حوار مع المفتش التربوي بمراكش ذ.خالد مجتهد حول المنظومة التربوية المغربية(الجزء الأول)
منذ بداية الاستقلال والمنظومة التربوية المغربية تعاني من الصراع السياسي والإديولوجي، وخاصة في مجال لغة التدريس وتدريس اللغات، ورغم أن الدستور المغربي أقر الانفتاح على اللغات الأجنبية وكذا الرؤية الاستراتيجية والقانون الإطار، فلازال الصراع محتدما بين الداعين لتدريس اللغة الفرنسية كلغة أجنبية أولى والداعين لاعتماد الإنجليزية مكانها نظرا لأهميتها العلمية والتكنولوجية واستعمالها من طرف أغلب المؤسسات الصناعية وأكبر عدد من سكان العالم، في هذا الإطار اشتغلت وزارة التربية الوطنية على تعميم اللغة الإنجليزية بالثانوي الإعدادي، مما أتار النقاش من جديد حول لغة التدريس وتدريس اللغات، ورغم أن الصراع الحقيقي محتدم حول لغات التدريس، وأقل حدة حول تدريس اللغات، ارتى موقع تنوير إجراء حوار مع الباحث التربوي والمفتش المختص في اللغة الإنجليزية تنويرا للرأي العام والساحة التربوية حول قرار وزارة التربية الوطنية تعميم اللغة الإنجليزية في الثانوي الإعدادي، وسينشر الحوار في 3 أجزاء
الجزء الأول
س= قررت وزارة التربية الوطنية تعميم الإنجليزية بالثانوي الاعدادي انطلاقا من الموسم الدراسي القادم، هل توافق الرأي الذي يعتبر التعميم خطوة إيجابية؟
فعلا، قررت الوزارة تعميم تدريس اللغة الإنجليزية في السنة الثانية ثانوي اعدادي ابتداء من الموسم الدراسي المقبل بعدما كانت تدرس في السنة الثالثة اعدادي منذ سنة 2003. وهذه خطوة جد إيجابية لأنها تكرس مبدأ التعدد والانفتاح اللغوي لمواكبة متطلبات العصر، وبالنظر للأهمية متعددة الأبعاد لتدريس اللغة الأكثر تداولا في العالم. وكذا تواتر المواقف إلإيجابية ( رسمية وشعبية) اتجاه إيلاء هذه اللغة مكانة مهمة في مختلف أسلاك ومستويات المنظومة التربوية الوطنية.
س= هل تعتقدون أن الشروط متوفرة لتحقيق التعميم؟
تجدر الإشارة بدءا أن الوثائق الرسمية منذ الميثاق الوطني قد أكدت على ما يلي “إدراج تعليم اللغة الأجنبية الثانية ابتداء من السنة الخامسة من المدرسة الابتدائية، مع التركيز خلال هذه السنة على الاستئناس بالسمع والنطق ….وإلزامية اللغة الإنجليزية بوصفها لغة مدرسة، والشروع في تطبيق هذا الاختيار في المدى القريب، وتعميمه في المدى المتوسط. هذا المدى يسمح باستكمال توفير المدرسين والعدة البيداغوجية اللازمة لذلك”. وهي نفس الصيغة تقريبا التي وردت في الرؤية الاستراتيجية 2015-2030 (ص 17) والقانون الإطار 51-17 المادتين 31 و32. مما يؤكد أن أهم أسباب ما يمكن اعتباره نوعا من التردد أو التأخر في تنزيل هذه المقتضيات مرتبط بتوفير المدرسات والمدرسين واستكمال عناصر الهندسة المنهاجية للمادة في السلك الاعدادي. وهو أمر يبدو أن جزءا مهما منه قد تم الحسم فيه من خلال توظيف أعداد متزايدة من الأساتذة الأطر النظامية للأكاديميات خاصة خلال السنة الحالية. في حين، وإلى حد اليوم، لم يصدر دفتر تحملات يبرز شروط تأليف كتب مدرسية بالنسبة للثانوي الإعدادي. هذا علما أن الكتب المدرسية المتداولة حاليا في الثالثة إعدادي كانت مخصصة للسنة الأولى إعدادي. وبالتالي، عوض أن يتم التعميم تصاعديا بشكل يراعي التسلسل المنطقي للمواصفات والكفايات المطلوبة من المتعلمين في مستوى دراسي وكل سلك تعليمي، فهو ذا يتم تنازليا.
س= هل سيساهم التعميم في تقوية اللغة الإنجليزية في النظام التربوي المغربي باعتبارها لغة أجنبية أولي؟
من المعلوم أن التخطيط اللغوي ببلادنا يهدف إلى “إرساء تعددية لغوية بكيفية تدريجية ومتوازنة بحيث تجعل من المتعلم الحاصل على البكلوريا متقنا للغة العربية، قادرا على التواصل باللغة الأمازيغية. ومتمكنا من لغتين أجنبيتين على الأقل.” ورغم الطابع الواضح والمعتبر لهذا التوجه، فإن السياق المجتمعي هو الذي يتحكم في موقع كل لغة (رسمية كانت أو أجنبية) في المجتمع المدرسي. كما أن السياسة اللغوية مقرونة بشكل كبير بالسلطة السياسية والعدالة الاجتماعية. ( كورسن 1999)، وهو ما يفسر كون المسألة اللغوية إحدى أهم الإشكالات الأفقية في المنظومة التربوية. بناء عليه، وعودة إلى سؤالكم، فمكانة اللغة الفرنسية كلغة أجنبية أولى يرتبط بعوامل سياسية وجيو-استرتيجية بالإضافة الى عامل الترقي الاجتماعي (ناجح 2020). في حين، تكمن قيمة الإنجليزية في المدرسة في دورها الأداتي والنفعي. علما أن القيمة كاف Q-value للغة الانجليزية (De Swaan, 2001) اي أن عدد الأفراد المحتمل التواصل معهم عند استعمال لغة معينة مرتفعة لإمكانية التواصل بها على نطاق واسع ولضرورتها لولوج المعاهد العليا ومراكز ونتائج البحث العلمي. فالتعميم الحالي لن يغير الوضع. بل ستنضاف ساعتان على الأرجح ليصبح عدد ساعات تدريس اللغة الإنجليزية على سبيل المثال 512 ساعة في الشعب الأدبية و372 في الشعب العلمية (ابتداء من الثانية إعدادي) مقابل ما يناهز 1900 و1820 ساعة على التوالي بالنسبة للفرنسية (ابتداء من الثانية ابتدائي).
خالد مجتهد مفتش تربوي -مراكش.