*الحراك التعليمي: ثلاث منطلقات وخمس توصيات…

للحراك التعليمي،صوته في البرلمان المغربي، كما كان الشأن ولازال مع الحراك الشعبي،الأمر الذي تؤكده خطوة البرلمانية عن الحزب الإشتراكي ألموحد، الدكتورة نبيلة منيب، بتنظيمها يوماَ دراسيا برحاب مجلس النواب.
فعلاَنظم اليوم الدراسي، وكان قوياَ،من حيث مكان انعقاده ومن حيث شكله ومضمونه ونوعية المشاركين، خصوصاً المشاركة القوية لتنسيقيات الحراك التعليمي،في موضوع “إمكانية تجاوز أزمة”التعليم”؛وقد قدمت الرفيقة نبيلة منيب الورقة التقديمية لليوم الدراسي بمايلي :
” منذ بداية الاستقلال إلى اليوم وقضية التعليم توجد في قلب التجاذبات السياسية والفكرية، نظرا للدور المركزي والجوهري الذي يحتله هذا القطاع في تصور الفاعل السياسي والتربوي والمهتمين والخبراء”.وأضافت الورقة” وعيا منّا بأهمية النقاش الديمقراطي و بضرورة إشراك جهات متعددة من الفاعلين التقليديين و أيضا الفاعلين الجدد من الحراك التعليمي و وسائل التواصل الاجتماعي.”
لقد شكل”المرسوم (رقـم 2.23.819 صـادر فــي 6 أكتوبر 2023)، نقطة إنطلاق الحراك التعليمي؛الأمر الذي دققته الورقة التقدمية بما يلي:
“والمسجل هنا أنها كلها لم تنصف نساء و رجال التعليم بمختلف فئاتهم ومجالات اشتغالهم، فبعد كل تغيير يظهر ضحايا جدد، وحجتنا على ذلك أن مفجر الأزمة الحالية لم يكن سوى النظام الأساسي، الذي تعتبره الحكومة جيدا ومنصفا، و ظلت الشغيلة التعليمية تعتبره لا عادلا و لا منصفا و لا محفّزا. كما أنّه من المعلوم أن إنصاف هيئة التدريس و الرفع من الأجور و التعويضات مع ضمان إمكانية الترقية وتوفير شروط العمل المحفّزة يعتبر المدخل الأساسي لخلق شروط نهضة المنظومة التعليمية المنشودة و تحقيق إصلاح شامل للتعليم العمومي في إطار الوضيفة العمومية، انطلاقا من التعليم الأولي و الإبتدائي إلى التعليم العالي و البحث العلمي، و كضرورة لبناء مجتمع الوعي الحقيقي من خلال مجتمع المدرسة، مجتمع العلم والوعي و المواطنة.”
من خلال مايبق،تتضح المنطلقات الثلاثة لليوم الدراسي، وهي:
1-ضرورة تفعيل منطق الحوار العمومي.
2-الحاجة الوطنية لمجتمع المدرسة،مدرسة العلم والمعرفة.
3-الضرورة لجبهة مرسخةلحدة للساحة التعليمية.
وقدصدر عن اليوم الدراسي”إعلان الرباط”بخمس توصيات:
“تأسيسا على ما سبق خلصت الفعاليات المشاركة في هذا اليوم الدراسي إلى التوصيات التالية:
– السحب الفوري دون قيد ولا شرط لكل التوقيفات التعسفية التي طالت مجموعة من نساء ورجال التعليم على خلفية ممارستهم لحقهم الدستوري في الإضراب دفاعا عن حقوقهم العادلة ومطالبهم المشروعة؛
– إرجاع المبالغ المقتطعة من أجور نساء ورجال التعليم، اعتبارا لكونها اقتطاعات غير قانونية؛
– الحل النهائي الشامل لملف أطر الدعم والأساتذة المفروض عليهم التعاقد؛
– فتح حوار وطني مسؤول من خلال مناظرة وطنية حول التعليم باعتباره قضية وطنية؛
– معالجة حقيقية لكل ملفات ضحايا الأنظمة والمراسيم والاتفاقات السابقة المجحفة لحقوق ومطالب نساء ورجال التعليم؛
– استثمار هذا اليوم الدراسي في توجيه إعلان وطني تحت اسم ” إعلان الرباط “من أجل النهوض بالمدرسة العمومية كرافعة للتغيير المجتمعي و بناء مجتمع العلم و المواطنة والتنمية”.
قبل اسبوعين من تنظيم اليوم الراسي، طرح السؤال التالي:
أين بلاغات التوضيحية للنقابات الموقعة على محضر26دجمبر؟
كان غياب الموقف النقابي من إنتظارات الحراك التعليمي،تأكيداَ متجدداَ لواقع عجز الحركة النقابية،وبدت الحاجة ملحةإلى توطين دروس الحركة الإجتماعية الواقعية.
وقد سبق،أن تم تسجيل، بإيجابية، لجوء خطاب نقابي كدشي(أركز هنا على الخطاب، وليس على الأشخاص،لأن شخصنة المواقف تغيب “منطق الفعل”،المنتمي والصادر عن ثقافة سياسيةونقابية محددة)،إلى توصيف ماتعرفه الساحة التعليمية من إضرابات و اعتصامات و مسيرات لنساء و رجال التعليم وبتأطير من التنسيقيات، “بالحراك التعليمي”،دفاعا عن المطالب العادلة. والمشروعة،وفي قلبها مدرسة عمومية مجانية وذات جودة علمية ومعرفية؛وكان الأكثر أهمية أن لا يسيئ هذا الخطاب الكدشي إلى حركة 20فبراير،التي كانت بتسمية “الحركة ليس الحراك ،وكان الأكثر جدارةبالتبني،عدم تفعيل “الممسحة والممحاة” لمحو المتغيرات الكبرى لظرفية2011-2021، بحراكها الشعبي المبارك، وبكل دينامياته،وبمئويته الانوالية2021،وهي الظرفية التي أسست وأصلت مفهوم”الحراك”، وتنسيقيات رجال ونساء التعليم ترجمة،من حيث المعنى والجوهر،لدرس من دروس ذلك الحراك الشعبي المتمثل في “السلمية والحضارية”.
وكان على هذا الخطاب النقابي،إدراك، أن السلميةوالحضارية هو التجاوز القطائعي مع ذهنية الأحزاب المسماة وطنية وتقدمية ويسارية،والتي لا ترى “الشعب المناضل”إلا في الأحياء الشعبية، ومنه جائت مقولتها” شعب اليسار” وكذا مقولة “cdtعندها شعبها” وهي الذهنية التي كبلت حركة 20فبراير ،وهي العقلية المحافظة التي لازالت مهيمنة في تفكير وسلوك الأحزاب والنقابات للأسف.
يسهو هذا الخطاب النقابي،ولا يريد إستحضار الأمور التالية:
-واقعة إنعقاد مجلس وطني لنوت(كدش) في يوم ذكرى الشهيد محسن فكري،وكان الجواب على مقترح تسمية الدورة باسمه كالتالي”ما كاين أبا غير السي المهدي”.وكان هذا الرفض نتيجة عقلية وموقف مناوئة للحراك الشعبي،بل الذهاب حد ادعاء فشله، وأنه لم يحقق شيئاَ.
-موقف المقاطعة لانتخابات للجن الثنائية بعد تأكد المكتب الوطني السابق من فساد الخريطة الإنتخابية، والجواب الذي كان”لا للمقعد الشاغر”.
-منطق التعامل مع الموقف الرافض داخل المكتب الوطني السابق للتوقيع على الإتفاق المرحلي18يناير، لإعتباره التوقيع مدخل لمنطلق التنازلات النقابية، وهاهي نوت تجني الثمار.
ومن نتائج هذا المسار الأمور التالية:
1-لايرسم تبنيه النضالي لخيار تنسيقيات الشغيلة التعليمية ،على أنه الجواب الميداني على” العجز التاريخي للحركة النقابية المغربية،وهو العجز المؤشر على أن التعددية الحزبية والنقابية قد أنهت دورتها التاريخية؛إن بالإكتفاء بدعوة مناضلاته ومناضليه إلى الإنخراط في الحراك التعليمي السلمي والمشروع مجرد هروب من سؤال إنعزالية النقابات عن الشغيلة.
2-التهرب من التبني التام والمطلق لنضال الشغيلة التعليمية الملتفة ،من حيث العمق،حول مطلب الدفاع عن المدرسة العمومية وإصلاح جوهري لمنظورها حتى تكون حاضنة لأبناء وبنات الشعب المغربي وضامنة لحقهم في تعليم جيد مواكب للتطورات العلمية وقادر على مواجهة التحديات الوطنيةوالمستقبلية.
3-لجوء الخطاب النقابي إلى الغموض والضبابية في مطلب سحب الوزارة للنظام الأساسي وركوب مطالبة الوزارة بتقديم إقتراحآت جديةللخروج من الأزمة،إلى جانب التخلي عن طبيعة النظام الأساسي المنصف والمقتضيات المطلوبة والتي صادق عليها المؤتمر الأخير للنقابة الوطنية للتعليم(كدش)والقاضية بالنضال من أجل نظام أساسي موحد وموحد من حيث لمضامين والمقتضيات وهي المطلب الذي يعني، وبالدقة،الإدماج الواضح والصريح للأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد في سلك الوظيفة العمومية.
خلاصتان أساسيتان:
١-تعاقد حقيقي بين الدولة والمجتمع في قطاع التعليم:
-مدرسة عمومية مجانية وذات جودة أساس وطن الغد.
-المكانة المادية والإعتبارية لرجال ونساء التعليم مجتمعياً.
٢-ليست القضية قضية تغيير أشخاص وانتخاب مكاتب ومؤتمرات، بل هي قضية توطين المتغيرات والقطيعة مع ثقافة نقابية ماضوية.
فما الضرورات الواقعية معطيات، وكمنظومة قيمية،الكامنة وراء الدعوة لتشكيل الجبهة الموحدة من التنسيقيات التعليمية التي أطرت الحراك التعليمي الحالي والذي انطلق منذ أربعة شهور ؟
وما التسمية الأنسب :
الجبهة الموحدة لنساء ورجال التعليم،أم الجبهة الموحدة لهيئة للدريس، أم الجبهة الموحدة للمدرس المغربي،أم الجبهة الموحدة للشغيلة التعليمية المغربية؟
الجواب على السؤالين سيكون من خلال مايلي:
مرة أخرى،يتأكد الدرس، إذ قدم الحراك التعليمي درساَ بليغاَ للتعددية النقابية المغربية،المتمثل في النضال الميداني السلمي والحضاري بمطالب عادلة ومشروعة للشغيلة التعليمية، وبقيادات مسؤولة وواضحة؛ وهو نفس الدرس اليليغ الذي قدمه الحراك الشعبي للأحزاب السياسية، اليسارية منها على وجه التخصيص.
فمن غيرالصحيح مقاربة الحراك التعليمي من زاوية عدم وجودأفق سياسي له،فالحراك حراك مهني،وهو دينامية إجتماعية من حيث الجوهر، غير مطلوب منه تحديد وامتلاك أفق سياسي ولا نقابي حتى؛ الخراك دينامية تعبر عن أزمة التعليم ويرفع مطالب من أجل رفع الحيف؛ فالنثابات والأحزاب هي المدعوة إلى استيعاب الدرس الميداني للحراك التعليمي. وتمثله كفاحياَ.
ومن غير الصحيح أيضاَ القول:إن الحراك التعليمي الحالي، إستمرار لنضال الشغيلة التعليمية في الماضي، وبالتركير على إنتفاضة 23 مارس 1965،دون ادراك أن الحراك التعليمي الحالي يمثل قطيعة مع ذلك الماضي؛ فقبل حركة20فبراير، التي مثلت لحظة إنتقالية لتطور الحركة الإجتماعية وبالعلاقة مع الفضاء العام،وجاء الحراك الشعبي وكرس حق التواجد السلمي والحضاري وبمطالب وبقيادة واضحة؛وهي الثلاثية التي كانت تعني قبل حركة 20فبراير والحراك الشعبي الصدام والقمع؛إن العودة لسردية الماضي لفهم سردية الحراك التعليمي الحالي،عودةواهية غير منتجة لوعي الدرس التعليمي.
والصحيح هوالقول:إن الحركة النقابية المغربية في أزمة عميقة،وهي عاجزة عن استيعاب درس تطور الحركة الإجتماعية النوعي، وتعاملهامع الحراك التعليمي مثال ساطع، فمنها (الحركة النقابية) من أعتبر الإشادة لفطياَ بالحراك كافي للسير في حوار غير مستجيب لمطلبي الحراك(سحب النظام الأساسي ومنظومةالأجور)،ومنها من أعتبر أن الحراك محتاج لوصي وكفيل يتكفل به،ويلتقي الإثنين في الإنتماء معاَ لعقلية نقابية تقليدية ماضوية.
والصحيح الاصح القول:
إن تنسيقيات الحراك التعليمي مطالبة بتطوير دينامية الحراك،وذلك ببلورة مسار الجبهة الموحدة للشغيلة التعليمية المغربية ،جبهة في شكل طاولة وطنية أو منتدى جامع وموحد (بكسر الحاء) وموحد(بفتح الحاء) لكل التنسيقيات ، الجبهة الموحدة لإدارة النضال من أجل النظام الأساسي والمكانة الإعتبارية والمادية لهيئة التدريس؛ والمهمة تفرض على هذه الجبهة المزاوجة بين النضال لتحقيق المطالب،و التعاطي مع المعطيات التي يفرضها الواقع إجتماعي.
ومن المفروض أن تكون الجبهة الموحدة لنساء ورجال التعليم،القاعدة الصلبة لبناء جبهة مجتمعية أوسع،تقدمية وديمقراطية للدفاع عن المدرسة العمومية تتكون من قوى مناضلة وهيئات سياسية ومنظمات حقوقية وجمعيات تهتم بالطفل وبالتعليم وخبراء من جميع المجالات.
#محمد صلحيوي..
.