وجهة نظر

ذ. عبد الواحد حمزة :المشروع والرقمنة والبيئة والعمل من أجل ” عالم أفضل”(الجزء الثاني)

ثانيا: المشروع السياسي النهضوي الشعبي الشامل

لن نناقش “الكثير – المهم” مما تناوله الأستاذ خ.أ في إطلالاته المحمودة/ “في قلب الأوضاع” الوطنية – الإقليمية والدولية، وإنما سنقتصر على ما أخصه لنا – مباشرة – مشكورا في نقطة أو نقطتان محددتان متعلقتان ببعض ملامح التاريخ السياسي – الاقتصادي لبلادنا – المغرب، ولمكانة اليسار فيه، على وجه الخصوص، من جهة وبمدى وجدوى واثر “التحول الرقمي والبيئي” والمؤسساتي على الاقتصاد والمجتمع والسياسة – في بلادنا والعالم، من جهة أخرى.

يبدو أن الذي يهمنا أكثر من غيره هو الميل العام لهذا اليسار بالذات، مرجعياته ورهاناته (…)، فقد حبذ لو يكون النقاش حول تبعات ذلك التحول على مصير وراهن ومستقبل اليسار المغربي – بالضبط. لقد أشر على ذلك بملاحظة ذكية -لطيفة بتغير المحتوى الرمزي ل P.C/ الحاسوب الشخصي/ وللمقاولات، وما يتطلب ذلك من تغيير ضروري على مستوى البنيات المجتمعية، برمتها، وكذا على مستوى سلوكات الأفراد والمنظمات والدول، وغيرها.

وهو ما سنتناوله في حينه تحت اسم ما أصبح يعرف بـ”الحكامة بالأرقام”، وضرورة اعتمادها في ركاب الاستراتيجيات والتكتيكات المستقبلية لهؤلاء الأفراد والمنظمات الحزبية – النقابية وللمجتمع المدني وللمقاولات وللدول (…)، عوض الاستكانة إلى الهياكل المغلقة والمتحجرة للمؤسسات الكلاسيكية، ومنها – بالذات – الأحزاب الشيوعية العربية، ومعظم منظمات اليسار العربي والمغربي والعالمي، عموما. لعل هذه النقلة “التقنو-إقتصادية” أصبحت ضرورية وحاسمة في الصراع نحو “عالم أفضل” للأوطان وللعالم أجمع !.

وإذا كانت أسباب طبيعة القضايا/ الأسئلة التي يطرحها اليسار – عموما – لا زالت قائمة، فإن “التحول التكنولوجي” يفترض تحولا في أدوات وتقنيات الصراع والنضال، من أجل التغيير المجتمعي إلى أنظمة أسمى في تطور الإنسانية. لعله “الشرط التقني الممتنع” الذي سيعيد البريق لما آلت إليه الأحزاب اليسارية – التقليدية من اندحار عبر العالم – في الشرق كما في الغرب، في الديموقراطيات الشعبية، سابقا، كما في أحزاب الغرب نفسه، ومن داخل روسيا، كذلك. لعله الشرط ليتحول “النجم القزم”/ الشيوعي – الرفيق المدافع عن قيمة نبيلة – كقيمة “الإخاء الإنساني” – إلى سابق عهده، إلى عهد جديد !؟ .

وإذا كان الرهان الحقيقي بجدية ومشروعية وشرعية التحول الديمقراطي- على الأقل في الأنظمة التي تختار الديمقراطية كخيار دستوري -، فلن يكون – حتما – “التحول الرقمي” إلا وسيلة “حاملة لقيم” من أنجع الأدوات لتحقيق ذلك الرهان لدى اليسار الديموقراطي – وليس غاية في حد ذاته.

إن النقاش الذي أطلقه خ.أ والدعوة إلى المساهمة فيه – كل من موقعه وموقفه – من داخل المرجعية الفكرية العامة التي قد نتقاسمها وحتى من خارجها – لدى الخصوم. ونحن لما نتحاور، فمن منطلق الاهتمام المشترك والثقافة العامة، وليس المتخصصة بالضرورة، وهو ما دأبنا عليه في تنشئة اليسار، ويمكن لمن له تخصص في هذه المواضيع أن يدخل على الخط متى أراد، نقداً أو إغناءً.

فالنقاش/ دعوة محمودة للحوار الهادئ حول ضرورة نظرية ومنهجية لانتقال ممارسة اليساريين – المغاربة – وفي العالم – اليوم وغدا– إلى براديغم “اشتراكية جديدة” متطابقة مع خصوصيات ومتطلبات بلادنا والعالم – أي التطلع إلى اشتراكية ما أصبح يعرف بـ”اشتراكية القرن 21″.  لقد تعرض خ.أ لذلك – في ما يخصنا – من خلال وصلتين متتاليتين (15) و(16) من ركنه الرقمي: في “قلب الأوضاع”، على أساس أن يرجع إلى التفاعل مع ما قد نرد به أو نثمنه حول الاقتراحات المتواضعة التي تفضلنا بها، سابقا.

إنه يدعونا– صراحة – إلى المعرفة بموضوعاتنا وبمناهجنا التحليلية الاجتماعية، قبل “التموقع السياسي” الجريء ضمن قضايا اليسار الأساسية ببلادنا، على وجه الخصوص؛ وذلك ضمن سياق فكري وافق اشتراكي مغاير ومتغير وزاوية نظر، تتعامل بالجزم اللازم مع “أصول” الماركسية قبل “المصب” (انظر في هذا الباب مخطوطات ماركس 1844، انظر أيضا إصدار حديث جدا لترجمة بالعربية لكتاب “تصور ماركس للإنسان” لصاحبه إريك فروم، عن دار نشر سورية…).

لقد أسلفنا في مداخلتنا/ مقالنا الأصل/ الأول إلى أن هذه الاشتراكية للقرن 21 تجد أصلا لها  في ماركسية غير دوغمائية، سميتها بـ”الماركسية الخلاقة”. وهي “فرضية عمل” يمكن أن تكون واعدة، خاصة وأن النقاش مع خ.أ لا يعدو أن يكون “تقنيا” فحسب، حول أثر التحول التكنولوجي – عموما – والرقمي – خصوصا – على البنيات والسلوكات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وإنما هو نقاش تاريخي – سياسي – اقتصادي – ثقافي، بالذات وأيضا. وإذا كنا قد تعطلنا في التفاعل مع الدعوة للنقاش، حول قضايا تاريخية لليسار وأثر التحول الرقمي في بلادنا، فلهول الموضوع وما يتطلبه من وقت وجدية.

وللعلم، فمناقشة الاستاذ خ.أ – في مجالي التاريخ السياسي والتقنية – لمقالنا الأصل: “نقض أسس ممارسة سياسية “كائنة” لإستنهاض قوى تغيير “كامنة” (الصادر في 20 مارس 2022)، – هي مناقشة لمفهومي “الكائن” و”الكامن” في ممارسة اليسار الديمقراطي المغربي، اللذان أخذتهما – قبلئذ – عن مقال ص.م، في مداخلة متميزة خاصة له، مقال “مخاض يساري كامن”، تفضل بإلقائها في الندوة الوطنية للحزب الاشتراكي الموحد، حول “سمات الوضع الوطني…”. وقد سبق وأن أعاد نشرها بالتدريج طوال شهر رمضان المنصرم.

وفي تأكيد منه لقيادي صارم، وخوفا منه على تضييع الفرص مرة أخرى، أعاد نشر نفس المحتوى – تقريبا – ولكن بشكل مركّز أقرب إلى الورقة التقنية/ البوصلة/ سبورة القيادة، منهم إلى المقال: “اليسار المغربي بين كلفة الاجتهاد ومهاوي تكرار التجربة”، بتاريخ 29 يوليوز 2022.

ثم أن ما اعتبره الأستاذ خ.أ من صميم “مفارقة اليسار الكبرى” (الوصلة 15 بتاريخ 2/4/2022) هو ما تبنيته لدى الأستاذ ص.م – كفرضية عمل ناجعة”، حيث “يوجد اليسار المغربي – اليوم وعن حق – أمام مفترق طرق: إما الاستكانة والحفاظ على الذات وتصيد فرصة التدبير الحكومي، من جهة أو إعادة صياغة المضمون اليساري للحراكات الاجتماعية الجديدة، من جهة أخرى. وهو ما يعني الإمساك باللحظة النوعية والفارقة والعمل على “بلورتها “سياسيا وأدائيا وبعقلية وممارسة جديدة”.

وهي مفارقة فيبيرية – بحق – تعاني منها النخب المغربية – أو على الأقل جزء وافر منها – حد “السكيزوفرينيا” والخيانة (انظر كتاب خيانة المثقفين لصاحبه إدوارد سعيد(2014))، وكذا “القلق الوجودي” الذي يعتورها تحت وطأة القمع والتشهير والسجن (…) والإغراء!، تختلط فيه المصلحة الضيقة والانتهازية المعروفة لدى البورجوازية الصغيرة، (انظر مهدي عامل، 1979، ص 82، البحث في أسباب الحرب الأهلية في لبنان) من جهة؛ بالمبدئية والطهرانية النضالية، من جهة أخرى.

وهي الفرضية التي ستسمح بالتقاط بعض “الاقتراحات” والتوصيفات لسلوكات المثقفين والممارسين في حقل السياسة بالمغرب، والتي قد تساعد على فهم بعض الانفجارات في الإطارات الوحدوية أو الفيدرالية أو غيرها، وعلى نقد ممارسة روافد الحركة الوطنية السياسية ومآلاتها اليوم.  وقد تمثل بعضها الوجه الانتهازي للبورجوازية المغربية التي ناوأت خيار الفعل الشعبي (الأغلبية الحكومية برئاسة بنكيران، وفي نفس الخط حكومة العثماني، وبعدها الجزء المنشطر من تجربة فيدرالية اليسار الديمقراطي) واختارت الاندماج السلبي في دولة المخزن.

وهو ما عبّر في حينه عن انكسار العلاقة مع قوى يسارية بعينها، رافضة لخط الحزب الصلب: الخط الشعبي. وكأننا أمام معاودة ما أسفر عنه دستور 1996 من انقسام وانشطار منظمة العمل الديمقراطي الشعبي، والذي يعتبر حزب الاشتراكي الموحد-رفقة تيارات مناضلة أخرى- بمثابة امتداد أصيل لها.

ثم إن تلك “الاقتراحات” متى كانت “وجيهة”، فهي عناصر وخلاصات سريعة لبلاغات وبيانات قوى ثقافية جمعية رأت من واجبها- في حينه – التموقع/ التموقف في دينامية المجتمع المغربي وفي آفاقه الواعدة، وقد صيغت ونشرت في “الصحافة المستقلة” في أعقاب حراك 20 فبراير 2011، وقبل حراكات الشمال والشرق بالمغرب بقليل (انظر البيبليوغرافيا للمقال: “نقض أسس ممارسة سياسية(…)”). وسيأتي مقال “مشروع اليسار البديل”، الذي تشرفت بإلقائه في نفس الندوة/ الجامعة الوطنية شهر يناير 2022، ليقدم بعض تلك الاقتراحات/ المداخل، على شكل نقاط مقتضبة جداً ومفتوحة على الإغناء (القضية الوطنية، الحسم مع تركة الحركة الوطنية، الخ). كما أن بعض قراءات اليسار المغربي وعدد من المثقفين المحسوبين عليه لا زالت – وإلى حينه، تدعو لاعتماد “قراءات” أصيلة – صاحية – متصلة – مغايرة – متجدرة – ذات حجية مغربية متميزة ومفخرة خالصة لليسار المغربي – ولتاريخه الواعد.

وهو ما يعني – وكما استشفه خ.أ – في نفس خط ص.م ضرورة مراجعة وتجديد الفكر والخطاب السياسي لدى إنتلجنسيا الثقافة والسياسة، ببلادنا. وهو ما يعني- أيضا – بأسلوبه “الحاجة إلى الأفكار النيرة…” وإلى “طاقة الفكر” من أجل التغيير الديمقراطي (وصلة 16 بتاريخ 12/4/2022)، وإلى قيادة طليعية رشيدة وأصيلة، الآن وهنا.

وقد لاحظ ص.م أن مجموع “التعددية الوطنية”، بما فيها التقدمية اليسارية الممتدة على طول الساحة السياسية، ليست إلا تعبيرات مختلفة عن عقلية ومِخيال “الوطنية الاستقلالية”. ومن تم ضرورة القطع الفكري وفي الممارسة السياسية معها، وأشار إلى أربعة مفاتيح أنقذت الحزب من خطة قرصنة مبيّتة، وجعلته منيعا من انحراف وانزلاق وشيك نحو مواقع الانتهازية السياسية اليسراوية – الطبقية .

ذلك أنه رفض “الاندماج العددي القسري” لمناوءته لخيار “الفعل الشعبي” الأصيل، وما للعمل الجماعي الحامي للحزب من أهمية ضُيّعت في الطريق من طرف ما اعتبر نفسه – بمفارقة ما – “التيار الوحدوي”!. إن الطينة الطبقية الشعبية، -في معضمها، موقعاً وموقفاً، لمناضلي/ النواة الصلبة للحزب سمحت ببروز خط سياسي أصيل مستثمر للمفاتيح الأربعة الكبرى: من الإرادة الشعبية إلى السيادة الشعبية وما أحدث الحراك الشعبي بالريف من ثقب في السقف اليساري المنخفض ودعم النضالات الشعبية من أجل الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، ثم الوحدة الشعبية. وهو ما تطلب الاجتهاد على ابتكار مفاهيم وتوضيحها من أجل ممارسة نوعية فارقة، تُلغي كل الوصاية والتعالي على النضال الشعبي السلمي الحضاري، بل والتعلم منه لبناء مغرب الغد.

ذلك أن تغيير أسس الممارسة السياسية للحزب تقتضي إلغاء منطق الأقواس للدولة، وتختار لها استراتيجية النضال الشعبي الديمقراطي السلمي الحضاري وتتبنى العدالة الاجتماعية والجهوية والمناطقية وتعمل على تكريس الانفتاح السياسي وعلى تأسيس تعاقد جديد وشامل بين دولة عصرية ومجتمع مواطن. إن حزب يساري شعبي، هو ليس “شعب اليسار الوهمي” ويقتضي بادئ ذي بدء نقد تجربة الحركة الوطنية والتقدمية واليسارية المغربية، ويدعو إلى مصالحة حقيقية مع الريف بإطلاق سراح سجنائه وكل معتقلي السياسة والصحافة والتدوين.

يتفق الأستاذ خ.أ على أن “الماركسية الخلاقة” توصيفة محمودة وواعدة للخروج باليسار من تحجره وتقوقعه وتكلسه وانغلاقه وانشطاره الموصول عبر التاريخ السياسي لبلادنا وللعالم. وهو يفهمها على أنها جدلية (أطروحات و”نقيض- أطروحات” لقوى اجتماعية سياسية واعية لذاتها – أو تعي مكانها ووظائفها من خلال الصراع الاجتماعي السياسي الملموس- وتراكيب لتلك “الأطروحات- النقيض”، وآليات مبدعة كـ”التيارات” المعتمدة، مثلا – في سابقة بالبلدان العربية – الإسلامية – في الحزب الاشتراكي الموحد – الذي يكيله كل الفخر والتميز رغم كل المحن…)، وخاصة منه الدياليكتيك المادي- التاريخي. كما يدعو إلى تمثل جديد للماركسية مختلف عن التمثل الكلاسيكي لها للقرن 20. وهو ما يعني أهمية إعتماد منهج متميز لصياغة السياسات العمومية متماشي مع تغير الظروف الاقتصادية – الاجتماعية – السياسية – والتكنولوجية، تحت ركاب ومهماز العولمة.

وهكذا، القيادات اليسارية ومثقفيها تجاوز الكيليشيهات القديمة والتحلي بروح التحليل النقدي لما يحبل به الواقع، اليوم، من تغيرات وتحولات وتحديات محلية ودولية وعلى جميع الأصعدة.

والحال أن المؤتمر العالمي لعلم الاجتماع (2004) التقط محتوى ودرس معاني النضالات الاجتماعية التي أصبحت تكتسي الساحة السياسية عبر العالم، لما كان قد أشَّر عليه تحت اسم “التشظّي الأجري”، نسبة إلى تعدد وتشتت فئات وأقطاب القوى العاملة، وكذا مدى صعوبة إعادة تشكيل انسجام موفق لها، عبر بحث في إمكانيات توافق نضالاتها ومقاوماتها اللارأسمالية. وهو اختيار شديد التعقيد، لما يتطلبه من تجاوز صعوبات التأطير والتنظيم والتوحيد.

هكذا كان لابد أن توضع الأطروحة الماركسية الأساس – الصراع الطبقي على محك التقلبات السوسيولوجية والثقافية للعشريات الأخيرة من القرن 21، وكذا وجوب الوقوف على ضبط العلاقات بين تحولات العمل والصراعات الاجتماعية الملازمة لها، ليقفل المؤتمر بدراسة الصراع الطبقي العولمي.

ومن التيمات التي ناقشها المؤتمر إشكالية طبيعة وأشكال الصراع الاجتماعي الجديد ومشاكل الفقر والهشاشة وأطروحة “البرولتاريا” وموضوع “الطبقة الوسطى” وما يمكن تسميته بـ”وسطنة المجتمع”؛ الخ. وليتساءل أيضا، في ما إذا لم تصبح العديد من المقولات التحليلية الكلاسيكية موضوع تساؤل ضروري، اليوم، بل وأكثر من ذلك، في ما إذا تحول كثيرها إلى “سراب” و”أساطير” ومن تم الإشارة الماسة لإعادة النظر، بحيث أن النضالات ضد النيولبرالية، اليوم، تسمح باستخلاص دروس وتجويد الرؤى وأدوات التحليل النقدي وإنعاش صحوة القوى الحية في العالم.

هكذا وضعت على محك التمحيص ما يسمى بنظرية “الرجوع”، وكذا نظرية “تجديد الصراع الطبقي”، وهو أمر ضروري أمام تفكيك البناءات الاقتصادية – الاجتماعية والسياسية والرمزية، اليوم، لقوى العمل (المادي واللامادي…) في العالم.

ولعل من الفرضيات/ الأطروحات/ الأسئلة التي تشكل حجر زاوية تفكير/ قلق الأستاذ خ.أ ما يلي:

  • كيف يمكن إقناع الناس – اليوم – بجدوى الممارسة السياسية “السلمية”، تلك الممارسة التي تصون الكرامة والحياة، وتجري تحت مظلة الدولة الوطنية – نفسها – وعبر الوسائل القانونية – المشروعة؟
  • جدوى العمل السياسي اليساري العلني المواطن (منظمة العمل الديمقراطي الشعبي،…).
  • إذا كان على اليسار أن يعيد قراءة التاريخ – المغربي (والعالمي)، فله ما يكفيه من الحجج التي تجعله فخور بمغربيته وتميزه وأصالته، عميق الجذور والحضور، وبعيدا عن البسترة والاقتباس والجاهز (…).
  • إن بث الروح في الماركسية يمر عبر الحفاظ على صيغتها الفكرية المعاصرة لفهم الرأسمالية، ومن تم اقتراح بدائل مشروعة/ عادلة للقضاء عليها في طابعها المفترس.
  • إن تجديدها يقتضي – أيضا – التسليح بثقافة التكنولوجيا التي يديرها الحاسوب للانتقال إلى موجة الحضارة الثالثة (كما يراها ألفين توفلر…).
  • الأفق السياسي الملائم في المغرب هو “الملكية البرلمانية”، حيث الملك يسود ولا يحكم، على الطريقة الأنجلوساكسونية (انجلترا، إسبانيا…). وللمغرب سابقة في ذلك، حيث الجناح اليساري في حزب الاستقلال دبر الحكم بقيادة عبد الله ابراهيم – عبد الرحيم بوعبيد (1958-1960)، فقرر ونظم ونفذ السياسات العمومية الكبرى – الداخلية والاجتماعية منها – على الخصوص.
  • إن ما يبعد اليسار اليوم عن مشروع رفقة جديدة مع الملك – فضلا عن عسر تعامل النظام معه، خاصة في سنوات الجمر والرصاص – إلا ما استشرى من سياسة الفساد وشرعنة الاستبداد وتكريس لأعمدة النظام الطبقي – النخبوي الحاكم – وليس شخص الملك في ذاته – وذلك ضدا على الموروث المشترك للمغاربة – جميعهم – ولرمز سيادتهم – “العرش الملكي”، وضدا على توازن ضروري لمعادلة الملكية الديموقراطية – الملكية البرلمانية.

هكذا، فإذا كان الطريق الوحيد للاعتراف في آن بشرعية الملكية من جهة والديمقراطية – رابع ثوابت الأمة ( بعد الدين الإسلامي للدولة والوحدة الترابية والملكية الدستورية)، من جهة أخرى، هو دمجهما في نظام “الملكية البرلمانية”، فإن ما يسمح به مناخ هذه الأخيرة السياسي العادي هو “التناوب على السلطة/ الحكم”، حيث الملك يسود ولا يحكم. وسيكون من اللازم- بعد حسم سؤال طبيعة النظام ومحورية حكم الشعب، أن يتقدم اليسار الشعبي المغربي الجديد للأمة ومعها، ببرنامج سياسي مبني على حكامة تربط المسؤولية – حقا – بالمحاسبة، ومن تلك الأسئلة التي يمكن أن تشغل مشروعه الاشتراكي ما يلي:

  • إلى أي حد يستطيع “اليسار الشعبي المغربي” أن يعرف بدقة ويصارع خصومه وأعداءه بحنكة، على جميع المستويات والدوائر المحلية والعالمية، أولا، وأن يبني برنامجا سياسياً واعدا، طموحا وإرادويا، ثانيا، وأن يؤسس لتنظيمات قوية مستقلة، حزبية ونقابية وجمعوية، ثالثا، (انظر جوريس جون 1900) ضدا على الأصولية الليبرالية الإدارية والدينية، التي تخدم الاقتصاد المخزني؟
  • ألا يقتضي تجاوز الرأسمالية الضروري – في المراكز كما في الهوامش – تبني شكل جديد للاشتراكية ذات الملمح التشاركي واللامركزي والفيدرالي والديمقراطي والإيكولوجي والمختلط والنسواني (…) الخ (انظر بيكتي طوماس 2022، لتحيا الاشتراكية !)، في سياق تتعاظم فيه السلطوية ويتم الحصار على الحريات العامة؟
  • أليس لنا في المغرب في ما اقترحه إدغار موران – مع التمييز الضروري – مشروع يساري واعد في الميادين النضالية (…)، بالرغم مما اعترى اليسار المغربي من انكسارات في أفق توحيده؟ وهل تشكل “آلية التيارات” الديمقراطية، الضامن للوحدة في الاختلاف في إطار يسار شعبي موحد؟
  • ونظرا لأهمية النقض والنقد الذاتي لأي مؤسسة حزبية، وما لذلك من دور في تحسين أداء الأطر السياسية، فهل من شقوق قد تعتور أصالة ” الطينة الشعبية الطبقية للحزب، بعد انفراط عقد الفيدارلية ومشروع التوحيد لما يناهز 20 سنة؟ وهل من حظ لكي يتبوأ خيار ” اليسار الشعبي” – السلمي- الحضاري منزلة محترمة في استراتيجية الحزب اليساري المرتقبة، ولعل ذلك ما قد يتطلب نقدا ضروريا للقيم البانية لفكر وسلوك النخبة القائدة ومجموع المناضلين (دحض للطهرانية والوصاية والتعالي المحتمل…)؟.

وفي ختام هذا الفصل، يبدو أن الماركسية المنفتحة الصدر لكل أبنائها وبناتها، من تعبيرات التيارات والقوى الاجتماعية بداخلها، لهم -قبل وبعد كل شيء- نفس المصدر، وإن اختلفت روافد المصب في النظر والتطبيق. وإذا كان ماركس ينازع العلم الاقتصادي والسياسي في شيء، فليس بالضرورة في جدوى الاشتراكية، وإنما في المعرفة الدقيقة بطبيعة الرأسمالية التاريخية، كنمط إنتاج وتوزيع للقيمة المضافة، أصلها وفصلها، وخاصة في الحقبة الصناعية، منها، ولو في شكل من أشكال تطورها- كالشكل الاحتكاري المعمم الحالي- أو تشوهها، كما هو الأمر في البلدان المتأخرة والتابعة لمراكز القرار الدولي.

إن الفيصل في المجال العلمي هو قوة التحليل الملموس للواقع الملموس. أما في الحقل السياسي، فالأمر قد يتطلب تذييل الاختلاف والبحث عن المشترك العملي/ الحد الأدنى في خدمة البرنامج السياسي الوطني الشعبي الواعد. إن ذلك يمر أساسا عبر القدرة على الابتكار والجرأة والوعي لاستنهاض القوى الحية من تحت الرماد، والتعلم منها وقيادتها- ومعها، في آن، من أجل عالم / مغرب أفضل. وبديهي أن للاجتهاد كلفة، وذلك لتجنب الأخطاء القاتلة وتجاوز ” مفارقة اليسار الكبرى”، لبلورة المضمون اليساري للحراكات الاجتماعية الجديدة، والإمساك باللحظة التاريخية والفارقة وبعقلية جديدة.

إنما يضير النفس ما أصاب الأحزاب التقدمية سليلة الحركة الوطنية من بؤس فكري سياسي، حيث فينومينولوجيا الانحراف السياسي جعلت النزعة الشعبوية عملة جارية. لقد أضحى كل من ” الخواء الفكري وعقم التنظير السياسي”، لازمة الأحزاب السياسية المغربية خصوصا سليلة الحركة الوطنية، وهو الداء/ العضال الذي أدخلها في قوقعة الارتماء في خط الفكر البراغماتي/ الانتهازي، والانشغال بالأمور التنظيمية والتعبئة المدججة والمهتجسة بفكرة التصارع على الزعامات، فلم تعد الفكرة الحزبية مبنية على الاجتهاد في تطوير الفكر السياسي/ التنظيري، بقدر ما اختزلت الحزبية في التصارع بين الأشخاص وممارسة ثقافة الإقصاء والإقصاء المضاد، وفي تغييب قسري لثقافة الحوار. وعليه غدت هذه الأحزاب مثقلة بعيوب التنظيم وصناعة القرارات والتأطير والتموقع والتحالف وعوز الدمقرطة، مع أفق سياسي محدود ومسدود لا يتعدى دائرة النزوع نحو كسب عطف وود السلطة والصراع والتنافس على التقاط إشاراتها وتعليماتها وإملاءاتها، وهو ما ضرب إمكانية تشكل المأسسة الحزبية وأصابها في مقتل خصوصا في ظل المتغيرات المعيارية والقانونية (الدستور، قانون الأحزاب …) الناظمة لها. (انظر بؤس الفكر السياسي لدى الأحزاب سليلة الحركة الوطنية / د.عثمان الزياني 2015، وجهة نظر رقم 64)

ولعل من المداخيل الاقتصادية السياسية المفضلة لدى السوسيواقتصاديين لأجرأة المشروع، ذلك، فهم مختلف القوى الاجتماعية السياسية الحاضرة في الساحة النضالية، حقا، وقبل كل ذلك، أثر التحولات الراهنة على مكانة قوى العمل فيها، بالضبط، في ظل رأسمالية اليوم، خاصة.

ذ. عبد الواحد حمزة

سوسيو– اقتصادي 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى