فرنسا بين التدخل العسكري في النيجر ورفض مشاركتها في القمة 15 لمنظمة البركس بجوهانسبورغ

أحمد رباص
أفادت وسائل إعلام جنوب أفريقية، في بداية الأسبوع الأخير من يوليوز الماضي، بأنّ الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، لم يتلق طلب دعوةٍ من السلطات الجنوب أفريقية لحضور قمة مجموعة “بريكس” الاقتصادية المُقبلة، والتي ستُعقد خلال المدة الزمنية المحصورة بين 22 و24 غشت الحالي، في عاصمة البلاد جوهانسبورغ.
وذكرت نفس البوابة جنوب أنّ السلطات قامت بإرسال 70 دعوة إلى زعماء دول العالم الجنوبي، لكنّها “لم ترسل دعواتٍ إلى الدول الغربية، مثل الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا”.
وأشارت البوابة إلى أنّ سلطات جنوب أفريقيا رفضت إرسال الدعوة للرئيس الفرنسي، وذلك رغم إلحاح الجانب الفرنسي. وفي المقابل تم تأكيد حضور الصين والهند والبرازيل وروسيا من أصل 34 دولة ، إلى جانب الدولة المضيفة بطبيعة الحال. والنتيجة التي يمكن الخروج بها من هذه المقدمات هي أن فرنسا غير مرحب بها في قمة البريكس.
دعونا نفتح قوسا خاصا بمعضلة انقلاب النيجر وما تمثله من تحديات لماكرون قبل استئناف الحديث عن القمة الموعودة التي سوف تتمخض، من بين أشياء أخرى عن عملة عالمية بديلة عن الدولار الأمريكي.
يعرف المتتبعون لتطورات حدث الانقلاب العسكري في النيجر أن يوم غد عاشر غشت سوف يشهد حسم المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (الإكواس) في التدخل العسكري في النيجر من عدمه. إما شن هجوم مباشر على النيجر وإما تقبل الوضع وكفى المؤمنين شر القتال. وعند استقصاء رأي الرئيس عبد المجيد تبون الذي يشكل ما يقع وما سيقع في النيجر تهديدا مباشرا على بلاده بحكم الحدود المشتركة بين البلد، نجد أنه لا يحبذ التدخل العسكري لأن عواقبه وخيمة وكوارثه فظيعة كما رأينا في ليبيا وسوريا واليمن..
من المعلومات التي يجب التذكير بها في إطار هذا القوس أن فرنسا وأمريكا (وإسرائيل بشكل ضمني) جعلوا من النيجر مستودعا لذخيرتهم وأسلحتهم وعتادهم وحاضنا لقواعدهم العسكرية مفضلينه على كل من بوركينا فاصو ومالي. ويجب أن نعلم أن الجنود الفرنسيين المتواجد في النيجر كان تحت قيادة قائد عسكري نيجري الذي لم يكن إلا عبد الرحمن تشياني، رئيس المجلس العسكري حاليا. وهذه أول مرة في التاريخ الفرنسي تسقط فرنسا في مقلب لا مثيل له. اختلطت الاوراق وتشتت، ولم تعد فرنسا تعرف ما تقدم وما تؤخر، أصيبت بالدوار أمام الزحف الإفريقي الهائل المطالب بالحرية والرافع لشعار “خيرات وثروات إفريقيا للأفارقة”.
لكن المؤكد، في ظل هذه الاوضاع المضطربة، أن الحركات الإرهابية الإسلامية سوف تنتعش في منطقة الساحل رغم أن الشيء الوحيد الذي يشترك فيه الجيش الأمريكي مع ميليشيات فاغنر هو قتال الإرهابيين. وقد لا يخفى عليكم سقوط ضحايا من عناصر فاغنر إثر هجوم نفذه مسلحون في مالي على مقربة من الحدود الشمالية.
والأرجح أن فرنسا خسرت الرهان على إفريقيا وباءت استراتيجية ماكرون في بناء علاقات جديدة مع دول القارة باءت بالفشل، خصوصا بعدما أخلف الوعود التي قطعها مع الأفارقة ولم يحقق منها شيئا يذكر، ناهيك عن سياسة تأليب الأفارقة ضد بلاده التي نهجتها روسيا خاصة منذ انفراج أزمة كوفيد أو في تزامن معها.
ويكفي للتدليل على النهج الروسي ذكر ما قاله فلاديمير بوتين عن علاقة فرنسا بالدول الإفريقية: “اسحبوا من فرنسا البترول الغابوني، الأورنيوم النيجري، الكاوكاو الإفواري، القطن البوركينابي، الخشب الكونغولي والكامروني، الذهب المالي، وماس الصحراء الوسطى وسوف تجدون أنفسكم أمام بلد من العالم الثالث بنسبة بطالة مرتفعة وبكثير من الفقر المدقع. فرنسا لا شيء بدون إفريقيا”.٦
أما الولايات المتحدة فقد اكتفت مع حلفائها باستنكار الانقلاب العسكري في النيجر الذي رأو فيه اعتداء على الديمقراطية، لهذا طالبوا بالإفراج عن الرئيس المحتجز محمد بازوم.
نلمس هذا الموقف من خلال ما صرحت به نائبة وزير الخارجية بالوكالة فيكتوريا نولاند للصحفيين من العاصمة نيامي عقب زيارتها الأخيرة للنيجر من إن الولايات المتحدة عرضت المساعدة خلال محادثات استمرت أكثر من ساعتين إذا كانت هناك رغبة من جانب المسؤولين العسكريين في التراجع عن الانقلاب والرجوع إلى ثكناتهم. وأضافت: “لن أقول إنه تم قبول هذا العرض بأي شكل من الأشكال”.
وحسب قولها، التقت برئيس أركان الجيش الجديد، العميد موسى سالاو برمو، ولكن ليس مع الجنرال عبد الرحمن تشياني الذي نصب نفسه قائدا جديدا للنيجر، أو مع الرئيس المُحتجز.
بعد ذلك، ظهرت أمريكا كالخائفة والتزمت الصمت. لكن ما القمة الاقتصادية التي تعتزم مجموعة البريكس تنظيمها في بداية الثلث الأخير من هذا الشهر تفاقم قلقها.
والملاحظ أن رئيس المجلس العسكري في النيجر، عبد الرحمن تشياني، تزداد شعبيته مع الساعات والأيام. لم ترتعد فرائصه من فرنسا ولا من الإكواس ولا حتى من أمريكا. يعلم علم اليقين أنه محمي من جيرانه: الجزائر وبوركينا فاصو ومالي، وكذا من روسيا والصين وإيران، وأن وضعيته الحالية تختلف كثيرا عن وضعية صدام في العراق والقذافي في ليبيا.
لنقفل القوس ولنعد إلى موضوع مجموعة البريكس التي بدأ قبل أيام الانضمام إليها يسيل لعاب الكثير من الدول.
لكن ما أوردته جريدة “هسبريس” المغربية والموالية للإمارات العربية المتحدة عن الجزائر بخصوص رفض انضمامها إلى منظمة بريكس بدعوى أن الهند تعارض “توسيع التكتل” كلام لا أساس له من الصحة حيث نفت وزارة خارجية الهند ما يشاع عن معارضتها لتوسع البركس.
كذلك، من غير المناسب لذكائنا تصديق كذبة “هسبريس” رغم نسبتها إلى وصفتهم ب”خبراء اقتصاديين” يرون أن الجزائر لا تستوفي شروط ومعايير الانضمام بسبب تواضع ناتجها الداخلي الخام، بينما نجد الجزائر تحتل المركز الرابع في جدول ترتيب أكبر الاقتصادات في قارة افريقيا برسم سنة 2023 مسبوقة بمصر في الموقع الثالث وبجنوب إفريقيا في المركز الثاني وبنيجيريا في المركز الأول، أما بلادنا فكان من نصيبها المركز السادس.