مجتمع
عاش شامخا ورحل في كامل شموخه…محمد نجيب كومينة ينعي الاستاذ محمد بنسعيد ايت ايدر

عاش شامخا
ورحل في كامل شموخه
عاش مستقيما كريما
ورحل تاركا وراءه دروس الاستقامة والكرامة
عاش مناضلا صادقا
ورحل منسجما مع نفسه متشبتا بقناعاته.
محمد بنسعيد ايت يدر واحد من الرجالات الذين يعتز الوطن بانجابهم، لانهم اجزلوا له العطاء بدون حساب او بحث عن جزاء او مصلحة خاصة، و ضحوا من اجله بكل سخاء نادر على مر اجيال متحدين في طريقهم كل شئ من شانه احباط العزائم، وساعين بكل ماوتوا لوحدته وتقدمه ودمقرطته. الوطن بالنسبة لمحمد بنسعيد هو البوصلة التي تحول دون اخطاء الطريق او السير وراء سراب، بوصلته هذه قادته الى الانخراط مبكرا في الحركة الوطنية والارتباط بالمقاومة، الذي كان خاله من رموزها في ماسة قلب سوس النابض، والى التعلم على يد روادها ورموزها في مراكش، عبدالله ابراهيم وعبدالقادر حسن العاصمي، ثم الى قيادة جيش التحرير في الجنوب الى جانب مناضلين افذاذ قادوا معارك بطولية ضد الاستعمار من اجل انهاء احتلال الاراضي التي بقيت ترزح تحت الاستعمار واستكمال وحدة تراب الوطن. هذه البوصلة ايضا هي التي قادت محمد بنسعيد الى الانخراط في عملية تاسيس الاتحاد الوطني للقوات الشعبية الى جانب القيادات التقدمية التي ارتات فك الارتباط بحزب الاستقلال وقتئذ، وفي هذا الوقت بالذات ارتاى من اخترقوا الدولة بعد الاستقلال من فلول الاستعمار ان يوجهوا اليه سهامهم التي استهدفت الحزب الوليد وذلك بطبخ تهمة محاولة اغتيال ولي العهد سنة 1960، بحيث يمكن اعتباره اول معتقل سياسي تقدمي في المغرب كان اعتقاله ايدانا بسنوات الرصاص في المغرب وباتجاه اطراف داخل الدولة الى حسم نزاع الشرعيات، الذي طرا بعد الاستقلال، بتفضيل بناء استبدادي على البناء الديمقراطي الذي طالبت به وثيقة الاستقلال وكان محوريا في الميثاق الذي جمع المرحوم محمد الخامس بالحركة الوطنية.
بوصلة الوطن هي ايضا وايضا من جعلت محمد بنسعيد يبتعد، صحبة عدد من المقاومين واعضاء جيش التحرير والمناضلين التقدميين، وفي صدارتهم رفيق عمره واحد ابرز قادة المقاومة مولاي عبدالسلام الجبلي والرئيس الاسبق للاتحاد الوطني لطلبة المغرب الصحفي حميد برادة، الى الابتعاد عن مغامرات ونزعة الفقيه محمد البصري، احد القادة الاساسيين للمقاومة المغربية الذي كان رفيقه في مدرسة بنيوسف في مراكش، و اختيار الالتحاق بالشباب الذي اسس منظمة 23 مارس الماركسية بعد الانشقاق عن الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، معبرا بذلك عن استعدادات وجاهزية للتطور ومسايرة تطور الاجيال والافكار، و بهذا الالتحاق امكن لبنسعيد ان يساهم في ترسخ وعي وشعور وطنيين قويين وسط مناضلي هذا التنظيم الذي كان له حضور قوي ومؤثر وسط الشباب المغربي في سبعينات القرن الماضي، افضى الى الموقف الوطني الذي اتخذته المنظ مة ليس فقط بمساندة استرجاع المغرب لصحرائه المغتصبة، بل برفض الاقتسام مع موريتانيا و المطالبة باقليم وادي الذهب، وهو موقف ساهم في بلورته رجلان من حجم وطينة محمد بنسعيد ومولاي عبدالسلام الجبلي الى جانب مقاومين واعضاء جيش التحرير، و باتخاذ المنظمة لهذا الموقف في الجزائر حيث كان يلجا عدد من المناضلين جن جنون النظام الجزائري مما جعل بنسعيد والجبلي ومناضلين اخرين يختارون اللجوء الى فرنسا مضطرين، للدفاع عن وطنهم ووطنيتهم، وغير خاف ان الجبلي كان مستشارا لبنبلة في بداية استقلال الجزائر لكن ذلك لم يشفع له، فقد كان بومدين قد استعاد ارث الجزائر الفرنسية التي قامت اصلا على اساس الهيمنة الاقليمية و العداء للمغرب والتوجس من مطالبته باستكمال وحدته الترابية جنوبا وشرقا وشمالا وسعيه الى تحقيقها، وغير خاف ان بناء الجزائر الفرنسية تم باقتطاع اجزاء من التراب المغربي بهدف عزله وجعله جزيرة يصعب عليها التواصل مع العمق التاريخي الافريقي، ناهيك عن ان بومدين المنحدر من كولمة بشرق الجزائر كان يكن مشاعر حقد على المنحدرين من غرب الجزائر، وعلى راسهم بنبلة ابن للامغنية ذي الاصول المغربية، ويعتبرهم مغاربة، و في شهادة للمؤرخ الجزائري و مستشار بنبلة السابق محمد حربي اثناء ندوة تكريمية لمحمد بنسعيد قال ان اتباع بومدين كانوا يعنفون الرئيس المنقلب عليه هو و من اعتقلوا معه ويتعمدون سبهم ب”المراركة”، وكان المراركة سبة وليست مفخرة كتب التاريخ فصولها المستمرة عبر قرون من الزمن.
ولنعد الى بوصلة الوطن لدى المرحوم محمد بنسعيد، فهي التي قادته ورفاقه في 23 مارس، بعد الضربات المتتالية التي تلقاها اليسار السبعيني، الى الاقتناع بان تجربة انتهت، وبان العمل السري الذي ميزها لم يحمها من القمع، وبان العالم سائر في طريق تغيرات كبرى، وان المغرب يخوض معركة حماية وتعزيز وحدته الترابية في صحرائه، لذلك وجب مراجعة التجربة، وفي سياق هذه المراجعة العميقة تولدت اطروحة الوعي الديمقراطي و بناء عليها تم الانتقال من السرية الى الشرعية وتاسيس منظمة العمل الديمقراطي الشعبي التي تولى بنسعيد امانتها العامة مند مؤتمرها التاسيسي الى حدود الانشقاق العبثي الذي عصف بحزب كان يمكن ان يكون له حضور وازن في الساحة السياسية اليوم التي تحتاج واكثر من اي وقت مضى لفاعل تقدمي يتصدى للسياسات النيوليبيرالية المتبعة و ما ينتج عنها من تركيز للثروة والسلطة في مقابل هبوط اوسع فئات الشعب المغربي الى قاع الفقر و الحرمان، و يدافع عن الحريات العامة وحقوق الانسان بلا هوادة و يناضل ضد المساس بها، و يكافح من اجل مؤسسات ديمقراطية تعكس تطلعا حقيقيا الى بناء ديمقراطية حقيقية يعتز بها المغاربة، ويدافع عن الوطن ووحدته و مصالحه الاستراتيجية و سمعته بنزاهة واقتدار وتجرد من الحسابات القاصرة والاعتبارات الريعية.
رحل محمد بنسعيد ايت يدر في سن متقدمة و ترك للاجيال المختلفة التي عايشها او الاجيال الصاعدة والقادمة دروسا بالغة الاهمية يجب استيعابها، و اول تلك الدروس واهمها ان يظل الوطن بوصلتنا. بدون هذه البوصلة يحصل التيه و يصبح الانسان بدون لكن الوطن، وبالاخص لما يكون بالعمق التاريخي والحضاري المغربي المسجل في صفحات التاريخ والراسخ في الذاكرة، يبقى ويصمد كيفما كانت التحديات وكان حجمها.
تعازي الصادقة لاسرة الفقيد ولعائلته ولكل المناضلين والمواطنين الذين احبوا رجلا جمع البساطة والصدق والنزاهة والاستقامة وعزة النفس وكان في كل شئ نموذجا للانسان المغربي .