” الكاتب الذي لا مشروع له كاتب بدون هوية، لا يستحق أن يُنعت بصفة كاتب” ذ.عبد الجليل الوزاني التهامي
الكاتب عبد الجليل الوزاني التهامي في حوار مع جريدة تنوير

حوارنا اليوم مع كاتب تطواني مخلص لجنس الرواية ويبدع فيها، يغامر باللغة، يتلاعب بالأزمنة والأمكنة، يتوغل بدواخل الشخصيات… الكتابة عنده مشروع وقضية إنه الكاتب عبد الجليل الوزاني التهامي
السؤال 1: من هو عبد الجليل الوزاني التهامي؟
ج / عبد الجليل الوزاني التهامي كاتب روائي مغربي ازداد ببلدة بوأحمد، ضواحي مدينة تطوان في 29 يونيو 1961، درس “بالكُتّاب القرآني”، ثم ولج مدرسة قريته حيث أمضى سنتين ليلتحق بعدها بمعية أسرته بمدينة تطوان خريف 1969 من أجل استكمال مشوار دراسته بمدرسة سيدي علي بركة، فثانوية القاضي عياض.
التحق بكلية الآداب بمارتيل / تطوان التي كانت آنذاك تابعة لجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، حيث حصل على الإجازة في الآداب، شعبة اللغة العربية، ثم ليتابع تكوينه بالمدرسة العليا للأساتذة بمارتيل، إذ بعد تخرجه منها، عمل أستاذا لمادة اللغة العربية زهاء 16 سنة بمدينة سيدي قاسم، فحارسا عاما ومديرا بثانوية الأندلس الإعدادية بتطوان من: (2004 ــ 2010)، ثم رئيس مكتب منسقية التفتيش بالمديرية الإقليمية لوزارة التربية الوطنية بتطوان من: (2010 -2019) ليُحال بعدها على التقاعد النسبي.
ــ عضو اتحاد كتاب المغرب،
ــ رئيس رابطة أديبات وأدباء شمال المغرب،
ــ عضو لجن التحكيم الإقليمية والجهوية والوطنية للمسابقات التالية:
أ ــ مسابقة تحدي القراءة العربي،
ب ــ مسابقة المشروع الوطني للقراءة،
ج ــ شبكة القراءة بالمملكة المغربية.
صدرت له الأعمال الروائية الآتية:
1 ــ الضفاف المتجددة ــ تيػّيساس: مطبعة الخليج العربي / تطوان 2003 (حازت على جائزة الحسن الثاني للبيئة صنف الآداب والفنون سنة 2004).
2 ــ احتراق في زمن الصقيع: الطبعة الأولى عن منشورات مرايا / طنجة 2007، الطبعة الثانية/ عن منشورات مكتبة سلمى / تطوان 2016.
3 ــ أراني أحرث أرضا من ماء ودم: عن منشورات مكتبة سلمى / تطوان 2011.
4 ــ ليالي الظمأ: عن منشورات مكتبة سلمى / تطوان2013.
5 ــ امرأة في الظل، أو ما لم نعرف عن زينب: (حائزة على جائزة كتارا للرواية العربية في دورتها الأولى / 2015) الدوحة ــ قطر.. مع ترجمتين باللغتين: الإنجليزية والفرنسية. بالإضافة إلى الطبعة المغربية عن منشورات مكتبة سلمى 2022.
6 ــ متاهات الشاطئ الأزرق: عن المركز الثقافي العربي بدعم من وزارة الثقافة / الدار البيضاء 2017.
7 ــ أوراق من ملفات مؤجلة: عن منشورات مكتبة سلمى بدعم من وزارة الثقافة / تطوان 2019.
8ــ صهوة السراب: عن منشورات مكتبة سلمى / تطوان 2021.
8 ــ صدق أبريل وكذبت كل الشهور: سيرة روائية، عن منشورات مكتبة سلمى بدعم من وزارة الثقافة/ تطوان 2022.
9 ــ نساء البيت الخلفي، عن منشورات مكتبة سلمى بدعم من وزارة الثقافة / تطوان 2023.
10 ــ تطاون. أواصر وأشجان، (تحت الطبع)
السؤال 2: إصدارتك الروائية كثيرة، هل تحافظ فيها على تيمة معينة أم هناك تنوع في ذلك؟
ج/ إن الكاتب الذي لا مشروع له كاتب بدون هوية، لا يستحق أن يُنعت بصفة كاتب. قد يكتفي بعض الروائيين بملامسة موضوعات عاطفية تدغدغ المشاعر أو اجتماعية مكررة الغاية منها رفع نسبة قرائهم، لكن ــ حسب قناعتي ــ فالروائي الحقيقي هو الذي ينخرط في قضايا وطنية وقومية وإنسانية، بغض النظر عن ميوله الإيديولوجي والموقع الذي ينتمي إليه، وبالتالي لن يكون الكاتب كاتبا حقيقيا وهو في برج عاجي غير مبالٍ بما يحدث حوله. فالبعد الجمالي الترفيهي للكتابة الإبداعية لم يعد كافيا في واقع مضطرب خاصة في عالمنا العربي. انطلاقا من قناعتي هذه فإنني أشتغل ضمن مشروع روائي متكامل تلتحم فيه عناصر وموضوعات مرتبطة بالانتماء الجغرافي للشريط الساحلي المتوسطي المغربي ببعديه التاريخي والآني، وما يتفرع عن ذلك من تيمات مرتبطة بالشأن المحلي التي تحتفي بالبعد الإنساني في بيئة عرفت فراغا مهولا في المعالجة الإبداعية باختلاف أجناسها، دون إهمال البعد الأدبي الفني المتعلق بالبحث عن صيغ أساليب جديدة تجريبية في كتابة الرواية تحمل خصوصيات وبصمة ذاتية في خضم الكم الهائل من الإنتاجات الروائية التي يزخر بها العالم العربي في الفترة الحالية.
وتأسيسا على ما أسلفت فإن تجربتي الإبداعية في مجال الرواية التي أثمرت لحد الآن عشر روايات لا تخرج عن هذا المنطق، فأنا وفِيٌ للقضايا التي أومن بها، وملتزم بالمواضعات التي تلامس واقعي بكل أبعاده، مع التجديد والتنوع الذي تفرضه كل مرحلة من المراحل، فلا شيء ثابت مادام الكون نفسه في تحول مستمر وبوتيرة جد سريعة.
السؤال 3: “احتراق في زمن الصقيع”، ” امرأة في الظل” و”أوراق من ملفات مؤجلة”، يمكن القول عنها إنها ثلاثية مزجت بين علم النفس والسرد الروائي في بوتقة واحدة، حدثنا عن هذه الأعمال؟
ج/ أشير في البداية أنني لم أكن أرمي لتأليف ثلاثية روائية، على غرار ما كتبه الروائيون الكبار أمثال نجيب محفوظ أو غيره، و«أقر صراحة أنني عندما انتهيت من كتابة تلك الرواية “احتراق في زمن الصقيع”، كنت قد قطعت علاقتي بها، لإيماني أن الرواية عمل متكامل لا يقبل الزيادة أو النقصان، كما أنها ــ حسب تصوري ــ غير قابلة للامتداد عبر جزء ثان، فالأسئلة التي طرحت بها لم تكن هذه الرواية ملزمة بالإجابة عنها، والقضايا التي تناولتها كانت مرتبطة بالمرحلة التي رمتُ الكتابة حولها، وأيضاً الفترة التي كنت أكتب خلالها، كما أنني أتصور أن الروايات المشكِّلة للسلسلة ــ على غرار الثلاثيات وغيرها ــ أعمال متلاحمة ينبغي أن تكتب في مراحل متعاقبة متقاربة حتى تحافظ على الانسجام الكامل، لا في تسلسل الأحداث والوقائع فقط ــ فهذا أمر مقدور عليه ــ بل للتلاحم النفسي والانسجام الفكري للمؤلف، وأيضاً للقدرات الإبداعية التي تتراوح بين العلو والانخفاض والقوة والضعف؛ ارتباطاً بعامل سن الكاتب ومجهوده البدني المتغير بالضرورة.
لذلك كان من الصعب تبني مشروع رواية كجزء ثان لعمل ابتعد عني زهاء ثماني سنوات كاملة» فبعد النجاح الذي حققته رواية “الضفاف المتجددة ــ تيكيساس” كان لي موعد مع روايتي الثانية “احتراق في زمن الصقيع” التي جاءت كامتداد تاريخي للرواية الأولى، حيث غطت الفترة الممتدة من بداية الثمانينيات إلى زمن كتابة الرواية سنة 2005. وكان لابد أن أقف عند ملامح هذه الفترة وما ميّزها من خلال الكشف عن مخلفات الصراع الذي كان قائما آنذاك بين المعسكرين الغربي الليبرالي والشرقي الاشتراكي الماركسي، وآثارهما محليا ووطنيا وعربيا ودوليا.
ثم عدت إلى شخصيات “احتراق في زمن الصقيع” سابقة الذكر، لأتناول قضية المرأة في المغرب والعالم العربي بصفة عامة، من خلال رواية ” امرأة في الظل أو ما لا نعرفه عن زينب” وهي رواية تدور أحداثها ما بين قرية شاطئية متوسطية ــ تارغة ــ ومدينة تطوان بشمال المملكة المغربية في الفترة الممتدة ما بين 1984 و2014، وهي عبارة عن رسالة مطولة من امرأة ــ زينب ــ إلى رجل ــ جمال الأحمدي ــ تحكي فيها ما مر معها منذ اختفائها في ظروف غامضة، هربا من فضيحة علاقة حب نتج عنها حمل غير شرعي في مجتمع محافظ مثقل بالتقاليد والأعراف الرافضة.
هذه الرواية ترصد وضعية المرأة المنسيّة في مجتمع مهمّش يعاني من الفقر والجهل والهشاشة، والناتج عن خلل سياسي واقتصادي وسوء التدبير في الربع الأخير من القرن العشرين. ومن خلال رواية ” أوراق من ملفات مؤجلة ” التي تقوم على أطروحة مركزية عنوانها البحث عن الجذور أو الأصول الأبوية من خلال حكاية أساس، هي حكاية ” أحلام ” التي تبحث عن والدها “عبد الرؤوف الماجدي”، بعدما تركها بذرة في بطن الأم ” زبيدة العرفاوي “، متنكّراً لها، وطلب منها أن تسقط الحمل لعدم ملاءمة ظروفه في تحمل تبعات الأبوة بحملها الاقتصادي ووزرها الاجتماعي. ومن خلال حكاية أخرى ثانوية هي حكاية الشاب “جمال ” الأصغر الذي يبحث عن أبيه (السارد) ” جمال الأحمدي “، لتنتصر الرواية في الأخير إلى أن أحاسيس الارتباط الوجداني بالآخر وخاصة إن كان الأب، لا تظهر دفعة واحدة، وإنما هي ثمرة معايشة ومكابدة.
وبذلك تكتمل الثلاثية التي رصدت مواضيع وتيمات اجتماعية، نفسية، إنسانية، سياسية وتاريخية بصفة عامة، حاولت أن تغطّي الفترة الزمنية الممتدة ما بين 1984 إلى منتصف العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين.
السؤال 4: فازت روايتكم الأولى الضفاف المتجددة بجائزة الحسن الثاني للبيئة سنة 2004، وفازت روايتكم امرأة في الظل أو ما لم نعرف عن زينب بجائزة كتارا في الرواية العربية في دورتها الأولى سنة 2015، حدثنا أكثر عنها، وهل للجوائز دور في التحفيز على الإبداع أكثر؟
ج/ الحديث عن الجوائز الأدبية أسال كثيرا من المداد في الفترة الأخيرة، وأثارت كثيرا من النقاش بين المؤيدين لأهميتها الإيجابية، والرافضين لها جملة وتفصيلا.
من جهتي أرى أن لهذه الجوائز قيمة اعتبارية لا يمكن تجاهلها أو تبخيسها، وقد ساهمت بقدر وافر في تحريك العجلة الإبداعية في شتى الأجناس الأدبية، سواء عندنا في العالم العربي أو عند الغرب.
من المؤكد أن الإبداع الحقيقي لا يرتبط بدوافع نفعية أو حوافز مادية كحيازة الجوائز وغيرها، ولكن عندما يحضر الإبداع الأدبي الجيد لِمَ لا يُرشح لنيل هذه الجوائز؟ والأديب الحقيقي هو الذي لا يضع في اعتباره الكتابة من أجل الترشح لجائزة من الجوائز. فقد يتم ترشيحه من جهة أخرى دون علمه.
ومن خلال تتبعي القريب قد أجزم أن الكثير من الروائيين الذي ظهروا في الفترة الأخيرة كان وراء ظهورهم فوز من سبقهم. إذ تبدأ المغامرة بالترشح لنيل هذه الجوائز، وتنتهي بنشر ما أنتجوه، ولو على حسابهم، إن لم يوفقوا في حيازة جائزة من الجوائز، بل هناك من كتبوا أعمالا روائية تلبي شروط بعض الجوائز وتُقاس بمقاسها. وهذا أمر مرفوض. ورغم هذا أقول إن ظاهرة الجوائز في العالم العربي كانت دافعا محفزا ومشجعا، عملت على خلخلة الخوف والتوجس والتردد الذي كان يقف في وجه الكثير من الكتاب المبتدئين.
السؤال 5: مع غزو الأعمال الروائية الرديئة للمشهد الثقافي اليوم، هل تؤيد حرية الإبداع على الإطلاق دون خبرة في الكتابة السردية. أم أنت مع وضع ضوابط ومعايير دقيقة لاختيار الأعمال الصالحة للنشر وتقنينها؟
وما هي الضوابط في نظرك؟
ج: حرية الإبداع حق مشروع للجميع، ولا يجوز لأية سلطة كيفما كانت أن تقف دون أخذ المرء للقلم من أجل التعبير عن نفسه بالشكل الذي يناسبه، لكن ما كل ما يُكتب يصلح للنشر، فكثير من الأعمال (الإبداعية) تفتقر لشروط الكتابة الحقة، وتبقى مجرد محاولات هاوية، لا تتحقق فيها شروط الكتابة المطلوبة سواء كانت شعرا أو نثرا، وما ينشر الآن من (إبداع) هو بعيد كل البعد عن الإبداع الحقيقي المنشود.
وتبقى الرواية من الأجناس الأدبية التي تعرضت في الفترة الأخيرة للاستسهال والتطفل من طرف ممن يظنون أن لهم القدرة على الكتابة وهم في الحقيقة يفتقرون للشروط الأساسية للكتابة الجيدة، يتوهمون أن الرواية مجرد سرد طويل لأحداث وقعت بالفعل أو متخيلة، دون أن تكون لهم دراية كافية بأسس الكتابة الروائية، بل يفتقرون للرؤية الفنية والموهبة المطلوبة والقدرة على صياغة نص سردي متماسك تتوفر فيه الحبكة وغيرها من عناصر الفن الروائي، ناهيك عن افتقارهم للغة عربية مطواعة تمكنهم من بناء نص أدبي سليم سلس وممتع.
ومما لا شك فيه ساهم التطور التكنولوجي وانتشار الرقمنة وسهولة الكتابة والرقانة والطبع والنشر في استفحال هذه الظاهرة، وأفقد الإصدارات الروائية قيمتها وهيبتها وجلالها.
لا يمكنني أن أحدد ضوابط تسمح بولوج عالم الرواية كتابة، لكنني أسأل كل من خاض مغامرة الإبداع الروائي: إلى أي حد تستمتعون وأنتم تكتبون؟ ثم وأنتم تقرؤون ما كتبتم؟ فإن لم تستمتعوا فلن تمتعوا غيركم. في رأيي هذا هو المعيار الأساس في التميز بين الكاتب الحقيقي والمتطفل.
بغض النظر عن كثرة (الروائيين) وانتشار النصوص (الروائية)، فإن الاستمرارية للأجود، والبقاء والخلو للأصلح.
سؤال 6: “موت الناقد” تتردد هذه المقولة كثيرا مؤخرا، بمعنى تراجع النقد الأدبي الأكاديمي المتخصص للرواية أمام بعض القراء الذين آمنوا بأن النقد متاح للجميع وغير مشروط بالنقد المنهجي هل أنت معهم؟
ج: للأسف هذا صحيح، فهناك تراجع واضح كمّا وكيفا على مستوى النقد الأكاديمي المتخصص للرواية وغيرها من الأجناس الإبداعية الأخرى، بل صار المشهد الأدبي في الفترة الأخيرة لا يخرج عن نطاق تقديم قراءات بمناسبة احتفالية يغلب عليها طابع المجاملة، وأحيانا كثيرة نجد من يقومون بذلك متطفلين لا علاقة لهم بالنقد، وكما طفا على المشهد الأدبي روائيون لا علاقة لهم بالرواية ظهر في المشهد ذاته أشخاص لا علاقة لهم بالنقد. وحسب تتبعي البسيط، حتى مجال الدرس الجامعي لم يعد يمنحنا نقادا مختصين قادرين على مواكبة الحركة الإبداعية. وفي هذا الخضم المضطرب لا تخلو الساحة الأدبية المحلية والوطنية من بعض الأقلام التي لازالت تسهم بشكل ولو محتشم في تقديم صورة مشرفة للنقد الأدبي.
سؤال 7: كلمة أخيرة لزوار جريدة تنوير الإلكترونية.
ج/ لا أجد كلاما مناسبا لهؤلاء سوى أن أقول لهم إن البشرية لم تعرف من قبل مثل هذا الكم الهائل من المنابر الإعلامية القريبة بفضل الثورة الرقمية المعلوماتية الأمر الذي يجعل المرء في ذهول مما يصله، ويصير عاجزا عن التمييز بين الصالح من الطالح، النافع من الضار. ويصعب عليه تتبع ما بين يديه، لذلك فقليل من التريث، قليل من التبصر قد يفيدك في تجنب الكثير من الضرر، وتبقى المنابر المحترفة الهادفة ذات المصداقية مثل هذا المنبر خير وسيلة للاستفادة ومواكبة ما يدور حولك باطمئنان.والله ولي التوفيق
تطوان اجرت الحوار الصحفية نعيمة ايت ابراهيم