وجهة نظر

ردا على بعض التوضيحات الطائفية التي تستهدف محور الممانعة في المنطقة-د. محمد أكديد

د. محمد أكديد
باحث في علم الاجتماع السياسي

في أوج المواجهة التي يخوضها محور الممانعة اليوم ضد المشروع الصهيوأمريكي في المنطقة، والذي تقوده إيران عبر جبهات إسناد غزة مدعومة بالدب الروسي وقوى دولية وإقليمية أخرى، يطل علينا بين الفينة والأخرى بعض المؤدلجين ممن تشربوا افتراءات وأحقاد الأيديولوجيا السلفية الوهابية لتكرار نفس الأسطوانات القديمة الجديدة دون تمحيص وتدقيق حول المسلمين الشيعة والجمهورية الإسلامية في إيران، حيث يطالعنا أحدهم -عبد الرزاق وورقية أستاذ باحث بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس- بمقال مكتوب بلغة طائفية تكفيرية مقيتة، لم يخرج فيها صاحبه عن سردية الاتهامات والافتراءات الوهابية التي لا تفتأ تتهم الشيعة بسب الصحابة وتحريف القرآن والغلو قبل أن يقفز إلى بعض المواجهات التاريخية بين الشيعة والسنة، محملا كل جرائم التضييق والقتل التي كانت متبادلة إلى الطرف الشيعي مما سنعود إلى بعض تفاصيله القريبة في هذا المقال بعد الوقوف على بعض التهم التاريخية التي ذكرها الكاتب. و
ونبدأ بتهمة سب الصحابة وأمهات المؤمنين، حيث لم يكلف الرجل نفسه عناء البحث في الانترنت على الأقل ليقف على فتاوى كبار مراجع الشيعة اليوم، ومنهم السيد الخامنائي بإيران والسيد السيستاني في العراق والمرحوم السيد محمد حسين فضل الله وغيرهم، والتي تحرم هذا الفعل المنبوذ. وإن كان الصحابة أنفسهم قد اختلفوا فيما بينهم وتسابوا وتقاتلوا، وبعضهم انحرف عن منهج الإسلام النبوي الأصيل فتورط في الإساءة والتضييق على أهل بيت الرسول ص الذين وصانا على مودتهم القرآن الكريم، وحث نبينا عليه السلام على الالتزام بمنهجهم وطريقهم في روايات متواترة، فضلا عمن قاتل منهم الإمام علي كرم الله وجهه في معارك حامية الوطيس كمعركة الجمل التي شاركت فيها أم المؤمنين عائشة وطلحة والزبير، ومعركة صفين التي قادها معاوية بن أبي سفيان وصديقه عمرو بن العاص، ومعركة النهروان ضد الخوارج، والتي كانت سببا في اغتيال الإمام علي في مسجد الكوفة بعد أن تربص له أحد الخوارج في صلاة الفجر ليهوي على رأسه بالسيف انتقاما لأصحابه، حيث سقط خلال هذه المعارك صحابة من الطرفين. وقد أجمع فقهاء الأمة الراسخين في العلم بأن الإمام علي رض كان على الحق، وأن خصومه قد أخطؤوا عندما خلعوا بيعته وحملوه وزر اغتيال عثمان بن عفان في قصره، بعد أن طفح الكيل بالثوار المحتجين على سياسات الخليفة الثالث التي كان يستفيد منها حصرا أقاربه الأمويين، مما فتح باب الفتن التي استغلها بنوأمية بقيادة معاوية بن أبي سفيان لتأسيس دولة الاستبداد على أنقاض دولة الخلافة. حيث دشن هذا الأخير عهده بقتل صحابة كبار كحجر بن عدي الكندي وعمرو بن الحمق الخزاعي، وقد سماه العلامة المغربي محمد ابن صديق الغماري بزعيم الفئة الباغية التي قتلت عمار بن ياسر في صفين. وقد شرع بعد انقلابه على صلح الإمام الحسن رض في التحريض على شيعة العلويين وتتبعهم تحت كل حجر ومدر، بل وصل به الأمر إلى دعوة فقهاء الشام إلى سب الإمام علي على المنابر، وكان يحث من كان حوله ممن تبقى من الصحابة على ذلك، كالحديث الذي جاء في مسلم، عندما توجه إلى سعد بن أبي وقاص رض قائلا: مامنعك أن لا تسب أبا تراب (يقصد عليا)، ليفحمه الآخر ببعض الروايات التي وردت في فضائل الإمام علي وأهل البيت ع.
أما كذبة تحريف القرآن، فلم تعد تنطلي على أحد إذ أن نفس القرآن الذي تجمع عليه الأمة يطبع في إيران وفي العراق ولبنان وفي كل بلاد الشيعة، كما أن القنوات الشيعية تبث نفس القرآن الموجود بين أيدينا، فضلا عن احتجاج فقهاءهم بآياته في بناء الأحكام والاحتجاج على الخصوم.. لكن بعض الطائفيين لازالوا يستندون إلى بعض الروايات الضعيفة في عدد من المتون الشيعية مما رده كل مراجع ومحققي الشيعة، فضلا عن بعض الروايات التي تتحدث عن تأويل بعض الآيات لا عن نصها..
وتبقى بعض التهم الثابتة على عينة من غلاة الشيعة ممن انحرفوا بدورهم عن منهج أهل البيت ع، مثل التطبير (شق الرأس بالسكاكين خلال مناسبة عاشوراء) و الغلو في الأئمة والإمعان في سب بعض رموز السنة المقدمين كالخلفاء الأوائل مما يستنكره كبار المراجع مما أسلفنا الحديث عنه.
أما حديثه عن بعض جرائم الصفويين أو الفاطميين ضد أهل السنة خلال عصور خلت، فيخفي وراءه مجازر العثمانيين ضد الشيعة في عدد من المقاطعات التي كانت تابعة للإمبراطورية، وقبلها مجازر العباسيين خصوصا في عهدي السفاح والمتوكل وقد لجأ مؤسس الدولة الإدريسية في المغرب إلى هذا البلد هربا من بطشهم بعد هزيمة جيش أخيه في معركة فخ، حيث أسس أول دولة علوية بعد أن بايعه نفس الأمازيغ الذين تصدوا لجيوش بني أمية وطردوا ولاتهم فيما بعد..وقبلهما جرائم الأمويين في حقهم، حيث تورط الطاغية يزيد بن معاوية في حصار وقتل آل بيت الرسول ص يتقدمهم الإمام الحسين رض في كربلاء، مع ما رافق ذلك من ممارسات حقودة كرمي الخيام بالنار وقتل الصغار ومنع الماء عنهم وسبي نساء أهل البيت ع، بالإضافة إلى سن الاحتفال بأيام عاشوراء احتفاء بهذا الانتصار البغيض، مما بقي وصمة عار في جبين الأمة الإسلامية إلى اليوم..
لكن هؤلاء للأسف، لازالوا يدجلون على الناس بتقديم الأحداث التاريخية وفق رؤية طائفية قاصرة تنقصها الكثير من التفاصيل. وقد احترف بعضهم الكذب والتدليس بعد أن تشربوا أحقاد حكام بني أمية على أتباع أهل البيت ع في كل زمان ومكان، حيث انبرت أقلامهم مرة أخرى تصف الثورة الإسلامية الشعبية في إيران بعودة المجوس نكاية في تسنم الفقهاء الشيعة مراتب السلطة هناك، وحسدا من عند أنفسهم لأن فقهاءهم كانوا ولازالوا مجرد أدوات عند أغلب حكام بلاد السنة. وقد نسي هؤلاء بأن أمريكا هي من حثت العرب وصدام للهجوم على ايران الثورة بعد أن طرد الخميني سفيرهم منها وحول سفارة اسرائيل إلى سفارة فلسطين، وأقام مهرجانا كبيرا في طهران لدعم حركة فتح حينها بحضور زعيمها ياسر عرفات، وأفتى للشيعة آنذاك بمنح زكاتهم لدعم هذه الحركة التي كانت تمثل الشعب الفلسطيني، ليفرض العرب على عرفات بعد هذه الواقعة فك ارتباطه بإيران كشرط لدعم قضيته أو بالأحرى بيعها في المزاد العلني فيما بعد..
وردا على احتلال إيران لعدد من الدول سنية. هذه المغالطة التي مافتئ البعض يكررها منذ الأزمة السورية، فإن كل تدخلاتها في هذه الدول كانت كرد فعل لتدخلات الأمريكي والإسرائيلي وبعض حلفاءهما في المنطقة، ودعما لحركات المقاومة داخل هذه الدول. إذ لولا الدعم الإيراني لحزب الله في لبنان لاحتلت اسرائيل هذا البلد منذ مدة ولتم فيه بناء قواعد عسكرية أمريكية كما وقع في عدد من دول الخليج. ولو تخلت إيران عن العراق بعد أن اجتاحتها جحافل التكفيريين من داعش لتحتل نصف مساحتها سنة 2014 وتحاصر بغداد لتحولت العراق إلى أفغانستان جديدة، وصارت تصدر الإرهابيين إلى المنطقة والعالم. أما اليمن فقد أثبتت معركة غزة مصداقية وتضحيات جماعة أنصار الله التي تدعمها ايران وانخراطهم في جبهة الإسناد نصرة لغزة بعد أن تسبب في خسائر اقتصادية فادحة للعدو الصهيوني بإغلاقه باب المندب في البحر الأحمر وممرات بحرية أخرى، وقد كان الحوثيون يطالبون قبل التدخل السعودي الإماراتي بنصيبهم من كعكة السلطة بعد سقوط نظام علي عبد الله صالح ليقابلوا بالرفض والإقصاء..
أما قضية سوريا فلنسائل صاحب المقال، أين اختفت كل تلك الجماعات المسلحة الجهادية السنية التي اجتاحت سوريا من كل حدب وصوب، وماهو موقفهم وموقف من كان يحرضهم حينها للجهاد في بلد عربي مسلم مما يحدث في غزة اليوم، وقد ملأوا الأرض ضجيجا في سوريا والعراق، باسم الدفاع عن السنة وتأسيس دولة الخلافة!! وقد كان هدفهم الرئيسي آنذاك هو إسقاط النظام العربي الوحيد الداعم للمقاومة في المنطقة وفق مخطط صهيوأمريكي بدت معالمه واضحة في عهد بوش الإبن الذي تداول عدد من المحيطين به آنذاك مصطلح الفوضى الخلاقة، حيث مثل التكفيريون والجهاديون من الجماعات السنية المسلحة أدوات هذا المخطط بداية من العراق أيام الزرقاوي وانتهاء بسوريا مع داعش بعد استغلال ماسمي بالربيع العربي لتغيير خارطة المنطقة، قبل أن يقلب محور الممانعة عليهم الطاولة وينجح في طرد داعش من هذه الدول التي كانت أيضا مهددة بالتقسيم على أسس طائفية وعرقية لو نجح مخططهم وتمكنت هذه الجماعات التكفيرية التي تورط الأمريكي في دعمها ومحاولة الحفاظ عليها حسب وقائع وشهادات من مواقع الأحداث.
لقد تحملت إيران ولحد الآن ثمن دعمها للمقاومة في المنطقة العربية، ولازالت تدفع تكاليف هذا الموقف المبدئي، حيث لم ترضخ للحصار الأمريكي الخانق ولا لمساومات الغرب والتهديد المستمر بالحرب وتتبع واغتيال قادتها وعلماءها على كل جبهات المواجهة، وكان بإمكانها التراجع عن دعم المقاومة في أي موقع وفي أي وقت لتخفيف الضغط عنها أو المتاجرة بها مع الغرب كما يتهمها كاتب المقال لكنها لم تفعل ولن تفعل.
واليوم تقف بكل نفوذها وعلاقاتها المتقدمة مع لاعبين دوليين كبار لمواجهة الغطرسة الصهيوأمريكية وإنقاذ ماتبقى من شرف هذه الأمة بدعمها للمجاهدين الذين باتوا يضحون بأنفسهم واستقرار حواضنهم الشعبية في جبهات الإسناد، في الوقت الذي بات يمارس فيه بعض المنافقين والمرجفين دور الخذلان والتنمر وبث الشكوك باستدعاء الخلاف الطائفي تارة أو اتهام قادة المحور بالتآمر على المقاومة والاتجار بالقضية الفلسطينية تارة أخرى، مع أن من يتاجر بهذه القضية قد بات معروفا لدى الجميع، وقد أسقط العدوان على غزة كل الأقنعة.
ولو كانوا فعلا حريصين على هذه القضية وعلى نصرة غزة لتوجهت انتقاداتهم لبعض الأنظمة السنية التي تخلت عن حماس وأوصدت الأبواب في وجهها، بل صنفها بعضهم كحركة إرهابية، لتتوجه صوب إيران الشيعية التي احتضنتها داخل محور الممانعة دون قيد أو شرط بالرغم من تورط قادتها في سوريا ضد النظام الذي وقف أيضا بجانبها لسنوات ولم يتخل عنها إلى اليوم، ولقاموا على الأقل في وجه جماعة كلنا إسرائيليون في المغرب ممن تنكروا للقضية الفلسطينية منذ زمن، وباتوا يهاجمون المقاومة ويحملونها مسؤولية العدوان الصهيوني على غزة، بل لم يتورع بعضهم في نعت المقاومة بالإرهاب دون خجل. لكن هؤلاء للأسف باتت تتقاطع أصواتهم مع السردية الصهيونية التي بات بها صدى في العالم العربي خصوصا بعد حمى التطبيع التي اجتاحت المنطقة، ليكرروا نفس أسطواناتها وافتراءاتها المكشوفة. وقديما قيل إذا لم تستح فاصنع ماشئت

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى