حوار مع الخبير التربوي عبد الرزاق بن شريج حول مدى نجاعة خارطة الطريق التي بلورتها وزارة بنموسى

حوار جريدة “شفاف” مع الخبير التربوي عبد الرزاق بن شريج حول مدى نجاعة خارطة الطريق التي بلورتها وزارة بنموسى
صرح بنموسى خلال الندوة الصحافية التي عقدها يوم الثلاثاء 5 شتنبر 2023 لتقديم معطيات خاصة بالدخول المدرسي أن من ضمن المنجزات التي حققتها الوزارة التي يرأسها استفادة أزيد من 17 ألف تلميذ وتلميذة من معالجة التعثرات باعتماد مقاربة التدريس وفق المستوى المناسب مؤكدا أن عدد التلاميذ الذين يجيدون الطرح انتقل من 10 إلى 60 في المائة خلال شهر واحد من اعتماد هذه المقاربة.
وتطرح الأرقام التي استعرضها بنموسى تساؤلات عديدة بخصوص المعايير المعتمدة لتقييم نجاح تجربة لم يمر على تنزيلها أكثر من سنة فضلا على أنها لازالت لم تعمم في جل مدارس المملكة .
كما أن الانتقادات التي توجه لوزارة التربية الوطنية تتمحور بالأساس حول سبب عدم الرهان على إبداع نموذج تربوي وطني عوض استيراد تجارب أجنبية للرفع من مستوى التعليم رغم فشل كل التجارب السابقة التي تم اعتمادها.
وفي هذا الصدد حاورت جريدة “شفاف” عبد الرزاق بن شريج الخبير التربوي والمشرف العام الوطني لفريق التجديد التربوي
•س= الأستاذ عبد الرزاق بن شريج بداية كيف تعلقون على الأرقام الواردة في تصريح السيد الوزير؟
ج= يقول المثل “الأرقام خداعة” بمعنى أنها حمالة أوجه في غياب مؤشرات مصاحبة مثل معامل التشتت وخاصة الانحراف المعياري وكذلك التباين، فعندما نقول مثلا أن متوسط الأجور في المغرب هو 8000 درهم مغربي في الشهر، دون تفاصيل أخرى يفهم أن المغرب من الدول الغنية، في حين أن هناك فرق بين أعلى راتب الذي يقدر ب 300000 درهم وأدنى راتب ل يتجاوز 3000 درهم.
وبالعودة إلى سؤالكم عم الأرقام التي أوردها وزير التربية الوطنية، فلابد من الإشارة إلى أنه يشغل منصبا سياسيا فقط وكل ما يقوم به خلال هذه المناسبات هو قراءة ما يكتب له من طرف الطاقم الإداري (الكتابة العامة والمديريات المركزية، خاصة مديرية الاستراتيجيات والإحصاء والتخطيط) وانطلاقا من تجربتي المهنية واهتماماتي بالسياسة التعليمية بالمغرب منذ أزيد من 40 سنة، فالمصالح المركزية تطالب الأكاديميات بكتابة تقارير حول درجة تنزيل المشاريع وتنفيذ المذكرات والمقررات الوزارية، فتقوم الأكاديميات بمطالبة المديريات بنفس العملية مما يفرض عليها سواء خوفا أو إهمالا بكتابة تقارير غير دقيقة، وفي بعض الأحيان المصالح المركزية لا تنتظر تقارير المديريات الجهوية والإقليمية، بحيث لا تتفاعل هذه الأخيرة مع ما طلب منها ورغم ذلك يصرح الوزير أو الكاتب العام بأرقام حول تقدم أشغال مشروع ما لا نعرف من أين استقاها.
وعن الأرقام التي صرح بها وزير التربية بنموسى خلال ندوة 5 شتنبر الجاري فيكفي التركيز على الآتي: قال السيد الوزير أن 31% من المؤسسات تدرس الأمازيغية وفي حدود 2026 وستصل إلى 50% وفي سنة 2030 سيصبح 100%، ولكن الواقع يقول غير ذلك، مع الإشارة إلى استثناء مؤسسات التعليم الخصوصي من هذه النسبة، كأنها تابعة لدولة أخرى، ويجب تذكير السيد الوزير بالمادة الثانية من القانون التنظيمي رقم 16-26 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 121-19-1 صادر في 12 سبتمبر 2019 المتعلق بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وكيفيات إدماجها في مجال التعليم وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية، تنص على أن: {تعمل الدولة بجميع الوسائل المتاحة على تعزيز التواصل باللغة الأمازيغية وتنمية استعمالها في مختلف مجالات الحياة العامة ذات الأولوية ، باعتبارها لغة رسمية للدولة ورصيدا مشتركا لجميع المغاربة بدون استثناء ، وذلك من خلال ” تيسير تعلم اللغة الأمازيغية وتعليمها ونشرها و تنمية وتعزيز قدرات الموارد البشرية العاملة بالإدارات العمومية وبمختلف مؤسسات القطاعين العام والخاص في مجال التواصل باللغة الأمازيغية مع المرتفقين المتحدثين بها ، وذلك وفق برامج دراسية وتكوينية خاصة تعدها لهذا الغرض ومن هنا يتضح أن الدولة تأخرت كثيرا في تنزيل هذا القانون، فتاريخ التعميم المقرر سابقا في القوانين والظهائر والمذكرات هو 2024، والسيد الوزير يتحدث عن 2030، لك أن تخمن مآل تصريح الوزير في القادم من الأيام والسنين”.
ولنفرض أن الوزارة تمكنت من تكوين 400 مدرس متخصص في السنة فمقارنة بعدد المؤسسات المحدد في أكثر من 12000 فالتعميم حسابيا يتحقق سنة 2053، مع توقيف الزيادة في عدد المؤسسات لمدة 25 سنة، أما صيغة الاستاذ ثلاثي اللغة التي تراهن عليها الوزارة لتقليص هذه الآجال، (تكوين 2000 مدرس مزدوج في السنة) عملية غير دقيقة الرؤية لأن الأستاذ المزدوج لا ينقصه ديداكتيك الأمازيغية، ولكن تنقصه اللغة في حد ذاتها (لأن الأمازيغية المعتمدة رسميا تجمع بين تمازيغت، تشلحيت، تريفيت).
قال السيد الوزير أن تعميم الإنجليزية وصل 28% بالسنة أولى إعدادي وتقريبا 62% بالسنة الثانية إعدادي خلال الموسم الدراسية الحالي، ولم يستحضر السيد الوزير في خطابه أن العملية تتطلب تكوين أساتذة متخصصين، بالإضافة إلى اللوجيستيك وغيره من المواد الأساسية؛ ويكفي الرجوع للمذكرة 30/23 بتاريخ 23 ماي 2023 في شأن تعميم اللغة الإنجليزية بالتعليم الإعدادي للوقوف على الخطاب الاستهلاكي الذي استعمله السيد وزير التربية الوطنية، تقول المذكرة في صفحتها الثانية تحت عنوان مسار التعميم {الموسم الدراسي 2023/2024 إرساء اللغة الإنجليزية بالسنة الأولى من التعليم الإعدادي بنسبة تغطية تصل إلى 10% وبالسنة الثانية من التعليم الإعدادي بنسبة 50%؛ والمذكرة موقعة من طرف السيد الوزير شكيب بنموسى نفسه.
•س= هل يمكننا الحكم على نجاح تجربة “مدرسة الريادة” وهي في سنتها الأولى ولازالت لم تعمم في جل مدارس المملكة؟
ج= لا يمكن الحكم على نجاعة تجربة في بدايتها لأن الأمر يحتاج تقييم درجة ونجاعة التنزيل أو التنفيذ، ولكن يمكن الحكم على فشلها من اللحظة الأولى إن لم تتوفر الشروط الضرورية لانطلاقتها، فالمؤشرات الواضحة اليوم تؤكد عدم نجاحها لغياب أغلب الشروط ويكفي الحديث عن غياب التجهيزات في جل المؤسسات بشهادة العاملين بها ويكفي الإشارة إلى البيان الذي أصدرته التنسيقية المحلية لمؤسسات الريادة الذي عبرت فيه عن امتعاضها من التأخر في تأهيل المؤسسات التعليمية، وبالتالي غياب التجهيزات والإضرابات التي سيعرفها الموسم الدراسي الحالي بسبب الأعطاب التي سيتركها النظام الأساسي لموظفي وزارة التربية الوطنية، ويكفي التركيز على كلمة الوزير في ندوته بأن النظام الأساسي مهما استجاب لتطلعات الأطر التربوية فلن يفي بكلها
•س= رجال التعليم يرون أن هذه المقاربة تم تنزيلها، دون أخذ آرائهم وتصوراتهم وهذا يتنافى وتصريحات الوزير المتعلقة بإشراك رجال التعليم في الإصلاح التربوي هل تتفق مع هذا الكلام؟
ج= أكيد، فالوزير يروج لسياسة الحكومة ومفروض عليه قول ذلك، وما يقصده أي وزير في إشراك نساء ورجال التعليم هو التقارير غير الصحيحة التي تتوصل بها الوزارة من الأكاديميات، وهذه الأخيرة تتوصل بها من المديريات الإقليمية، التي يطلب منها كتابة تقارير تناسب رغبة المسؤول الجهوي المبنية على رغبة المسؤول المركزي المبنية على رغبة الجهة المانحة؛
عوض الحديث عن إشراك نساء ورجال التعليم نطلب من الوزارة على الأقل إشراك النقابات كلها في التفاوض الجاري حول النظام الأساسي، فلماذا تم إقصاء نقابة من بين النقابات الأكثر تمثيلية كما يحلو للوزارة تسميتها، هناك فعلا مشكل، فالتواصل والتفاوض والحوار غائب في كل مؤسسات القطاعات الأساسية، وحتى إن كان هناك تفاوض أو إشراك فبمبدأ “شاورها ومادير برأيها” أي شاركها في التفاوض ونفذ ما تريد ولا تهتم برأيها.
•س= لماذا وزارة التربية مصرة على استيراد تجارب أجنبية للرفع من مستوى التعليم رغم فشل كل التجارب السابقة التي تم اعتمادها؟
ج= الأكثر قدرة على الإجابة عن هذا السؤال هي الإدارة المركزية، أو ما أسميه الرباعي المركزي الذي أصبح ثلاثيا بعد تحييد الكاتب العام السابق بلقاسمي، ولكن ما يمكن التطرق له هنا هو أن هذه سياسة متبعة منذ سنوات، فالمسؤولون يؤمنون بالمقولة السائدة “مغني الحي لايطرب” بالإضافة إلى كون العملية برمتها تبنى على علاقات شخصية، فيها ما فيها، فكل التجارب تستورد من الدول التي ليس لها أي أهمية في المجال التربوي، فبعد كندا، ثم اللجوء لتونس، ثم جاء دور مصر، وبعدها الهند إلخ
والخلاصة التي يستنتجها كل متتبع ومهتم هي أن أغلب المشاريع إن لم نقل كلها توقفت وجيء بمشاريع أخرى دون تقييم السابقة، فلا نعرف هل تم التخلي عنها أم فقط غيبت إعلاميا وميدانيا كما وقع لبيداغوجية الإدماج.
•س= ألم يحن الوقت لإبداع نموذج تربوي وطني عوض استيراد النظم التربوية؟
ج= حسب تصريح بنموسى وزير التربية الوطنية يوم الثلاثاء 5 شتنبر 2023، أن “تارل” ثم تعديلها وتكييفها مع متطلبات المنظومة المغربية، بمعنى أخذت الوزارة الفكرة وعدلتها، ولكن الخبراء والممارسين للتربية والتكوين بعد تأمل مفهوم أهداف ومبادئ هذه الوصفة التي تسوقها الوزارة على أنها “العصى السحرية” يعرفون أنها أبسط الخطوات التي يجب أن يقوم بها المدرس وتتبناها الدول منذ بداية المدرسة في العالم، فتارل تعني {right level teaching at the } أي التدريس وفق المستوى المناسب، فأي عاقل وليس المختص فقط يعرف أنه لا يمكن تعليم أي شخص دون تدرج في مستويات التعلم ومراعاة قدراته،
ما لا يتحدث عنه أحد هو أن كل الترقيعات وكل الترميمات تسعى للتغلب على الأخطاء القاتلة التي ارتكبتها الحكومات السابقة، ويحق لي هنا أن أذكر المهتمين والخبراء بالمذكرة الوزارية المتعلقة بالتقويم والامتحانات بالتعليم الابتدائي عدد 204 الصادرة بتاريخ 29 ديسمبر2010 في ثمانية صفحات، والمتبوعة بملحق من إحدى عشرة صفحة، فهذه المذكرة التي بنيت على محتوى المذكرة الوزارية عدد 174 الصادرة بتاريخ 8 نوفمبر2010 في موضوع إرساء بيداغوجيا الإدماج، رغم أهميتها في شق تقنيات تقويم الكفايات كانت وبالا على المنظومة التربوية حيث ساهمت في انتقال المتعلمين إلى المستويات الأعلى بطريقة “أوتوماتيكية” باستثناء السنة الإشهادية (المستوى السادس) التي تتطلب إجراء الامتحان بنسبة 50%، وهنا تم القضاء على التدريس وفق المستوى المناسب، بحيث متعلم المستوى الأول الذي لا يملك الحروف ينتقل إلى المستوى الثاني ليتعلم الجملة والنص فلا يساير، ورغم ذلك ينتقل إلى المستوى الثالث …، وللقارئ أن يحكم عما كان يريده هذا العبقري المركزي الذي قضى على جيل كامل.