وجهة نظر

للأطلس المغربي وجهان : أسود عظام وقتلى مهملون بقلم أحمد الخمسي

في قلب الأوضاع 49

من متابعة الأحداث، طبعا عبر القنوات التلفزية، المغربية والأجنبية، لِمَا أصاب اقليم الحوز، من زلزال فائق العنف، يستخرج المغاربة، درسين اثنين بالتوازي=

ولكي لا نزيد فيما أحزننا بقوة، حقنة إضافية، نبدأ بالنصف الممتلئ من الكأس=

حيث نعيش رعشة تضامن غير مسبوقة من طرف المغاربة، طيلة الزمن الاجتماعي والسياسي منذ عقود. ظهر أن صعقة الفرح والاغتباط التي دغدغ بها أسود الأطلس كل المغاربة في الخريف الأخير فجرت عيون المودة والوعي بالانتماء للوطن. ولمّا زلزلت الأرض زلزالها، هب الكل في كل المناطق في الأزقة والساحات يجمعون التغذية والأدوية والألبسة والأغطية. حتى أن بعضهم علّق كون حجم ما يجمع يكفي مؤونة كل المغاربة لمدة سنة.

في كل الأزمات الكبيرة ينسى هذا الشعب الطيب حساباته الصفيرة، فلم يعد الدخول المدرسي موضوع هموم العائلات، ولربما أوضاع هشاشة الشباب وانتشار البطالة ساعد على توفير جيش من المتطوعين لتنظيم سلاسل تنفذ المهام المتتالية. وارتفع عدد ساعات العمل اليومي التطوعي في معدل عام للمتطوعين يصل 16 ساعة. انفتحت المستودعات ووضعت الشاحنات رهن الإشارة، بفضل التدفق غير المحدود من الخيرات لدعم القرى المنكوبة في الأطلس الكبير وسهل الحوز.

نأتي الآن إلى الجانب الثاني في المعادلة حيث النصف الفارغ من الكأس. أكتفي بحدود المتابعة عبر الفضائيات التلفزية، كون المعطيات الواردة فيها ما زالت على قدر من الاتزان كونها محسوبة على دول بعينها. مما يمكِّنُ المتتبع من حساب نسبة الحقائق بعد طرح توابل السياسة جانبا.

تضررت القرى الجبلية إلى درجة انهيار كل المنازل في بعض القرى وقت النوم أو التهيؤ له.

طبعا، كل الوقت يعاين المسافر الأبراج والطرق السيارة والمناظر الحديثة المنتمية للعصر فيما بين طنجة والداخلة مع احتساب ضلعين آخرين من طنجة إلى فاس/مكناس، ومنهما إلى مراكش/أكادير. ذاك هو المغرب النافع الذي تركه الاستعمار الفرنسي، مضاف إليه منجزات الوحدة الترابية في العيون والداخلة. ومن لا قدرة لهم على السفر تعفيهم التلفزة التي لا شغل لها سوى الدعاية للمنجزات.

في الخريف الماضي، عندما تمكنت الدولة من إنجاز الحالة الاستثنائية غير المعهودة في كرة القدم ما كان ذلك ليتحقق دون قرار سياسي. والقرار السياسي ما كان ليصدر لولا عاملين= العامل الأول هو مرافقة الشبيبة الكروية لتحول قطاع كرة القدم إلى مؤسسات تسعى لأن تواكب القرار الدولي الرأسمالي بالاستثمار الكروي في القارة الافريقية كجزء من التسابق العالمي على قارة المستقبل. وقد هيأت الدولة منذ زمن، نفسها للحضور الافريقي، وهو العامل الثاني الأسبق، بحيث نظمت الأكاديمية الملكية لقاء علميا خلال سنة 20 15، وكان المستثمر الفرنسي فانسان بورولي قد حط رحاله في الدار البيضاء سنة من قبل لكن أمره أصابه التعتر بسبب إقدامه على اعتماد الرشوة مع مسؤولين أفارقة. ومعلوم أن فانسان بورولي هو مول الشكارة لليمين الفرنسي.

جاء الزلزال، ليدفع بالثقوب السوداء في السياسة التنموية الى الواجهة. ومعلوم أن النقاش الذي دار حول “النموذج التنموي الجديد” لم يضع الجزء المهمل من المغرب في جدول الأعمال. لم يتطرق أصحابه، بل لم ينتبهوا إلى شركات البناء الاحتكارية لها مناجم عذراء يمكنها الاستثمار فيها. وهو ما انكشف في الزلزال، كون طول وعرض مغرب الجنوب ما زالت القرى تعتمد طريقة القرون الوسطى في البناء بالتراب وحده. ذات يوم كانت التلفزة المغربية تذكر مآثر مراكش فذكرت “قصر الحجر” الذي بناه أحد سلاطين الموحدين. ونعرف جميعا أن الكتبية وبعدها صوامع مساجد القرى التي بقيت صامدة وسط ركام الرميم بعد الزلزال، خبرة أندلسية.

كل مغربي، له ذرة من الكرامة سيستحيي أمام الأجانب عندما يقال عن بلدنا أن انسداد الطرق كان أحد المشاكل المانعة لوصول تجهيزات الانقاذ في الوقت المناسب، وعندما يقال أن مغاربة الأطلس والجنوب ما زالوا يبنون منازلهم بالطين وحده، لا حجارة ولا أسمنت مسلح ولا شيء مما أصبح من باب البداهة في البناء الحديث.

تلك حاجيات ما قبل الدولة الاجتماعية المنشغلة بتحريك الطرق الرأسمالية الجشعة في الأشغال. لا قوانين ولا استثمار ولا أوراش طرق وتجهيزات في مغرب ما زال غير نافع إلى اليوم. وحدها شركات الانترنت تضع محطات الارسال لامتصاص الارباح وإلهاء الناس بالثرثرة الفارغة والتواصل المتخلف بالشتم والنميمة وخلق المشاكل البينية داخل مسام المجتمع لينشغل المجتمع بنفسه.

ما قيل عن الأطلس والجنوب يقال عن الجزء القروي في الشمال. وحدها الهجرة الاندلسية منذ خمسة قرون علمت الناس البناء بالحجر. أما مغاربة البادية في الهوى سوا جميعا. لذلك ذكرنا بالتجربة الماليزية – منذ 1981- أكثر من مرة. فهو البلد المسلم السني الملكي. يمتاز عنه المغرب كونه منسجم من حيث اللغة والدين والتاريخ ونظام الدولة المركزي. لكن الدولة التي اختارت الرأسمالية رسميا منذ 1967، أمام العالم لم تستعمل من الرأسمالية سوى خلق الاثرياء دون خلق الثروة. فماليزيا الأفقر والأبعد عن الشركات الغربية الغنية بالمال والخبرة، ماليزيا يزيد رقم إنتاجها الوطني الخام عن 400 مليار دولار، بينما لا يصل إنتاجنا الوطني الخام 150 مليار دولار. طبعا حسابات الأغنياء في سويسرا واللوكسمبورغ… تمتص الثروة الحقيقية وتحولها إلى ثروات أفراد مغاربة وليست ثروة مغربية.

إننا نحترز من إفراط السلطة والبرجوازية معا من التفاؤل، ففرنسا نفسها، عندما ظنت أنها انتصرت على منافسيها واستفردت بالمغاربة، أخذت صفعة على وجهها بداية الحماية في معركة الهري سنة 1914. وانتهت بصفعة أخيرة في وادي زم حيث أسقط الأبطال البسطاء هيليكوبتر قائد القوات الاستعمارية الفرنسية في وادي زم سنة 1955.

لقد استهانت الدولة بأبطال الاطلس عندما استبدلت اسم شارع كبير في مدينة كبيرة من اسم بطل مغربي مشهور الى اسم أحد عملاء فرنسا في القارة السمراء. وجاء الوقت اليوم لتفتح الدولة الورش الكبير الخاص بمغرب الجبال. فالزمن لا ينسى، ولكن الاستدراك من أجل فعل الخير لا ينتهي زمنه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى