطورية، وتركت في النسيج العصبي للبرتغاليين جرحا عميقا، عندما لم يتمكن ملكهم الشاب الورع، ضون سيباستيان، من الانتصار على المغاربة.
كانت ساعتها الحروب الدينية في أوربا تأكل الأخضر باليابس بين الكنيسة التقليدية الكاثوليكية الفاسدة وبين مذهب المحتجين الجديد (protestants). أفرزت الكاثوليكية ملوكا شبابا، تحمسوا للدفاع عن عروشهم وعظمة أجدادهم بتحريض إخوانهم المسيحيين (franciscains) وسلفييهم (jésuites).
ظن ملك البرتغال الزاهد الناسك الجميل المحيّا الرافض للزواج من فرط روحانيته، أنه بغزو المغرب سيقلب موازين القوى داخل أوربا ضد من كان يظنهم هراطقة منحرفين باسم المسيحية (البروتستانت)، وعندما انقلب عليه ظهر المِجَنّ، وغرق في وادي المخازن (اللكوس؟)، ولم يظهر لجثمانه أثر بين الموتى، نشر رهبان البرتغال حول أسطورة القديس الذي سيعود لتخليص المسيحيين من براثن الانحرافات. بحيث كتب أحدهم كتابا حول العديد من الشخصيات التي ادعت أنها ذاك القديس المنتظر، مثل المهدي المنتظر عند الشيعة في الإسلام.
من كثرة انشغال البرتغاليين بشأن ملكهم المنتظر رجوعه لتخليص الأمم المسيحية من الانحراف، بكوه نثرا وشعرا وموسيقا.
عندما يبحث المهتم بفن الفادو اليوم عبر غوغل، يجد مقالات عدة ترجع أصل الفادو كفن حزين شجي، إلى ينبوع معركة وادي المخازن فوق أرض مغربنا الجميل.
اللحظة الجميلة التي اكتشفت شخصيا خلالها فن الفادو البرتغالي، لحظة مودة مع الودود عبد اللطيف البكوري، وهو من جيل وصديق الطفولة للمبدع المغربي الشهير اليوم في العالم باسم (Red One)، منتج (Lady Gaga) ومقطوعات كأس العالم وريال مدريد، ناذر الخياط التطاوني. أسمعني لطيف البكوري روائع الفنانة البرتغالية الشهيرة ماريزا. مختصة في أداء فن الفادو.
لكل ما سبق، انكببت على علاقة المغرب بالبرتغال. طبعا لا يمكن للمغاربة تتبع هذا التخصص التاريخي دون التوقف عند معركة وادي المخازن. وقد انبهرت عندما وجدت مقالا بالفرنسية لعثمان المنصوري، الأخ الاكبر لياسين المنصوري (مسؤول المخابرات المغربية) كيف هو أيضا يحض على ضرورة مراجعة ملابسات المعركة المذكورة شرطا لمعاودة فهم تاريخ المغرب.
بكثير من أوجه التشابه ولو مع تقابل الأسباب، يشبه فن الفادو فن الموسيقى الأندلسية عندنا خصوصا الموشحات التي غنت فيروز بعض مقاطعها الميلودرامية (يا أهيل الحي من وادي الغضا).
من حكاية الفادو نستخلص أن المغرب ظل قادرا على رسم الوجع في ذاكرة الطامعين في محوه أو تقزيم دوره، تلك حكاية الفادو، أثر الخط الأحمر الذي رسمه المغاربة في تاريخ أوربا كي تلزم حدودها.