التفكير الفلسفي في كوارثنا (الجزء الثاني)

أحمد رباص
تحت تأثير كارثتي الزلزال والفيضان اللتين ضربتا على التوالي وبشكل متزامن بلدين عربيين مغاربيين (المغرب وليبيا)، قلت في قرارة نفسي: كيف قاربت الفلسفة إشكالية الكوارث؟ لمحاولة إيجاد جواب عن هذا السؤال، عثرت على مقال بالعنوان أعلاه كتبه فلوران بوسي الحاصل على دكتوراه في الفلسفة. كان مدرسا لهذه المادة في المدرسة الثانوية، قبل أن يتم تعيينه محاضرا في جامعة روان الفرنسية (2006-2013). ألف العديد من الكتب ونشر العديد من المقالات ويتعاون حاليا مع مجلة “Les Zindigné(e)s”، التي يديرها بول أريس.
المقال (تتمة)
منذ وقوع كارثة تسونامي التي دمرت سواحل جنوب شرق آسيا في ديسمبر 2004، أصبحت صور الكوارث مألوفة بالنسبة إلينا، وذلك بفضل انتشار وسائل التسجيل المصغرة. ل
قد رأينا أنه من خلال اختراق المياه للأرض، يمكن للمياه أن تحمل الحافلات والقطارات والمنازل وجميع الأشخاص الموجودين في طريقها. لقد أذهلتنا أيضا الفرص العديدة التي تحكم موت الأشخاص أو بقاءهم على قيد الحياة أثناء وقوع الكارثة. أحيانا تلفظ حيوات أنفاسها في بضع ثوانٍ فقط، وغالبا ما يكون الجهل وفقدان الوعي حاسمين.
إن السمة الأساسية للكوارث (هجمات، فيضانات، انهيارات أرضية، عواصف، إلخ..) هي الظهور كنتيجة لآليات عمياء يعاني منها ضحايا أبرياء لا حول لهم ولا قوة، وبالتالي كشر شامل، دون عزاء ممكن.
يتم تجريم الأنشطة الإنسانية، وفي الحالة الأولى (هجمات) تتم إدانة الإرهابيين. يمكننا أيضا أن نتحدث عن طرق إلهية لا تسلك ويمكنها، بطريقة أو بأخرى، أن تجلب تبريرا أو عزاء أو وعدا بالانتقام أو دعما بسيطا. لكننا نسارع إلى نسيان هذه الأسباب الحاسمة أو تهميشها، والاحتفاظ فقط بالكارثة في طبيعتها الخام، لأن كل الأسباب المقدمة ليست كافية لطمس “فضيحة البراءة المنتهكة”، التي تكشفها الصور متى شئنا.
هذه البداهة – التي يعد التلفزيون ناقلها الرئيس – تفرض نفسها على ضمير الجميع: أفعال الإنسان، إرادته وفكره لا علاقة لها بالكوارث التي تعبر عن بؤس الحالة الطبيعية للإنسان. إن الفيضانات المتكررة في بنغلاديش تسلط الضوء، كما لو كانت هذه البداهة ضرورية، على المحنة التي يواجهها الناس طوال حياتهم، تماماً كما رافقتهم الأمراض والموت منذ بداية تاريخهم.
ويجب ألا ننسى أيضا أن جميع الأسباب المقدمة لتبرير الكارثة هي في حد ذاتها سيئة، لأنها تبحث عن تفسيرات في تصرفات الضحايا، مما يضفي الشرعية الأخلاقية على الشر الذي عانوا منه. إنه لأمر فظيع أن نرى في سوء الحظ تكفيرا عن خطإ ظاهر أو خفي.
ومع ذلك، كتب جان جاك روسو في رسالته إلى السيد دي فولتير يقول: “أعتقد أنني أوضحت أنه باستثناء الموت، الذي يكاد يكون شرا فقط بسبب الاستعدادات التي جعلناها سابقة عليه، فإن معظم شرورنا الجسدية لا تزال من صنعنا. دون أن نترك حديثنا عن لشبونة، نتفق، على سبيل المثال، على أن الطبيعة لم تجمع هناك عشرين ألف منزل من ستة إلى سبعة طوابق، وأنه لو تم توزيع سكان هذه المدينة الكبيرة بشكل أكثر توازنا، وبإسكان أقل كثافة، لكان الضرر أقل من ذلك بكثير، وربما كان منعدما. ولكان بإمكان الجميع الإفلات بجلدهم عند الهزة الأولى”. (Jean-Jacques Rousseau, Lettre à Voltaire (18 août 1756), in Œuvres complètes, Paris, Gallimard, « Bibliothèque de la Pléiade », 1969, Volume IV, p. 1061)
وليس من المناسب، كما فعل روسو، تحميل ضحايا الكوارث المسؤولية عن مصيرهم. وهذا من شأنه أن يضيف الازدراء، الوحشية وحتى الفضيحة إلى المأساة، لأنه يعني أن أولئك الذين ليسوا ضحايا أي كارثة هم أبرياء من أي خطإ. وهذا ما انتقده جان بيير دوبوي في قول روسو. وبتطبيقه على عصرنا، يعطينا ذلك:
“لم تدم براءة تسونامي آسيا إلا بضعة أيام. وبطبيعة الحال، تم الاعتراف مرارا وتكرارا بأن الكارثة لا يمكن أن تكون إلا “طبيعية”، ولكن مع مرور الوقت بدأ هذا اليقين في التفكك. لقد تعلمنا أنه لو لم يتم تدمير الشعاب المرجانية وأشجار المانجروف الساحلية بلا رحمة بسبب التحضر وتربية الأحياء المائية والاحتباس الحراري، لكان من الممكن أن يؤدي ذلك إلى إبطاء تقدم الموجة القاتلة وتقليص حجم الكارثة بشكل كبير. ثم جاءت اللحظة، يا لسخرية التغطية الإعلامية للعالم، عندما فوجئنا بأننا أولينا بأنفسنا كل هذا الاهتمام للكارثة. ولم يستغرق الأمر وقتا طويلًا للعثور على التفسير المناسب: لم يحدث الزلزال بالكامل في صحراء، أي في زاوية نائية من العالم الثالث، مثل ذلك الذي ضرب مدينة بم الإيرانية سنة 2005، ولكن في أماكن يسكنها “سادة المدينة” الذين يطلق عليهم اليوم السياح. وبسرعة كبيرة، اتخذ التسونامي هوية عامل مساعد بسيط للعمليات الاجتماعية بنسبة 100%، تلك التي تساهم في زيادة الظلم الاجتماعي في العالم بلا هوادة. ومرة أخرى، كان معذبو الأرض هم الذين دفعوا الثمن”. (Jean-Pierre Dupuy, Petite métaphysique des tsunamis, Paris, Seuil, 2005, p. 43)
ويجب علينا بلا شك أن نؤكد على الاحتمالية التي لا ترحم لوجود الإنسان وجهله الذي لا يمكن تجاوزه، وألا نحرم إخواننا من البشر، ضحايا الكوارث، مثل كارثة عام 2004، من تعاطفنا، من تضامننا ومن مساعدتنا. ومع ذلك، فإننا نرى على الفور ما هي العواقب التي تترتب على هذه البداهة في الواقع: طالما انه لا وجود لمسؤولية إنسانية في إثارة الكوارث، في تطورها وفي حصيلتها، فلا يمكننا فعل أي شيء حيالها، ولا يمكننا منعها (وهو شيء آخر غير مجرد التنبؤ بها) أو حتى التفكير فيها. لا يمكننا إلا أن نلاحظها، ونتهيأ لها بأفضل طريقة ممكنة ونتحملها دون ألم قدر الإمكان. وسيُعاد الإنسان إلى عجزه الطبيعي، إلى ما هو أبعد من الأسطورة الديكارتية المتمثلة في “جعل أنفسنا أسياد الطبيعة ومالكيها”.
تستعيد الطبيعة حقوقها، وبالتالي تدعو الإنسان إلى مزيد من التواضع. تكون الكارثة بمثابة فرصة لا مثيل لها لتقدير وضع الإنسان في العالم والتشكيك في الأسطورة الحديثة حول التقدم اللامحدود في السيطرة على الطبيعة.
يعيش إنسان الحداثة هنا تجربة أسلافه، وهكذا يجعل إعصار كاترينا الأمريكيين أقرب إلى البنعلاديشيين أو الهولنديين في القرون السابقة.
ومع ذلك، لا شيء أقل يقينا. لا شيء في خطابات السياسيين يشير إلى أن كبار المسؤولين الغربيين يعتقدون أنهم قريبون من كوارث كبرى تدعو إلى التشكيك في أنماط حياتنا وأنماط استهلاكنا، ويعتبرون أنه من الضروري العمل باسم مصير مشترك للإنسانية لا يمكن إنكاره.
الرابط: https://journals.openedition.org/leportique/2013