أحمد الخمسي في قلب الأوضاع(36):هذا هو القانون الأساسي الموروث عن تجربة التوحيد الفاشلة
على هامش التحضير للمؤتمر الخامس
يقر القانون الأساسي للحزب الاشتراكي الموحد مؤسسة الندوة الوطنية التي تسمح بخلق نقاش وطني يتسع لمن كانوا يأملون الخير في تجربة الحزب الاشتراكي الموحد. والتحضير لمؤتمر يأتي بعد تجربة 20 سنة من تجارب التوحيد الفاشل، يقتضي الإنصات لنبض الرأي العام القريب من الحزب والمتعاطف معه. أقل ما كان سيحققه النقاش الوطني كحد أدنى هو عودة من ذهبوا منذ تم جر التجربة إلى النقاش البيزنطي حول نقطة الاندماج كمحور، وعودة من ذهبوا بعد الانشقاق وهم ليسوا مع الانشقاق، فهناك مجموع الثلث الذي لم يذهب مع الذاهبين ولكنه لم يبق مع الباقين. الثلث مجموع من لم يبق في الأول ومن لم يذهب ولكنه لم يبق في الأخير. لأن التدمير الذي جرى مر عبر “خفض المعنويات” وتخريبها، ووضع الأعضاء في حالة “عسر هضم ما جرى”، و بالتالي “شل جاذبية الخطاب” السياسي.
كان علينا تنظيم ندوة وطنية نستمع فيها إلى المؤثرين في الرأي العام الوطني المتعاطفين مع الحزب الذي ينظم التحضير لمؤتمره الخامس. كان علينا أن نستمع إلى آرائهم النقدية والداعمة. في غياب الندوة الوطنية ها هو التحضير يمر حسي مسي، وهو ما لا يخدم هدف الحزب في استعادة إشعاعه الواسع داخل الرأي العام اليساري والوطني. لذلك قررت شخصيا المساهمة في إخراج التحضير من قمقم التقوقع، ليتموقع تحت دائرة الضوء ويتخذ موقعه بين المجريات الرئيسية للحياة السياسية في بلادنا. فالحزب الذي شهدت التقارير الأمريكية بكون أحد الداعمين الثلاثة فقط، لحركة 20 فبراير المجيدة، تلك التقارير التي لم يطلع عليها ساعتها ولا واحد من المكتب السياسي للحزب، لا يمكن التحضير لمؤتمره اليوم في غياب عن الرأي العام الوطني.
يقتضي التحضير التوقف عند زلزال الانشقاق، بالتقييم والمراجعة واستخلاص الدروس. إن تقييم السلوكات السياسي والتنظيمي، خلال التوحيد السابق، عتبة لا يمكن القفز فوقها بإغماض العين، ثم ادعاء التقدم في الخط السياسي والتنظيمي إلى الأمام.
علينا كشف “زمام المتروك” الذي تركه المرحوم “التوحيد” الفاشل.
“زمام المتروك” يبدأ إحصاء محتوياته بعد وضع القانون الأساسي الذي كان ينظم التوحيد عبر مبادئ وأهداف وهيكلة وهيئات واختصاصات وميكانيزمات.
وضع القانون الأساسي على الطاولة يحيلنا على هندسة أبوابه ومواده الموزعة على كل باب.
والاهتمام المتوازن بالحياة الحزبية يقتضي أن يكون القانون الأساسي نفسه متوازنا.
وفحص حالة القانون الأساسي سيبيّن لنا، ما إذا سعى المتوحدون فيما بينهم بالمبادئ التي يختص اليساريون الاشتراكيون بنهجها (المبادئ). و بالقضايا الوطنية الديمقراطية الاشتراكية (الأهداف) وهو ما يفرض تخصيصها ببابين مستقلين.
نعرض أبواب القانون الأساسي موجزة في عناوينها، فلا نعثر على باب للمبادئ ولا على باب بالأهداف
النظام الأساسي لحزب الاشتراكي الموحد (فى 2005-10-18 عن PSU)
الباب الأول : الاسم والرمز والمقر (126 كلمة)
الباب الثاني: اختصاصات وتأليف أجهزة الحزب (2056 كلمة)
الباب الثالث: العضوية (533 كلمة)
الباب الرابع: طريقة اختيار مرشحي الحزب للانتخابات(70 كلمة)
الباب الخامس: التيارات الداخلية (350 كلمة)
الباب السادس: تحديد حصة الشباب والنساء في أجهزة الحزب (99 كلمة)
الباب السابع: الانضمام إلى اتحادات الأحزاب والاندماج (113 كلمة)
الباب الثامن : حل الحزب (102 كلمة)
عرضنا أبواب القانون الأساسي موجزة في عناوينها، فلم نعثر على باب للمبادئ ولا على باب بالأهداف.
أولا، كان على القانون أن يرتّب الأبواب إما بجمع ما يتعلق بالحياة الداخلية للحزب في قسم أول يجمع كل الأبواب التي تختص بتقنينها، ثم يضع علاقة الحزب بالحياة السياسية المغربية، ولحظة خصوبتها هي الانتخابات، في قسم ثان مفصل.
ثانيا، في القسم الأول، داخل الحياة الحزبية كان على القانون الأساسي ترتيب أبواب المبادئ والأهداف والعضوية وأجهزة الحزب وموقع النساء والشباب والتيارات وقنوات اتصال الحزب مع الشعب والمحيط الاجتماعي لليسار. ليكون القسم الأول مكونا من سبعة أبواب. بينما نلاحظ المرور مباشرة إلى أجهزة الحزب. ولا قسم أول، ولا سبعة أبواب ولا يحزنون. مما عكس لهف المشاركين على التموقع في الأجهزة القيادية، وباقي هموم الحزب واليسار والشعب، آخر اهتماماتهم.
ثالثا، في القسم الثاني، لو كان عقل المشرع الحزبي يهتم فعلا بالانتخابات كلحظة خصوبة في الحياة السياسية للشعوب والدول، لأفرد للانتخابات قسما ثانيا كاملا. لكن، عندما نتأمل أعلاه ملخص الأبواب، نتأمل الباب الرابع المخصص للانتخابات فنجده يتكون من 70 كلمة فقط من 3052 كلمة هي مجموع كلمات القانون الأساسي.
رابعا، كان من الممكن جعل قضايا مساهمة الحزب في الحياة السياسية في لحظات استثنائية في الحياة السياسية الوطنية مثل حالة الحرب والكوارث الطبيعية وكذا المساهمة في الاتحادات الأحزاب، وأخيرا احتمال حل الحزب، في قسم ثالث.
خلال مراحل التوحيد، اطلع الرأي العام الوطني على التحاق بعض الأسماء المعروفة في الحياة السياسية، كان من الممكن أن تساهم في صياغة القانون الأساسي، ليضم القضايا التي غفلها من تكلفوا بصياغة دستور الحزب.
ولأن القانون الأساسي لم يكن جاذبا، فدوره العملي بقي مهمشا في الحياة الحزبية. ولأن بعض دهاقنة النقد الدستوراني لم يهتموا سوى بتوزيع المقاعد القيادية، لإضافة ذلك إلى موجز سيرتهم الشخصية، بات النقد المسلط على الأمينة العامة هو الموضوع الرئيسي طيلة ولايتيها (2012-2022).
***
تحليل القانون الأساسي كما هو
ولأن من تجمعوا فاضت رغبات جلهم عن حجم الحزب، فقد قبض الباب المخصوص بأجهزة الحزب القيادية على 60 في المائة من كلمات القانون الأساسي. بما زاد عن 2000 كلمة من أصل لا يزيد عن 3452 كلمة هو الحجم الكلي لكلمات القانون الأساسي. وبالضبط باب أجهزة الحزب وحده يتكون من 2073 كلمة، بينما تتكون الأبواب السبعة كلها 1379؟
كان من المفترض أن يقابله الباب المخصص للانتخابات، بقدر مواز من الكلمات أو أكثر. لأن العمل التنظيمي الداخلي للحزب كله ضخ للطاقة البشرية من أجل توفير الطاقة النضالية والاقتراحية بشراكة مع عموم الشعب وذوي الأهلية الانتخابية خصوصا، ليس فقط خلال الحملة الانتخابية التي لا تزيد عن نصف شهر، بل طيلة خمس سنوات مدة الانتداب الانتخابي بين حملتين انتخابيتين. إذا الباب المخصص للانتخابات سيتكون من مواد عديدة تجمع كلها أكثر من ألفيْ كلمة.
لا ثم لا. الحقيقة المُرَّة (مرارة جغديد) هي أن الباب المخصص للانتخابات لا يتكون من مواد عديدة، بل من مادة يتيمة فريدة. الحقيقة المرة هي أن الباب المخصص للانتخابات لا يتكون من 2000 كلمة ليوازن الباب المخصص للقيادات والمشيخات الحزبية، بل يتكون من 62 كلمة فقط وفقط. معنى أن المتنافسون على الاجهزة القيادية جعلوا من الباب الذي ينظم تنافسهم يحتل 60 في المائة من عدد كلمات القانون الاساسي إجمالا.
بعد هذا الشكل الأول من اللاتوازن الهيكلي في القانون الأساسي بين الافراط في الاهتمام بالأجهزة والتفريط في الاهتمام بالانتخابات، يظهر اللاتوازن الهيكلي ثانية فاقعا بين الأبواب الثمانية. فعندما نبحث حجم الأبواب الأربعة الأولى (1و2و3و4) مقارنة بحجم الأبواب الأربعة الأخيرة (5و6و7و8)، نجد 2784 كلمة في مجموع الأبواب الأربعة الأولى ، مقابل فقط وفقط 668 كلمة في الأبواب الأربعة الأخيرة (5و6و7و8).
وبخشيبات التعداد لكشف اللاتوازن بين الأبواب والمواد نجد القانون الأساسي يتكون من 35 مادة، وهو قدر قليل. لينتقل التواضع بالتقسيط بين الأبواب نفسها من حيث حصة كل باب من المواد. من أصل 35 مادة نجد 27 مادة في ثلاثة أبواب فقط، مقابل 8 مواد فقط في خمسة أبواب. قمة اللاتوازن والعبث. بحيث أربعة أبواب يتكون كل باب منها من مادة فريدة. كان من الأجدى أن تجمع في باب واحد يسمى “مقتضيات عامة”.
قد يكون مجمل نص القانون الأساسي له انسجام كنص سردي. ولكن جمع الكلمات وإدخالها الى بيوت (أبواب) وغرف (مواد)، حكم على بعض البيوت بالاكتضاض وعلى البعض الآخر بالسجن الانفرادي.
هكذا يظهر أن نص القانون الأساسي الذي ورثه الحزب الاشتراكي الموحد من تجارب الأغلبيات المفككة، طيلة عشرين سنة، نصا هشّا غير متوازن، هرّب مدبجوه فقرات جوهرية (مثل الأهداف والمبادئ الموجهة للحياة التنظيمية إلى مواد فرعية جزئية داخل القانون الأساسي أو إلى القانون الداخلي الذي يرجع تطبيقه إلى تحكم طغمة ضيقة تكلفها الأغلبية المفككة السابقة بتدبير الحياة التنظيمية. فكيف من أصابه العمى في الكليات سيعدل في تطبيق الجزئيات؟ إذا فسُد فقه الأصول كيف يمكن لفقه الفروع ألا يكون فاسدا؟
الشكل الثالث للاتوازن في القانون الأساسي، تجلى في تدبير الأغلبية المفككة السابقة الحياة الحزبية بناء على المؤسسات المنصوص عليها في القانون الأساسي على علاته.
انشغلت الأغلبية المفككة السابقة بنزاعاتها المعلنة ليس باللجوء إلى لجنة التحكيم التي بقيت معطلة، بالكولسة والحرب الخفية فيما بين أطرافها جميعا. وبقي الباب الخاص بلجنة التحكيم عاطلا.
انشغلت الأغلبية المفككة السابقة بنزاعاتها المعلنة، وسلكت في صرف الميزانية طريق الوشوشة والكولسة والترضيات وبقيت الفروع “تدبّر محاينها”. وقد شغلت المالية 147 كلمة من المادة 21 كمادة أخيرة ضمت إلى إدارة الحزب التي لم تحظ سوى ب13 كلمة. ومع هذا وبمنطقه بقيت لجنة المراقبة المالية معطلة أيضا.
ومعنى أن تترك الإدارة والمالية إلى آخر مادة من 18 مادة في الباب الثاني، عمليا تترك للحسم والتحكم الفردي مردوفين بالترضيات بين أجنحة الأغلبية المفككة السابقة. والحال أن المالية الحزبية خاضعة لمراقبة المجلس الأعلى للحسابات. وهذه المراقبة البعدية تعني ضرورة الالتزام بقواعد الميزانية وفق شروط تعليل المداخيل وتعليل المصاريف وفق وثائق رسمية. ومن المعروف أن المجلس الأعلى للحسابات غالبا ما أشار إلى التوصل بتقارير الحزب الاشتراكي الموحد خارج الآجال القانونية. وهذا يعني أن المكتب السياسي، لم ينظم عمله المالي تنظيما قانونيا محكما. وهي عبرة سيئة لحزب يدعي أنه البديل يستهدف إعادة توزيع الثروة بالعدل. فالملاحظ إلى الآن هو الجهل والارتجال وليس العدل.
الدليل هو أن تقارير الانتخابات لا تقدم مباشرة بعد ظهور التنائج. لأن التسيير المالي يكون ارتجاليا وبأسلوب “عينك ميزانك” وليس بتطبيق قرارات المجلس الوطني (برلمان الحزب). والأمر هنا أفظع عندما نتذكر أننا نردد الدعوة إلى نظام سياسي ملكي برلماني.
ضمن المادة 21 المذكورة وضع المكلف بصياغة كلمات “إدارة الحزب” في حدود 13 كلمة، لسنا من الذين يقتبسون الفأل السيء من رقم 13، لكن أن يختزل كل ما يتعلق بإدارة الحزب، فذاك هو الشؤم عينه.
الخلاصة: تهريب تشكيل سكريتارية اللجنة التحضيرية كان المبتدأ. أما الخبر فما زال في حكم “شبه جملة” بين الجر والمجرور. ولنا عودة حسب ما سوف يظهر من مجريات التحضير.
هذا هو مجمل “زمام المتروك” من مرحلة التوحيد الفاشلة.
ولنا عودة لمتابعة التحضير الجاري للمؤتمر.