مجتمع

محمد بن سعيد آيت إيدر.. رجل مناضل تقدمي اختزل في شخصه تاريخ المغرب الحديث

أحمد رباص

ببالغ الحزن و بعميق الأسى وشديد الألم نزل علينا خبر فاجعة رحيل المناضل المجاهد محمد بنسعيد ايت ايدر الذي وافته المنية في الساعات الأولى من يومه الثلاثاء 6 فبراير بالمستشفى العسكري بالرباط.
بهذه المناسبة الأليمة، أقدم لأهل اليسار العربي الاشتراكي التقدمي ولكل القوى الديمقراطية والعلمانية هذه المقالة عن فقيدنا المناضل الشهم الذي ما قبل يوما الرضوخ والانحناء أمام جبروت الاستبداد.
– جنازة مهيبة وتشييع وازن
أقيمت اليوم الأربعاء 7 فبراير 2024، جنازة محمد بن سعيد آيت إيدر، رمز المقاومة ضد الاحتلال الفرنسي ثم اليسار المغربي لأكثر من نصف قرن، بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء. تميزت هذه الجنازة المقامة لرجل سياسي ولأحد رموز مقاومة الاستعمار، بحضور الأمير مولاي رشيد.
بعد صلاة العصر على الفقيد بالمسجد الملحق بمقبرة الشهداء ووري جثمان الفقيد الثرى بحضور أفراد عائلته وأقاربه وقيادات وممثلي التيارات السياسية والنقابية والسلطات المحلية، إضافة إلى حضور العديد من الشخصيات. وشوهد ضمن المشيعين لجثمان الفقيد وزراء من حكومة عزيز أخنوش نخص منهم بالذكر السيد عبد اللطيف وهبي، وزير العدل، والسيد نزار بركة، وزير التجهيز والماء.
– نبذة وحيزة عن حياة الراحل آيت إيدر
ولد المرحوم آيت إيدر سنة 1925 في قرية تامنصورت بإقليم اشتوكة آيت باها ووافته المنية صباح يوم الثلاثاء (6 فبراير) بالمستشفى العسكري بالرباط.
انطلاقا من تشبثه بالنضال ضد الاحتلال، كان الفقيد أحد قادة المقاومة وجيش التحرير . بعد الاستقلال انخرط في العمل السياسي كرئيس لمنظمة العمل الديمقراطي الشعبي، ثم نائبا في البرلمان ممثلا لإقليم اشتوكة آيت باها.
قلده الملك محمد السادس وسام العرش (فئة استثنائية) في يوليوز 2015 بمناسبة الذكرى السادسة عشر لعيد العرش.
– شهادة تأبينية بلسان عبد اللطيف اليوسفي
من ضمن أبرز الشخصيات الحاضرة في هذه الجنازة، كان هناك عبد اللطيف اليوسفي، نائب مركز بنسعيد آيت إيدر وعضو في مؤسسة الاشتراكي الموحد، كما عرف بنفسه في تصريح خص به – مشكورا – جريدة “تنوير”.
قال العضو في المكتب السياسي لحزب الشمعة: “اليوم، برحيل الاستاذ محمد بن سعيد آيت إيدر، يكون المغرب قد فقد أحد رموزه الكبيرة”، مؤكدا أنه سيترك فراغا كبيرا بهذا الغياب.
رغم ذلك، يلاحظ اليوسفي، عندما نلتفت إلى حياة المرحوم نجدها حافلة بالعطاء. فطوبى له بكل العطاء الذي أسداه لوطنه ولشعبه ولرفاقه ولليسار عموما، يقول المتحدث، قبل أن يضيف: “عندما تمت مضايقة وملاحقة سي محمد بنسعيد والزج به في السجن التجأ إلى المنفى في الجزائر وفي فرنسا. خلال هذه المدة كان موئلا كبيرا ومضيافا لكل الذين يفدون سواء على الجزائر أو على فرنسا”.
بعد ذلك، يتابع اليوسفي، ترأس مع الكثير من المناضلين والمناضلات تجربة منظمة العمل ثم تجربة اليسار، وكان خلال كل هذا المسار وحدويا، ميالا إلى تجميع الكتلة الديمقراطية من أجل تغليب كفة القوى الديمقراطية في ميزان جميع القوى، وإلى تجميع قوى اليسار للمضي بالمغرب إلى الأمام.
وشهد المتحدث بأن محمد بنسعيد آيت إيدر لم يكن يقايض أبدا مواقفه بأي منصب كيفما كان ولا بأي امتياز كيفما كان. كان رجلا نزيها، خالص الطوية. كان صديق الشباب، وكان بالتأكيد أكثرنا شبابا.
وختم نائب رئيس مركز بنسعيد آيت إيدر قائلا: “رحم الله الفقيد الذي كان دعامة كبيرة للحزب، لليسار للقوى، الديمقراطية، ولوطنه، كما كان دعامة كبيرة للمركز الذي يحمل اسمه. نتمنى أن نكون في مستوى قيمه وما خلفه من رصيد غني”.
– شهادة تأبينية على لسان نبيلة منيب
من جهتها، أدلت نبيلة منيب، النائبة البرلمانية عن حزب الشمعة ونائبة أمينه العام، بتصريح صحافي لجريدة “هسبريس” مباشرة بعد ذيوع خبر وفاة محمد بنسعيد آيت إيدر صباح يوم أمس الثلاثاء بالمستشفى العسكري بالرباط.
في البداية، قالت منيب: “كان محمد بنسعيد آيت إيدر من طينة خاصة، ذكره بخير ليس بسبب وفاته، وإنما كان يحدث طيلة حياته. لأنه رجل شامخ ومقاوم أحب وطنه بشغف ودافع عنه في أيام الاستقال وفي ما بعدها من أجل البناء الديمقراطي. ذهب إلى المنفى وقام بالشيء الكثير من أجل بلاده ووطنه وشعبه ومن أجل القضايا العادلة لهذه البلاد.
وأضافت: “ظل متواضعا، عاش عيشة الزاهدين الموقنين، وكان دائم الابتسامة يحب الحياة وكان يطلب منا دائما النضال من أجل تغيير أوضاع البلاد إلى الأحسن، ومن أجل التوزيع العادل للثروة”.
وقالت منوهة بفضائله ومناقبه: “لم يكن رجلا دكتاتوريا رغم تجربته، كان ينضبط للقرار. ورغم صغر سننا كان يحترم القرار التي كنا نتخذه”.
في نفس السياق، شهدت المتحدثة بأن هذا الرجل كان يؤمن ببناء المفرب الكبير، ويشدد على لزوم تكتل بلدانه في ما بينها وهو يستند إلى عدة علاقات كانت تربطه بأصدقائه في كل من تونس والجزائر وموريتانيا. كان يؤمن بعدالة القضية الفلسطينية بحيث أن كل القادة اليساريين أصدقاء له.
وهي تستحضر سلوكه القويم وأخلاقه الحميدة، تمنت من هذه البلاد الطيبة أن تجود بأمثال الرفيق بنسعيد الذي “كان بالنسبة إلينا في الحزب الاشتراكي الموحد وفي اليسار عموما وحتى لدى الناس الذين يعرفونه رجلا مثالا في الوطنية الصادقة والانضباط والمحبة للجميع”.
وأضافت أنه “عاش مدة لا بأس بها، ولكنه كان يحلم برؤية المغرب كما ناضل من أجله، وهذا الهدف ما زلنا نعتبره ممكنا”.
نشعر اليوم بالحزن، وفي نفس الوقت نشعر بالفخر؛ لأن هذا الرجل أسس لنا بيتا هو جزء من هذا المغرب ليستمر الحلم ولتتقدم بلادنا وليعيش فيها الجميع بكرامة. ذلك كان حلم هذا الرجل الصادق، الطيب والذي لم تغره المناصب ولا الأشياء الأخرى، توضح نبيلة منيب.
وفي ختام تصريحها، قالت النائبة البرلمانية المحترمة: “الكل يتذكر أنه كبرلماني شجاع تكلم عن تازمامارت وكان ينادي برفع الظلم عن الجميع ويقول إن العمود الفقري لبلادنا هو القضاء والمحاكمة العادلة حتى تصبح محترمة وقادرة على أن تتطور وتأخذ مكانتها في عالم حر”.
– نموذج من الكتابات عن آيت إيدر
من أشد الأمور صعوبة اختزال حياة مديدة لمناضل مغربي كبير في عجالة. لكن ما سوف يشفع لي ويحفزني على تجاوز تلكم الصعوبة وأنا بصدد الشروع في تحرير هذه الحزء من المقالة الرغبة في الإدلاء بشهادة في حق رجل جسدت حياته تاريخ المغرب الحديث؛ دليلي في ذلك مجلة “زمان”المغربية، أول مجلة شهرية متخصصة في التاريخ أعادت رسم المسار الذي سلكه الرجل من المقاومة المسلحة إلى العمل الثوري.
في شهر مارس 2013 أصدرت المجلة المغربية الشهرية “زمان تاريخ المغرب” (النسخة الفرنسية) عددها السادس والعشرين وهو يتضمن ملفا خاصا عن منظمة 23 مارس بما يوحي بإسهام المجلة في الاحتفال بذكرى تأسيسها. وهكذا تم ضمن هذا الملف تسليط الضوء على سير هذه الحركة وطريقة عملها وتمويلها والحياة اليومية لمناضليها.
“23 مارس التاريخ السري لمنظمة سرية” هو العنوان الذي اختارته المجلة لهذا الملف الممتد على 16 صفحة كلها معلومات مفصلة عن هذه المنظمة التي كانت تعتبر الثورة ضد النظام هدفها الرئيسي ومهمتها التاريخية. في هذا الإطار، يقف القارئ على الكثير من التفاصيل المتعلقة بتنظيم الحركة والسرية الكاملة التي كانت تحيط بأنشطتها وعمل أعضائها الذين كان من بينهم رجال كتب لهم فيما بعد أن يلعبوا دورا كبيرا في الحياة السياسية والثقافية المغربية كبنسعيد آيت يدر وأحمد حرزني وللصحافي حميد برادة وصلاح الوديع وعبد الله ساعف… وغيرهم من المثقفين والسياسيين والحقوقيين ورجال الأعمال الحاليين الذين مروا من هذه الحركة.
وفي الجانب المتعلق بوسائل وطرق تمويل المنظمة، صرح للمجلة زعيم سابق لها أن هذه الحركة، التي امتنعت عن تلقي أي مساعدات خارجية حرصا على استقلاليتها والتي كانت تضم في عضويتها طلبة منتصف السبعينيات حوالي 1500 منخرط ومتعاطف نشيط بالمغرب وكذا بعض مئات الأعضاء في فرنسا، لم تكن تتوفر سوى على ميزانية صغيرة بالمقارنة بحركة “إلى لأمام”. وأضاف أن القسط الأوفر من الموارد المالية كان يأتي من المنخرطين الذين كانوا يؤدون اشتراكا شهريا من رواتبهم.
– من مذكرات رجل شاهد على العصر
بعد انصرام عام بالكمال والتمام على صدور العدد الخاص بمنظمة 23 مارس، تستضيف نفس المجلة، في نسختها العربية الموسومة ب “زمان المغرب كما كان”، السيد محمد بنسعيد آيت يدر لتجري معه حوارا مطولا نشرته في عددها الخامس (مارس 2014). جاء في ديباجة هذا الحوار أن الضيف شخصية سياسية عاصرت مسيرة ثلاثة ملوك وأنه انخرط في العمل السياسي منذ أواسط القرن الماضي. كما يستفاد من هذا التقديم أنه مارس النضال الطلابي والصراع المدني من أجل الاستقلال، واضطر، مع جزء من شباب عصره إلى الانخراط في المقاومة المسلحة عبر انضمامه إلى “المنظمة السرية” في بداية الخمسينيات، وساهم مع مجموعة محدودة من المقاومين في خلق “جيش التحرير المغربي”، وتكلف في إطاره بتنظيماته الموازية في سيدي إفني وتطوان والدار البيضاء، قبل أن يتولى ، في بحر 1956 المسؤولية السياسية على “جيش التحرير المغربي بالجنوب”.
في فقرة موالية، يذكر أن بنسعيد تعرض للاعتقال والتعذيب والنفي وذلك مباشرة بعد استقلال المغرب. كما يتم، في هذا السياق، التذكير بمساهمته في حركة الانفصال عن حزب الاستقلال وتأسيس الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، إلى جانب المهدي بنبركة وعبد الرحيم بوعبيد وعبد الله إبراهيم والفقيد محمد البصري. بعد اختطاف المهدي بنبركة، سيمر بنسعيد بمرحلة توحد وتأمل عرفت نهايتها بانضمامه إلى الحركة الماركسية اللينينية ، وتحديدا إلى “منظمة 23 مارس” ، التي كانت تهدف حينئذ (نهاية الستينيات وبداية السبعينيات) إلى قيادة الثورة للإطاحة بالنظام الملكي.
إلى ذلك، تضيف الديباجة الاستهلالية أن الأستاذ بنسعيد لعب، جنبا إلى جنب شباب السبعينيات في المنفى وفي إطار منظمة سرية، دورا رئيسيا في الإقناع بعدالة ومصداقية مطلب استرجاع الصحراء الغربية للمغرب، وسوف يبلور مع رفاقه “الموقف الوطني الثوري” من قضية الصحراء، وسيؤدي هذا التوجه ب “منظمة 23 مارس” إلى الاجتهاد في تمفصل الماركسية والوطنية والديمقراطية. سيفضي هذا المسار إلى الخروج التدريجي من السرية وإلى عودة بنسعيد ورفاقه من المنفى في مارس 1981 وتأسيسهم ل”منظمة العمل الديمقراطي الشعبي” سنة 1983 .
كذلك تخبرنا الديباجة بأن الرفاق المؤسسين ل”منظمة العمل الديمقراطي الشعبي” انتخبوا بنسعيد أمينا عاما لها. في سنة 1984، سيدخل البرلمان نائبا على اشتوكة آيت بها وسيحتفظ بصفته تلك إلى حدود 2007، تاركا وراءه ممارسة نيابية متميزة ليس فقط كممثل ل”منظمة العمل الديمقراطي الشعبي”، بل أيضا كوجه من الوجوه المؤسسة للكتلة الديمقراطية. يحفظ له التاريخ أنه أول برلماني طرح مسألة المغيبين في “قبو تازماما رت”، ودعا باستمرار إلى تصفية ظاهرة الاعتقال السياسي والكشف عن مصير المختطفين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى