تمارة: دور المدرسة في التربية على المواطنة وتحقيق التماسك الاجتماعي (الجزء الرابع)

متابعة: أحمد رباص
بعد إنهاء الأستاذة بديعة الجمالي لمداخلتها حاول الأستاذ عبقادري تلخيصها بقوله إنها تضمنت إشارات حاولت من خلالها توضيح وظيفة التعليم ووقفت عند التحول الاقتصادي من الإنتاج إلى المعرفة. كما عرضت عدة مؤشرات دالة على غياب تكافؤ الفرص وغياب الجاذبية في العرض التعليمي ببلادنا من خلال المقارنة بين العالم الحضري والعالم القروي، خاصة على مستوى التعليم الأولي. كما تحدثت عن الفوارق بين الجنسين التي لا زالت مطروحة في العديد من المناطق بفعل العقلية المحافظة التي لا زالت للأسف سائدة، وأشارت إلى الاكتظاظ وأشياء أخرى بطبيعة الحال.
مباشرة بعد هذا الكلمة المفتضبة التي حاول من خلالها مسير اللقاء تلخيص مداخلة الأستاذة، أعطيت الكلمة للاستاذ عبد الوهاب السحيمي الذي شكر في البداية فرع الاستراكي الموحد على تنظيم هذا اللقاء الثاني من نوعه، معلنا تضامنه اللامشروط مع زملائه وزميلاته الموقوفين والموقوفات.
اعتبر الأستاذ السحيمي هذا التوقيف في عمقه انتقاما من النضال، واستباقا لما سيأتي من قرارات حتى لا يجرؤ الأساتذة مرة أخرى على الخروج إلى الشارع للاحتجاج ضدها.
لم يعتبر السحيمي التوقيف قرارا سياسيا يقوم على أسس قانونية صحيحة لأنه ليس في الحقيقة سوى رد فعل ضد الأساتذة الذين رفعوا مطالب مشروعة اعترف بها رئيس الحكومة عندما سحب الملف من وزير التربية الوطنية وشكل لجنة وزارية جديدة. وهذا يعني، يتابع السحيمي، أن الحكومة أساءت تدبير ملف النظام الأساسي، وبالتالي هي من تتحمل المسؤولية. وإذا كان لا بد من التوقيف فينبغي أن يطال من افتعلوا الأزمة؛ لأن رجال ونساء التعليم انتظروا منذ سنة 2004 إطلاق النقاش حول النظام الأساسي بعدما لوحظت عدة ثغرات وعيوب في نظام 2003 الذي جرى إخراجه بطريقة سريعة. وأضاف الأستاذ السحيمي أنه منذ ذلك الحين والشغيلة التعليمية تطالب بنظام أساسي عادل. في هذا السياق، أعاد المتدخل إلى الأذهان أنه منذ سنة 2012 التي شهدت تنصيب أول حكومة بعد انتفاضات الربيع الدبمقراطي في 2011 صرح المرحوم أحمد الوفا، الوزير الوصي على القطاع آنذاك، عقب انعقاد أول اجتماع للمجلس الوزاري برئاسة عاهل البلاد، بأن جلالته أمره بالسهر على إصدار نظام أساسي عادل ومنصف لنساء ورجال التعليم يفترض فيه تصحيح الاختلالات ألموجودة في النظام الأساسي لعام 2003.
وهكذا، يسترسل السحيمي، تشكلت أول لجنة لهذا الغرض سنة 2014 من النقابات ووزارة التربية الوطنية في غياب وزارتي المالية والوظيفة العمومية. منذ ذلك الحين والملف يراوح مكانه إلى أن صدرت النسخة التي أفاضت الكأس، مع أنه كان بالإمكان إشراك الجميع والاستماع إليهم خاصة وأن شكيب بن موسى ترأس اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي الجديد قبل تعيينه على رأس الوزارة، وقام بجولات عبر التراب الوطني استمع خلالها لعدة جهات وأطراف وتحاور مع نشطاء الفيسبوك والتيك توك، ولكن عندمآ تعلق الأمر بالتعليم اجتمع مع أربعة أفراد وأغلق الأبواب في وجه نساء ورجال التعليم مه أنهم يشكلون نخبة المجتمع، متناسيا أن هؤلاء كانوا في طليعة من يستشار في شأن أي قرار يهم البلاد.
وأكد السحيمي أن الأساتذة عندما خرجوا
للاحتجاج فليس لغرض تحقيق الرفاهية، بل من أجل الدفاع عن الحقوق والمكتسبات الضئيلة التي كانت من نصيبهم، لكنهم فوجئوا بلجوء الحكومة إلى الفصل 93 من قانون الوظيفة العمومية الذي لا تربطه أية علاقة بالتوقيفات. وأشار الاستاذ المتدخل إلى أن الحكومة ادعت
أن هؤلاء الموقوفين كانوا يحرضون على الإضراب ويمنعون زملاءهم والتلاميذ من الدخول إلى الأقسام، في حين أن ممثلي التنسيقيات طالبوا من اتخذ قرار التوقيف بإشهار شكاية واحدة تثبت أن أستاذا أو تلميذا أرادا الدخول إلى القسم وجاء أستاذ أو أستاذة لمنعهم من ذلك. طالبوا بأي دليل، حتى ولو كان شريط أوديو قصير، على أن مثل هذا السلوك قد بدر من الأساتذة المضربين.
لم يقدم إليهم الجهاز التنفيذي ما يتبث ذلك، فتبين للأساتذة أن المسؤوليين أقدموا بشكل تعسفي وظالم على توقيف الزملاء والزميلات.
ولاحظ السحيمي ان ذلك لم يحدث لأول مرة، فقد سبق للشغيلة التعليمية في 2014 أن خاضت معركة نضالية قوية، فتم على إثرها توقيف 1400 أستاذ وأستاذة مع بعض الاعتقالات بينما كان الملف المطلبي بسيطا جدا. ثم بعد ذلك طرح ملف الأساتذة المتدربين عام 2016 الذين خاضوا نضالات قوية احتجاجا على ترسيب 150 بين أستاذ متدرب وأستاذة متدربة. ثم اندلعت احتجاجات الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد ابتداء من 2017. وفي كل مرة كان يتم توقيف بعض المحتجين وتقديمهم إلى مجالس تأديبية صورية إلى أن تأججت الأوضاع وحدث ما لم يكن في الحسبان.
أشكال التعنت هاته، يتابعىالمتدخل، ليست موجهة للأساتذة بل إلى المستقبل. الآن بدأ الحديث بين الحكومة والنقابات عن إصلاح ثان من نوعه لنظام التقاعد، مع علم المسؤولين بأن الأمر يتعلق هذه المرة بملف على درجة عالية من الصعوبة لأنه يهم الجميع وليس فقط رجال التعليم، وبأن رجال ونساء التعليم هم من سيقود الاحتجاجات ضد ما يراد تمريره على هذا الصعيد، وهم دائما متواجدون في قلب الاحتجاجات وعلى استعداد للتعبئة لها، لكونهم يشكلون نخبة المجتمع وبحكم عددهم الكبير. لهذا قرر المسؤولون إشغالهم وإغراقهم في مشاكل مفتعلة قصد منعهم من قيادة حراك آخر ضد ما تعتزم الحكومة اتخاذه من قرارات تصب في تقليص المعاشات وإضافة سنتين أخريين ليقف سن التقاعد عند 65 سنة.