محمد العربي غجو شاعر أندلسي الهوى

“هوىً أندلسي” للشاعر محمد العربي غجو، الذي يعد الديوان الثالث في مسيرته الشعرية، الصادر عن منشورات منتدى الفكر والثقافة والإبداع في طبعته الأولى يونيو 2023 ، بعد “مرفأ العيون” و”سوناتا الخريف”.
ديوان يأسرك بداية بغلافه الأزرق زرقة البحر يمنحك الشعور بالراحة والاسترخاء والتناغم مع الطبيعة (البحر والماء)، غلاف بحلة فاتنة مصممة تفاصيله وحركاته بعناية كرقصة الفلامنكو، مرورا إلى عناوين قصائده المختارة بدقة وكأنه يختار اسما لمولوده الجديد، لطخة ضوء/ نوستالجيا/ زخات/ كلمات/ انخطافات/ القصيدة/ هكذا/ ماذا لو/ نبض/ هلوسات حجر/ في سماء اسطنبول… إلخ.
وباعتبار العنوان هو المدخل والعتبة الأولى لفهم أي نص، نجد جل عناوينه التي اختارها مليئة بالإيحاءات الدالة على بنية النص الكلية، رتبها بمزاج طفل عابث، كتبها في اللحظات الأولى من النوم والقصيدة هي الحلم الجميل بعد الاستسلام له.
العربي غجو الشاعر الذي يعيش لصباح يأويه بين ضوء عشبه ويفرش له أقمار ليلته الساهرة، عكس لنا ما يجول في خاطره بقصائد نضمها في ساعات الليل المتأخرة من فصل الخريف، قصائد التهمت الشاعر وافترست دواخله وفكت أزرار قلبه.
سافر بنا فيها عبر أمكنة جغرافية لها رائحة الذاكرة لا يحط عليها غبار النسيان ابدا، الأندلس الملهمة يقول فيها:
اسبانيهْ مولِّدتي
اسمها خوسيفينا
أعشق المشيَ
في شوارع شريش
والبكاء ليلا
بين أسوارها العربية
تسحرني الاشبيليات
يخطرن كحمام دمشقي
في العربات الملكية…
واسطنبول الفاتنة العاشقة،
يقول ليستمر الحكي
وتنام شهرزاد
يدثرها ريش النعام
أسمع ذبيب محركات الطائرة
وأغوص مع “كا”
في بياض الثلج
أدمن تسكعه في دروب
<<قارص>> المعتمة
وأستلذ حكيه:
عن فتيات الإيشارب
وقصة عشقه
لأخت أيبك
الأقل جمالا.
أطوي الكتاب
وأهرب برهة
في حديث خافت
مع رفيقة العمر
نسترد فيه تفاصيل البدايات
أمكنة تحمل من المشاعر والأحاسيس الكثير، مستدعيا في ذلك لغة متمردة أعطت الانسيابية لكل مكونات الديوان، لغة مقاومة للعدم، ومحققة للشرط الإنساني في تجاوزه وتعاليه وانفجاره الدائم نحو عوالم من الممكنات، تعطي هذا الأخير خاصية اللاتناهي، تنم عن روح الشاعر التي هي نَفَسُ الشعر في تمردها…
محاولا الاجابة عن أرق السؤال ينبش في الذاكرة ويسافر فالمتر المستحيل إلى مسافة من الزمن، بقصائد تمنح الوجود الإنساني جماليته. جمالية تنكشف على مرآة الحروف؛ حيث لا تبقى إلا اللغة للروح للمناجاة تستجمع بقايا الذات بعد مخاص عسير مع سحابة ظامئة على حواف عطشه.
على حين ماء وفيما هو موغل في الدروب العميقة يحدث روحه بما صار له بعد هجر القصيدة له ويهدي لها.
للقصيدة في ” هوى أندلسي” نار ، طيور، هجران، ضوء، دم، غيم، ليل، ماء، صولة ريح، وأغاني الرعاة وإيقاعات الغجر الصاخبة وعطر رفيقة العمر ينعش ذاكرة تفاصيل أندلسية جميلة الوجه.
نعيمة آيت إبراهيم
تطوان