وجهة نظر

المغرب والمونديال: ضربة معلم؟ هل تجرؤ الدولة على صناعتها لتبهر العالم؟

لم يكن المغاربة قبل مساء يوم الثلاثاء ينظرون لأنفسهم بالكيفية التي أصبحوا ينظرون إليها بعد النصر في المباراة مع اسبانيا مساء الثلاثاء 6 دجنبر 2022.

في إذاعة مارس، كان أحد صحافيي الرياضة يتحدث بجدّية صارمة حول قاعدة احترام الخصم إذا أردت أن تنتصر عليه. وفي كل “الحروب”، لا دور نافع للحرب إذا لم تكن اضطرارية وإذا لم يتسلح الخصوم فيها بالاحترام المتبادل فيما بينهما.

هذا في حد ذاته مؤشر جدي على التحوّل النوعي في الوعي الرياضي لدى المغاربة. وهو تحول لم يكتسب بعد مساحة الأغلبية بين الصحافيين الرياضيين أنفسهم.

في الدبلوماسية الخارجية حول الصحراء سبق مؤشّر هام عندما زار الملك بلدانا افريقية قصد تطوير التعاون معها غير مشترط الموقف من الصحراء (قبل الأزمة تونس طبعا). ونتج عن هذه الروح السمحة أن كسب المغرب ضربة نوعية في القضية الترابية الأولى لم تكن ترد على بال.

ولا يمكن لطرف أو فاعل في أية قضية أن يتصرف بهذا الشكل، ذي “الروح الرياضية” كما يقال، إذا لم يكن يثق في مسلسل خطواته. والثقة في الخطوات تسبقها الثقة في النفس. وهو ما لوحظ في العشرية الأخيرة في السياسة الخارجية.

والثقة في مدرب وطني، بالمواصفات التي لوحظت في التجربة الأخيرة مع وليد الركراكي، ثقة في المضمون ولم تكن مشروطة بالشكليات في البروتوكول الإعلامي. وتصريحات المدرب واللاعبين (بونو مثلا) في الصحافة، دلت على أنه لم يجرِ توجيه بروتوكولي مسبق للمدرب قصد الالتزام بمقدمات معينة ترتاح لها لغة الخشب التقليدية. وظهر أن الدولة تكسب أكثر عندما تقتسم مع الشعب مجالات التصرف بحرية وبالتركيز على الهدف وليس بالتركيز على الربح البروتوكولي مسبقا.

هذا “التعاقد الضمني” القائم على الجوهر وليس على الشكل، هو الذي وفّر للجميع في المغرب، دولة وشعبا، مكسب النصر في الجولة الذاتية الأولى، وفي الجولة الموضوعية الثانية.

الجولة الذاتية هي القدرة على جذب مدرب ولاعبين حصلوا على تنشئتهم الاجتماعية الخاصة والعامة في أوربا الكرامة والحرية. فترى زياش البادي لكل عين أن كرامته الشخصية قيمة غير قابلة للتصرف. شاب معتد بنفسه رزين الحركات عميق النظرة البصرية، قاوم التحكم والتسلط، لكنه أعطى أكبر ما لديه من جهد وخبرة عندما اقتنع أن الاشتغال هذه المرة في المنتخب الوطني لا تشوبه شائبة. وقد أكد المدرب أن ترك النفاق والأنانية هو السبيل للحصول على النتائج الإيجابية. ولا يصبح الفرد مضطرا للنفاق أو ردود الفعل الأنانية سوى مقابل الضغط والتسلط. وعندما يزاح الضغط السلطوي تنفتح آفاق العطاء بسخاء. لأن الوطن هو الرهان.

الجولة الموضوعية الثانية هي ما تطلب استحضاره من قدرة وخبرة وإرادة بل وطموح ودربة وروح قتالية من أجل ربح رهان الوطن. كان المغرب، عبر المنتخب، بمثابة الفارس والحصان في سباق الحواجز.

يمكن تشبيه صورة فرق المونديال، بثلاث حواجز. الحاجز الأول تمّ بنجاح ما بين الثمن والربع، وما بين نصف النهائي والنهائي حاجزان اثنان. ثلاث حواجز اجتاز منها المغرب الحاجز الأول ومن خلاله سوف يتقدم في الترتيب العالمي الاجمالي بين منتخبات العالم بما لا يقاس. فهو اليوم ضمن الفرق العالمية القوية بلا منازع. فهو ضمن الفرق الثمانية العالمية الأولى في الكرة الأرضية كاملة.

حتى لو لم ينجح في اجتياز حاجز البرتغال، فلسوف يبقى ضمن الثمانية الأولى في العالم. هذا المكسب لن يزيد عمره عن أربع سنوات ما بين 2022 و2026. بحيث يمكن أن يتقهقر في المونديال المقبل داخل القارة الافريقية قبل حتى ربح الترشح ضمن الفرق الممثلة للقارة. سيصبح ساعتها الربح الحالي ربحا ظرفيا اجتمعت ظروف ظرفية (قطر العربية، ووليد الركراكي، والرشد المؤقت للمسؤولي سنة 2022 في السياسة الرياضية).

بينما المطلوب هو تحول المنتخب المغربي إلى ركيزة ثابتة في ملامح المغرب ما بعد سنة 2022. أي منتخب لا ينزل عن الترتيب الثامن بين منتخبات 200 دولة في العالم.

ما الذي يكسب المنتخب الكروي المغربي مناعة تبعده عن الهشاشة البنيوية التي اعتدنا عليها في المغرب؟

الترتيب المتقدم لمنتخب كرة القدم، لا يستطيع أن يُنسي المغاربة في ترتيب المغرب في مجالات التنمية البشرية. فالمغرب لا ينزل عمّا بعد المئة. في التعليم والصحة والشغل. وتسهيل مامورية الميلياردير ليصبح رئيسا للحكومة لا يخفي منظومة الفساد التي تشكل أرضية هشة للاستبداد الناعم.

فالفارق كبير والمسافة ما زالت طويلة بين البلد الذي يجعل الفرد بطلا رياضيا لامعا حتى وإن ساهم في حملة ضد مرشح انتخبه الشعب ليصبح مسؤولا عن السياسة. تلك حالة نايمار مع لولا دا سيلفا. وبالتالي، المنطقة التي تصبح فيها السياسة مستقلة عن الاحتكار المباشر في القرار، تسمح باستقلالية في بروز الطاقات في مختلف المجالات، رياضة واستثمار وآداب وفنون وعلامات اختراع داخل البلد. تلك بنية صلبة وليست هشة بنيويا.

فاستقلالية القرار الرياضي وغير القرار الرياضي هي ما يفصل بين رسوخ البروز الرياضي في البرازيل وبين معجزة الانتصار عندما يحققه المنتخب المغربي. إلى هذا الحد، يظهر المغرب “حالته الاستثنائية” كونه بلد هش البنيات الأساسية يحقق ما يشبه المعجزة في مواسم عارضة. المتبقي من المونديال، قد يرسخ لدى المغاربة، دولة وشعبا، حقيقة المعجزة فوق أرضية هشة عندما يتم إقصاؤه دون أن يكتمل حلمه العادي في كونه من حقه الحصول على كأس العالم في كرة القدم. وعلى العكس من ذلك، قد يرسخ بوصوله إلى “النهائي” حتى لو لم يتوج بالكأس، أنه في القرار الرياضي بلغ في تجربة النجاح، منتهاها، وعليه فقط أن يطور التجربة الكروية الحالية، ويعمم دروسها في السياسة والاقتصاد والعلاقات الاجتماعية والبحث العلمي على قاعدة الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية بالتدرج المكين.

الخلاصة: حتى لحظة النصر في المقابلة مع اسبانيا، لا ننسى أننا أمام حالة “استثنائية اسبانيا في الانهزام” وحالة استثنائية المغرب في الانتصار”. غير هذه الحقيقة في المعادلة نحول الحاصل الجزئي إلى وهم شامل. وبيننا وبين الوهم الذي تعبنا من تكراره جسر الحلم والجدية في العمل والشمولية في انتقال المغاربة الى ضفة التقدم البنيوي وليس النوم على طَعم عسل الوهم اللحظي. 

مع ذلك، سنختبر منبت المنتخب الكروي، لقياس الجهد المبذول رسميا لنقل المغرب إلى أكثر من طموح الدولة في اللعبة الخارجية. وماذا لو تم إطلاق سراح ناصر الزفزافي ورفاقه والذهاب بهم رفقة عوائلهم للمشاركة في المونديال.

تلك ضربة المغرب وثلاثية المونديال

ضربة معلم؟ هل تجرؤ الدولة على صناعتها لتبهر العالم بتقدمها الحثيث رفقة شعبها الصبور؟ إذا اشترطت السلطات بجدية لإنجازها من يعوضهم رهائن داخل السجن، فسأتطوع شخصيا.

      لأن ثقتي في وطنيتهم الراسخة لا تتزحزح كما لا تتزحزح ثقتي في الإرادة الشخصية لمحمد بن الحسن بن محمد بن يوسف لخير وتقدم هذا البلد الجميل وهذا الشعب الطيب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى