جريدة ليبراسيون الفرنسية تتبنى أطروحة الانفصاليين وتتعامى عن تورط الجزائر في النزاع المفتعل

أحمد رباص
ذكرت جريدة ليبراسيون الفرنسية اليومية في عددها الصادر يوم أمس الثلاثاء أن الشركات الفرنسية العاملة في المناطق الجنوبية المسترجعة التي تدعي أن المغرب “يحتلها” تعتبر غير قانونية بموجب القانون الدولي ويمكن أن تكون متهمة بـ”تمويل الاستعمار” و”التواطؤ في جرائم حرب”.
في مقال طويل بعنوان مغرض: “الصحراء الغربية، فرنسا مقابل المال؟”، ذكرت ليبراسيون ب”دعم باريس الرسمي لمخطط المغرب للحكم الذاتي لهذه المنطقة الغنية بالموارد الطبيعية الاستراتيجية”، وأشارت إلى أن أنشطة هذه الشركات “تثير مع ذلك مسألة شرعيتها في نظر القانون الدولي”.
كما تدعي الجريدة الفرنسية وتتوهم أن الصحراء المغربية “إقليم غير مستقل” ناسبة هذا “الحكم” إلى الأمم المتحدة التي “أيدته” منذ عام 1963 وأن وضعها لن يتم تسويته إلا بعد ممارسة “الشعب الصحراوي” المزعوم ،”لحقه في تقرير المصير” (كذا). وذهبت الصحيفة إلى حد قلب الحقائق من خلال حديثها عما أسمته ب”الرأي الاستشاري” الصادر، كما كتبت، عن محكمة العدل الدولية عام 1975، والذي نص على عدم وجود أي صلة سيادية بين الصحراء المسترجعة والمغرب. والغريب في الأمر أن ليبراسيون تتبنى هذا الرأي وتتجاهل معطيات الجغرافيا والتاريخ التي تؤكد مغربية الصحراء على لسان الجيل الأخير من سكان الصحراء نقلا عن الأجيال الأسبق والأقدم.
لكن ما تجاهله كاتب المقال، عن قصد وسابق ترصد، هو أن هذه الأزمة المفتعلة تقف وراءها جارة السوء الجزائر التي أنفقت على ميليشيات البوليساريو وزعمائها 555 مليار دولار منذ 47 سنة، والتي أنشأت حاليا صندوقا بقيمة 3 ملايين دولار لمعاكسة جهود المغرب الرامية إلى انفتاحه على محيطه وامتداده الإفريقي.
وما غاب عن كاتب المقال، أو تعامى عنه، هو أن الرأي الذي عبر عنه لا يمثل إلا أقلية مرشحة للذوبان في أغلبية دولية تأتي على رأسها أمريكا ودول الاتحاد الأوربي، تساندها دول صديقة تربطها ببلادنا علاقات تجارية واقتصادية متينة ومثمرة. فهل يعتقد القائمون على جريدة ليبراسيون أن القانون الدولي لا علاقة له بميزان قوى العلاقات الدولية المبنية أساسا على المصالح الاقتصادية؟
ربما يكون من المناسب تذكير هذا القلم المأجور بأن تأييد فرنسا لحق المغرب في صحرائه اتخذ صيغة غير تلك التي اتخذها تأييد امريكا. فإذا كانت الأولى قد رحبت بالحكم الذاتي حلا مناسبا للنزاع المفتعل على الصحراء، اعترفت الثانية، في كلمة واحدة، بمغربية الصحراء. ولست بحاجة إلى تذكير كاتب المقال بأن المغرب لم يطلب ود امريكا والاتحاد الأوربي إلا عندما وجد نفسه أمام هذا المشكل، بل حسن علاقاته معهما ومع غيرهما من الدول والتجمعات يعود إلى ما قبل ذلك التاريخ بعقود، بل بقرون.
واللافت في المقال أنه انتهي بأن المح، بصيغة يشتم منها التهديد، أن محكمة العدل الدولية حكمت وسوف تحكم. ولو كانت لهذه الأخيرة سلطة مستقلة عن العلاقات الدولية تستمدها من القانون الدولي لكانت فعلا قادرة على تنفيذ ما خرجت به من أحكام في حق نتنياهو ومن شاركه في اقتراف جرائم إبادة الفلسطينيين.