29-التجديد الفكري بين التوطين والإجهاض..محمد صلحيوي

هناك أربع زوايا،للإمساك النظري والادائي لمعركة توطين مضامين الإجتهاد الفكري،ثلاث منها شارحة،ورابعة إستخلاصية.
أما الزوايا الشارحة، فهي:
1-الزاوية الأولى:
أشرت في معرض حديثي عن العقلية المركزية ،إلى أن وعي هذه العقلية المستبطن، يشكل العطب الذي لازم الحركة الوطنية وسليلاتها.ومن هنا تأتي أهمية إعمال العقل النقدي للأسس الفكريةوالثقافية التي تشتغل بها هذه العقلية المركزية،وتعرية طبيعتها كأدلجة للتردد والتكبيل.
يدرك الجميع أن الشعب المغربي شعب مقاوم، تلك المقاومة التي إنطلقت منذ بداية التغلغل الإستعمار، ولعل المثال الاوضح والأقوى والجذري،كانت تلك الثورة الوطنية(الحركة الوطنية الأولى بتعبير الأنتربولوجي عبد الله حمودي)والتي خاضها المغاربة بمنطقة الريف،بقيادة البطل محمد بن عبد الكريم الخطابي،وتلتها مقاومة جيش التحرير؛وخاض الشعب المغربي نضاله السياسي والاجتماعي قبيل الإستقلال وبعده،وإلى اليوم، لكن، بإيديولوجية محافظة لدى قواه الحزبية،بوعي منهاأو باستبطانه.
ولعل المتغير الهام الذي حدث خلال ظرفية 2011-2021 هو أن الحراك الشعبي المغربي وبمختلف دينامياته، كشف المحافظةكتيار ثقافي داخل القوى المصنفة معارضة،إذ إنتقلت أغلب تيارات هذا القوى -وبوجود “إشراقة” -إلى مواقع سياسية مناوئة لتطور الحركة الإجتماعية،بعد ما كان طيف من هذه القوى المسماة وطنية وتقدمية،ولمرحلة، يخوض نضالا، إلى حد ما، لتحقيق الإصلاح الديموقراطي، بينما واصلت أطراف يسارية عدميتها السياسية، وبين هذين الحدين القصويين تطور وببطء وعي ديمقراطي يساري مناقض فكرياَ،وفي نفس الآن،للنزعة الاقتصادوية وللنزعة الإيديولوجية الكلاسيكية الطبقوية.
2-الزاوية الثانية:
في سنة1908،ومغرب ماقبل الحماية الرسمية، يعيش صراع أجنحة المحافظة والتقليد،برزت إشراقة حداثية،ومن الهامش،من طنجة العالية،،إنهاإشراقة أول نص دستوري مغربي، نشرته مجلة”لسان المغرب” التي كانت من إصدار الأخوين “نمور” اللبنانيين المسيحيين، ولم يعرف لا الذين كتبوا بنوده ولا الذين وقعوه، لحجم التستر والكتمان.
نعم،سيتوسع إشعاع تلك “الإشراقة”،لكن،ورغم حجم التضحيات الجسام للمجتمع المغربي، ومن جيل لجيل،فإنه لم يتوفق في معركة الحداثة والدمقرطة،ولم تنجح إنتلجنسياته السياسية والثقافية في مهمات التحول إلى “كشافات” قوية لطريق التحديث والحداثة.
وبعد قرن وثمان سنوات، برزت شمعة،تدعو/تضيئ طريق” وطن حاضن لكل أبنائه وبناته، و بوطنية جامعة”،شمعة، وقودها حركة إجتماعية،تحمل في أحشائها خطاً يسارياً بديلاً…
فوحدها..هذه الشمعة.. التي قيل أنها في الهامش..مرة أخرى.. أضاءت فضاء أنوال.. وخيمة الخطابي..
نأمل أن يتقوى نورها..
لنقرأ زوايا العقلية المركزية.. نأمل ذلك.. نأمل….
3-الزاوية الثالثة:
في مواجهة العقلية المركزية وباسبطانها الإقصائي،يؤكد مفهوم الحراك الشعبي،باعتباره حركة إجتماعية،مطورة للحركة الإحتجاجية، على البعد العقلاني أولا، وعلى مواكبة قيم عصر الحركة الإجتماعية الحديثة ثانيا.
وفي مواجهة فلسفة “الدكننة”(الدكاكين السياسية) الحزبية التي تتشبث بها أغلب القوى السياسية،وكل الأشكال ما قبل النضال الشعبي. يؤكد هذا الوعي الشعبي على مشروع الوطنية المغربية المتجددة الجامعة لكل بنات وأبناءالوطن بتنوعه الثقافي وبكل أرصدته التاريخية وبكل رموزه، كمشروع مستقبلي للإنجاز،مشروع لم تمتلكه بعد نخب المغرب،وعلى حملة هذا الوعي نمثله كرافعة للوحدة الوطنية وللتحول المواطناتي للتحديث والحداثة المجتمعية .
وفي مواجهة المتغيرات اللفظوية في الميدان السياسي ومن أمثلة ذلك رفض الإختيارات السائدة والقبول بها واقعياَ.
يؤكد هذا الوعي على المتغيرات الواقعية التي فرضتها ديناميات الحركة الإجتماعية.
ولأن الموضوع هنا حول أعطاب اليسار، فإن الوعي الشعبي سيمضي أكثر في تحديد بعض خصائص العقلية المتكلسة في الميدان النظري والسياسي .
قد يقول قارئ أني اتجنى على الحقيقة في اعتمادي تجارب الماضي مقياسا لتقييم الموقف من الإندماج الفوقي العددي ووصفه بالوعي الإقصائي .
لذلك،اضيف هنا أن هؤلاء”الإندماجيون العدديون”يشكلون استمرارا لنفس الأزمة أو العاهة التي لازمت تاريخ الحركة الوطنية وسلالاتها.ومن هنا بالذات تأتي أهمية نقد فكرها الإقصائي، وذلك بكشف تشبثها بالسردية الأحادية،وكشفها على على حقيقتها كوعي معيق للتطور وأدلجة لمنطق الفعل التقليدي والسياسي المكبل. سمتان أساسيتان ثابتتان في منهجية هذا الفكر الماضوي،فهو يغيب :
1-الواقعية:بتنكره لدروس الحراك الشعبي.
2-العقلانية:بإعادة تكرار عتاد الثلاثينيات من القرن العشرين،المنطلق من التوجس في العلاقة مع كل المتخلفين مع إستراتيجية نخب المركز.
إنهماآساس أي خط فكري يدعي النضال من أجل التغيير. وبديهي أن غياب الواقعية الوطنية في التفاعل مع حمولة ظرفية 2011-2022، وبتغييب ورفض طبيعة وتطورالظرفية العقلاني، وبذلك حضرت الذاتية في المواقف عند الإندماجيين العدديين وحضر واقع التكرارية للتجربة في وعي هذا الجزء من اليسار…