ثقافة و فن
ما جدوى الأدب في عصر الفايسبوك والتوتير والرسائل القصيرة؟ ذ. مصطفى لغتيري

لا يجادل اثنان في أن الإنسانية تعيش ثورة تواصلية حقيقية بسبب الانفجار الإعلامي المهول، الذي تعد شبكات التواصل الاجتماعي كالفايسبوك وتويتر إحدى علاماته البارزة، وقد كان من نتائج ذلك الاهتمام المفرط بالرسائل القصيرة والأيقونات التعبيرية، مما جعل التفكير في كتابة قصة أو قصيدة أو غيرها من الأجناس الأدبية قد يصبح مع التوغل الحثيث والعميق في هذا العصر ضربا من الجنون..
شغل بالنا هذا الموضوع فاقترحناه على أعضاء “غاليري الأدب”، الذين يبدو أنهم ما زالوا متمسكين بجدوى الأدب باعتبار أن أكثرهم أدباء أو عشاق للأدب، وطرحنا عليهم الموضوع بالشكل التالي:
في عصر التكنولوجيا والرسائل القصيرة والفايسبوك والتوتير، هل مازال هناك مبرر للأدب بأجناسه التقليدية المعروفة شعرا وقصة ورواية…؟
أم أن عشاق الأدب وكتابه أصبحوا ديناصورات آيلة للانقراض؟
وقد كان القاص توفيق البوشاري أول من تناول الموضوع بكثير من التفصيل معتقدا أن الأمر سيكون يسير التناول لو أن التكنولوجيا والتقنية اكتفت بكونها أدوات في يد الإنسان، كما كانت من قبل أدوات أخرى تقليدية في يديه تخدمه وتلهمه أيضا، فكان متحكما فيها ومستفيدا منها بشكل جيد. أما وقد شيدت التقنية صرحا من الأفكار وهيمنت على الحيا،ة ليس بشكل مباشر يومي فقط بل بشكل جذري كذلك، أسس لنمط جديد من الحياة وأدى إلى تحولات اجتماعية وسياسية واقتصادية، لا شك أنها أثرت في الأدب خاصة من خلال بعض الأجناس التي تتخذ من إواليات التقنية بطرق تأثيرية حتمية كالتسارع والقلق والترقب وغيرها من الهواجس الأكثر حدة من المشاعر الهادئة نوعا ما سابقا، وخاصة القصة القصيرة جدا والومضة والشذرة، ويرى توفيق أن هناك إحساسا بضيق ما في الزمن والمكان من خلال يسر التواصل وسهولة التنقل والتحول مما أدى إلى الرغبة في التعبير بشكل سلس، يمكن الناس من التواصل وفق هذه التحولات، فلم يعد هناك وقت للتأني، ولكن، يسترك البوشاري متسائلا، هل يشفع لنا هذا للقول بأن الأجناس الكلاسيكية إذا صح القول أصبحت متجاوزة؟ ويجيب في نوع من الحسم قائلا بأنه لا يمكن بأي شكل من الأشكال قول ذلك، وإلا أصبح للتقنية ماهية أقوى من ماهية الإنسان نفسه،صحيج قد يبدو هذا الطرح عاما ومطلقا ولكن الوجود مركب بشكل فسيفسائي مذهل، وبالتالي لابد أن تكون هناك ممانعة ومعاندة حفاظا على إيقاعاتنا الخاصة والتحكم في طقوس الكتابة والقراءة والنشر بما يوفق بين متطلبات العصر وسيطرة التكنولوجيا فيه وكذا عدم ترك مساحة مهولة للانقضاض على تراثنا خاصة الإبداعي منه تحت أية ذريعة.
في حين ذهب القاص كريم القيشوري إلى طرح مفاده أن عصر التكنولوجيا ووسائل الاتصال الاجتماعية من فايسبوك وتويتر.. يمكن اعتباره عصر الأدب بامتياز؛بما يقدمه لعشاقه وكتابه بمختلف اهتماماتهم الأجناسية بحكم الانفتاح الواسع واللامشروط الذي أصبح يتيحه الفضاء الأزرق /العالم الافتراضي؛ للاطلاع على ما استجد في عالم كتابة الأدب وإصداراته من شعر وقصة ورواية ومسرح.. للقراء والمهتمين من جهة؛ومن جهة أخرى استفادة المبدعين /الكتاب/المؤلفين..من هذه الوسائل الحديثة التي خولت لهم إمكانية تقديم إنجازاتهم الإبداعية عن طريق عملية التقطير”التشويق” الذي يخلق لدى القارئ الدهشة والرغبة والحرص على مواكبة ما يستقطره المبدع من فقرات لمشروع منجزه الإبداعي؛ وبالتالي يخلص إلى اقتناء الكتاب الذي يتم إصداره كتجميع لتلك التقطيرات..
أما بالنسبة للأستاذ رضوان خبير فإن جل من اعتاد واستخدم التكنلوجيا الحديثة بمختلف مشتقاتها ذاق فراغا أدبيا وزيفا فيما يخص المحتوى، وطعما باهتا للمعنى إضافة إلى تكرار نفس الجمل الأدبية الشعرية والقصصية و….،هذا دفع كثيرا من الناس إلى تذوق الأدب الحي والأصيل سواء عن طريق هذه التكنولجيا أو الطرق التقليدية الرائعة وهي الكتاب، فانغمس جلهم في القراءة وفي الإستئناس بتفاصيلها والذهاب حتى إلى تجربة فن الكتابة ،فأحسوا الفرق بين التجربتين بين التلقي والبحث ، ولهذا من خلال زاوية نظري المتواضعة فإن الأدب بأجناسه التقليدية دخل حقبة فريدة سيبسط سيطرته فيها ،وسيكون عصرا أدبيا متفوقا على كل العصور الفائتة وذلك بمساعدة وامتطاء التكنلوجيا الحالية.
أما الأستاذ محمد الراشدي فيظن من جانبه بأن القراءة عموما، هي أمر قليل الحدوث لدى شعوبنا العربية، وفيما يخص الأدب، فإن أغلب الأعمال التي نقرؤها، هي أعمال لمؤلفين “مشهورين” أحدثت أعمالهم ضجة في زمان ومكان ما، خصوصا في مجال الرواية ( الأدب اللاتيني وبعض الأعمال العربية) والشعر( بالخصوص تلك الأشعار التي رافقت الحلم القومي لبعض الأنظمة السياسية)، ولا يرى الأستاذ داعيا لذكر أسماء في هذا المجال… أما فيما يخص ادباءنا المغاربة المعاصرين، فكان الله في عونهم، تجد أحدهم يصرف من ماله الخاص على طباعة مؤلفه وتوزيعه، وفي نهاية المطاف لا يقرأ له الا ثلة من المقربين، والعيب في الحقيقة ليس في العمل وإنما العيب في غياب السند الإعلامي، والدعاية الكافية خارج حلقة معارف الأديب، فهل على هذا الأخير أن يتحمل ثقل هذه الأوزار كذلك؟ ويختم الأستاذ محمد تدخله بسؤال أساسي عن دور السياسة الثقافية للبلد من كل هذا الأمر.
فيما يرى الأستاذ عبدو أبو صلاح بأن الأدب بكل أجناسه ظاهرة إنسانية لصيقة بالإنسان و مبررها الوحيد هو أفكار الإنسان و مشاعره و مواقفه. و لا يمكن للتطور التكنولوجي إلا أن يدعمه.ويسجل الأستاذ بالبنط العريض أن الإنسان دائما في حاجة الى التدوين . ولقد فعل ذلك على الحجر و العظام و على الجلد و الورق ويقوم بذلك الآن على الرقائق الالكترونية… ليخلص الأستاذ أبو صلاح إلى أن التطور التكنولوجي جعل كل الأجناس الأدبية تنتشر أكثر وتصل بطريقة أسرع إلى المعنيين بها