وجهة نظر

نساء مشردات يعانين في صمت

امين لحلو

هن على هامش المجتمع المغربي، لكن تجدهن وسط المدن في الشوارع والأزقة، يفترشن الأرض ويلتحفن السماء، طعامهن مما جاد به المارة أو من بقايا زبناء المطاعم والبيوت، إنهن النساء “المتسولات” أو اللواتي لا مأوى لهن.

جريدة تنوير، في هذا الاستطلاع الصحفي، ستحاول  رسم صورة عن معاناة هذه الفئة من النساء اللواتي يعانين في صمت، من خلال شهادات بعضهن، ورأي الهيئات الحقوقية وكذا المحللين الاجتماعيين ومسؤولي مراكز الإيواء. مع الإشارة إلى أن النساء لسن وحدهن ضحايا التشرد، بل كذلك الرجال. لكن، في هذا الاستطلاع، سنركز تحديدا على قصص نسائية.

التشرد نتيجة الطلاق

في إحدى الشوارع بمدينة بني ملال، امرأة متكئة على عمود إشارة المرور، وبجانبها كيس أسود. بمجرد أن ردت التحية، حتى قالت: “خويا دور معايا”، وهي تبتسم. تدعى “فاطمة”، في العقد الرابع من عمرها، بمجرد أن طلبنا منها قص حكايتها وكيف أصبحت متشردة تتسول ما تأكل، تغيرت ملامحها، وقالت: “راجلي خاني وطلقني وجرا عليا أنا وولادي“.

تضيف فاطمة وقد عدلت جلستها: “سبب خروجي للشارع منذ 5 سنوات هو خيانة زوجي لي مع إحدى النساء من بمدينة ابي الجعد، وعندما دخلت معه في خصام، قام بتطليقي وطردي من المنزل مع أبنائي”، مردفة: “بعدها ذهبت إلى بيت أسرتي، والذي أصبح ملكا لأخي بعد وفاة والدي. بعد مرور أسابيع، قام بطردي لأنه لا يستطيع أن يتحمل مصاريف عيش أسرته وأبنائي لم يكن أمامي أي شيء أقوم به لإعالة أطفالي إلا التسول“.

فاطمج تعيش الآن في غرفة تكتريها رفقة أطفالها في أحد الأحياء الشعبية، لكنها، للأسف، وبدل أن تشتغل لتكسب قوت يومها وقوت أبنائها، تفضل التسول تحت ذريعة أنها “لم تعود على العمل“!

تشرد العجائز

غير بعيد عن المكان الذي التقينا فيه فاطمة، وجدنا امرأة عجوزا، لم نجد صعوبة في إقناعها بالحديث عن معاناتها وكيف وصلت لما هي عليه. قالت بلكنة تغلب عليها الأمازيغية: “إسمي حادة، أبلغ من العمر 70 سنة، لا أتوفر على منزل وأعيش مع ابني الوحيد في “براكة” بضواحي بني ملال. لا يوجد بها كهرباء ولا ماء وأتسول لكسب قوتي يومي“.

لا تختلف قصة مليكة، في عقدها السادس، عن قصة كل من فاطمة وحادة، كما أنها تتشابه بالتأكيد مع قصص الكثير من النساء دون مأوى، إذ تحكي أنها تملك منزلا تركه لها زوجها بعد وفاته وهي لم تنجب أبناء ولم يبقَ لها من يعولها، ما دفعها للتسول.

تقول مليكة: “توفي زوجي فخرجت إلى الشارع لأني لا أملك ما أسد به رمقي وأنا عجوز لا قدرة لي على العمل. مضيفة: “مكرهتش أولدي كون عندي الولاد غادي يهزوني والله كبير“.

أسوء عنف تتعرض له النساء هو العنف الاقتصادي

من جهتها، ترى ثريا الثناني، ناشطة حقوقية، أن أسوء عنف تتعرض له النساء هو العنف الاقتصادي.

وأردفت المتحدثة أن الدولة لا تخجل عندما ترى أن النساء يعشن في الشارع عرضة لقسوة الشتاء والبرد و الحر، فالنساء اللواتي يعشن هذا الوضع هن وصمة عار على جبين الدولة، التي تقول انها دولة اجتماعية مشيرة إلى أن النساء المشردات عرضة لقسوة الطبيعة وبدون شك يتعرضن  إلى  الاغتصاب و العنف بجميع أشكاله  أي العنف اللفظي، العنف الجنسي، الاستفزاز، إلى غير ذلك” وفق تعبيرها.

واعتبرت الناشطة أن هؤلاء النسوة لم يخترن أن يكن مشردات.

التشرد منتشر بالمجتمع المغربي

من جهته، قال محمد العيساوي، ناشط جمعوي”، إن ظاهرة النساء بدون مأوى واللواتي يفترشن الارض ويعشن على القمامة، نجدها بكثرة في مجتمعنا، موضحا أن هنا المشردات يعانين من ظروف معيشية صعبة، وفي جميع الحالات يجب الاهتمام والرعاية بهن عن طريق إوائهن في أماكن مخصصة لهن، او عن طريق الرعاية الصحية لهن.

وأردف الناشط الجمعوي، أنه في بعض الأحيان تشكل هاته الفئة خطرا على المجتمع حيث تنتج عنهم تصرفات غير مضبوطة وغير متوقعة، خاصة الحمقى، وفي نفس الوقت هن عرضة لجميع أنواع الاستغلال.

توجهنا إلى مركز إيواء الأشخاص بدون مأوى بمدينة وادي زم، حيث التقينا بسعيد عمارة “مسؤول سابق بمركز الرعاية الاجتماعية بوادي زم”.  أول جملة نطق بها، ردا على سؤال “تنوير” حول وضعية النساء المشردات اللواتي يستضيفهن مركز الإيواء الذي كان يعمل فيه سابقا، هي أن مركز الإيواء بواد زم مخصص فقط للرجال دون مأوى وفقا لترخيص الجهات المختصة. لكن في بعض الحالات يستضيف نساء دون مأوى

نساء مركز الإيواء بوادي زم مع وقف الترخيص

واستدرك عمارة حديثه، قائلا: نظرا لإستضافة بعض المشردات، بشكل استثنائي، قامت الجمعية المرخص لها بإدارة مركز الرعاية الاجتماعية بوادي زم، بإعداد جناح خاص بالنساء راسلت مؤسسة التعاون الوطني وعبرها الوزارة الوصية بشأن ذلك، ومن أجل تعديل الرخصة لتشمل استفادة النساء من خدمات المركز كما هو الحال بالنسبة للرجال المتشردين مردفا: “إلا أننا لم نتلقَّ أي جواب من الجهات المختصة، ومع ذلك لازال المركز يستضيف المشردات.

وأشار المتحدث إلى سلطات وادي زم هي التي تأتي بالمشردات لإستضافتهن بالمركز رغم أنه مخصص قانونا فقط للرجال. لكن في نفس الوقت لم تستجب بطلب إضافة استفادة النساء من خدمات المركز في الترخيص الممنوح.

ودعا عمارة الجهات المختصة إلى توسيع ترخيص مركز الرعاية الاجتماعية بوادي زم لتشمل خدماته النساء كذلك، موضحا أن تحقيق ذلك يزيد من سعة المركز ويرفع من جودة خدماته، خاصة أن هذا هو المركز الوحيد في جهة بني ملال خنيفرة الذي يقدم خدمات للأشخاص بدون مأوى سواء كانوا رجالا أو نساء.

في ذات السياق، يرى علي أحمام، باحث في العلوم الاجتماعية أن نظرة الفرد الى المرأة المتشردة بصفة عامة يمكن أن تصنف المرأة المتشردة بأنها تلك المرأة التي تتعاطى إلى المخدرات أو تلك المرأة التي كانت تمتهن الدعارة.

التشرد ناتج عن تخلي الأسر عن أفرادها

في ذات السياق، قال الباحث في علم الإجتماع، إن وضعية النساء بدون مأوى تنزوي على الأحكام الجاهزة، موضحا أن حتى النساء الجبليات يعشن قهر ومحنة البحث عن حطب التدفئة هن أيضا يعشن التشرد. ولكن المرأة المتسولة التي تأخد التسول كمهنة لا يمكن اعتبارها متشردة.

ويرى الباحث في علم الاجتماع أنه يمكن تحديد تعريف للمرأة المتشردة بمكانيزم أساسي هو: عندما يتخلى عنها المجتمع أي تتجلى في فئة عمرية متقدمة في السن التي ترمى إلى الشارع وهي لا تملك حيلة في إيجاد منزل أو غرفة تأويها وتقيها برد الشتاء وحر الصيف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى