وجهة نظر

القضية الفلسطينية في الزمن النووي -أحمد الخمسي

 ضمن الهرم المقلوب، من البداية هذا المقال ضمن معاداة الطموح النووي في العالم. لأنه يشكل حماقة العلم التي أدت الى إهمال حقوق الشعوب وإشعال حرائق الحروب. والمنطقة العربية تشكل المصيدة والضحية في نفس الوقت.  

أما مهمة المقال فهي إخراج المخيال العربي من غابة الأحراش الخبرية التقليدية، الكمية اليومية، إلى ما فوقها من منظومات، فضائية، نووية، وما يوازيها، على صعيد صراع الردع والردع المقابل. بحيث تتلخص سرعة التنافس، بين الكبار، الولايات المتحدة ومع الغرب وإسرائيل واليابان وطايوان وكوريا الجنوبية؛ مقابل الصين وروسيا وكوريا الشمالية وإيران.

الإنطلاق من كم الشهداء والدمار بلا حساب، يعني رصد إرادة الغرب في عزل قضية الاحتلال الظالم عن المعيش اليومي والحق في الحياة للناس العاديين، قصد تحويل الحاضنة الاجتماعية للقضية العادلة الى مجرد حيوانات يرغبون في العيش دون كرامة. وما كان الغرب عاقلا ملتزما بما يلوكه من حضارة حقوق الإنسان. فالمؤرخ ايريك هوبزباوم أن القرن العشرين عصر التطرفات. وهي تطرفات السلاح النووي للدمار الشامل، عصر الحروب الاستعمارية التي قتلت الملايين، لهزم الاشتراكية. وفعلا سقط الاتحاد السوفياتي، ومات الملايين خارج الاتحاد السوفياتي. سقط البيروقراطي نعم، ولكن ظل المتوحش الكاذب يطور أشكال افتراس الشعوب.

أولا، هندس الغرب استراتيجية اسقاط الاشتراكية.

ثانيا، هندس الغرب رسم خرائط الدول التي تولد من عدم، مقابل منع شعوب عريقة من أن تحصل على حقها في تقرير مصيرها.

ثالثا، رسم بؤرتين في العالم حيث ترافق الحروب حرصه الدائم على مصالحه الحيوية. ومصالحه الحيوية هي أولا مصادر البترول والغاز ومصدرها الرئيسي الشرق الأوسط. ومصالحه الحيوية ثانيا هي السوق البشرية الكبرى في آسيا حيث ملايير المستهلكين (الصين والهند).

رابعا، الترسانة النووية الغربية (مركزها أمريكا) تركز وفق هدفين مزدوجين: هدف التفوق على الترسانة النووية لدى الصين وروسيا، وهدف منع ميلاد ترسانة نووية في الشرق الأوسط لدى إيران.

خامسا، تشكل الحرب الحالية في كل من أوكرانيا وفلسطين، ممارسة الردع الغربي، لاستنزاف القوة الروسية كي تعجز عن مواصلة الاستثمار في التطوير النووي، ولاختبار التطوير التكنولوجي في إيران، من خلال تحليل الصواريخ والمسيرات التي يرسلها حزب الله وكذا إيران، لمعرفة القدرة المحلية على استيعاب تفاصيل التطبيقات من حيث القدرة على الاستعمال ومدى الذكاء في تعديل قطع الغيار الأصلية المشتراة من المختبرات الغربية والروسية والصينية.

سادسا، منذ سنة 2006، أعلنت الولايات المتحدة أنها بصدد القفز نحو صناعة نووية جديدة تمكنها من تحييد الترسانتين الروسية والصينية من الضربة الأولى.

لكن بالتقسيط فقد طورت سنة 2005 منظومة تهاد التي اشتغلت سنة 2022 للدفاع عن الإمارات من الصواريخ اليمنية في قاعدة الظفرة.

منذ إرسائها سنة 2011، تحتاج “القبة الحديدية” الصهيونية إلى دائرة إضافية تعترض الصواريخ على علو 100 كلم (برنامج تهاد الأمريكي). وقد سبق لدول الخليج أن أصدرت بيانا تعبر فيه عن عدم سماح عبور الصواريخ والصواريخ المضادة لغلافها الجوي.

سابعا، كتب الغربيون أن الشرق الأوسط يمتد الى باكستان. ولتقييم ما عبّر عنه نتانياهو بصدد تغيير خريطة الشرق الأوسط، من جهة فرصة تغيير النظام العالمي لإسرائيل كي تمزق اتفاقية سايس-بيكو في اتجاه إسرائيل الكبرى، بما يفيد الغرب في تمتين وجوده في آسيا الغربية على حسب الصين وروسيا، ومن جهة ثانية، فرصتها لتحييد جهد البلدان الإسلامية في الحصول على النووي، وبالمناسبة، جنى النووي الباكستاني على القادة الباكستانيين بالاغتيال المتكرر.

ثامنا، عندما أعلنت الصحافة الامريكية في ربيع 1988، عن تحول باكستان الى قوة نووية، في صيف نفس السنة تدخلت إسرائيل، بالتنسيق مع الهند لاغتيال الرئيس ضياء الحق يوم 27 غشت 1988.

تاسعا، لم ينفع الرئيس الباكستاني تحالفه مع أمريكا  لمنع اغتياله من طرف إسرائيل. فقد سبق أن حضر في الأردن ليشارك في حرب الأردن ضد منظمة التحرير في أيلول الأسود (1970). كما جعل من الثمانينات عشرية المساهمة في حرب المجاهدين الأفغان ضد الجيش السوفياتي. وفي الأخير تركته أمريكا لمصير القتل، عندما قارب الاتحاد السوفياتي ساعة الانهيار.

عاشرا، يخسر الفلسطينيون واللبنانيون أرواحهم واستقرارهم، في معركة أكبر مما نتصور. معركة يريدها نتانياهو ومجمل الصهاينة وحلفاؤهم أن يتركوهم لمصير مماثل لمصير الأكراد، بلا دولة، موزعين على البلدان العربية. وقد يتم محو الأردن من الخريطة السياسية اذا قضت إسرائيل على القضية الفلسطينية. لذلك، لا هروب من دعم الفلسطينيين واللبنانيين واجبا على كل العرب، وإلا من يضمن بعدها بقاء السعودية دولة بالحجم والاتساع الحالي؟

خلاصة= تعلم السعودية عمق الصراع واتساع آفاقه. وما كانت الطبقة السياسية يوما بإذعانها الذي نتخيله للغرب. والدليل، ذهاب السعودية وإيران إلى بكين للتصالح بداية 2023. لكن سابقة احتلال إيران في عهد الشاه للجزر الإماراتية الثلاث وإبقاء قادة الثورة الإيرانية على الاحتلال هو الذي يترك الشك كون إيران الدولة ترعى مصالحها العليا قبل كل شيء. وسيأتي اليوم الذي سنرى فيه إيران، تتفق مع الغرب على وجود إسرائيل. شريطة تحولها الى القوة الإقليمية التي تبوئها ترتيبا أحسن من جيرانها جميعا.

الخلاصة الثانية هي التفكير في الضرر الكبير الذي ينتج عن الطموح النووي. مثال اليابان وألمانيا، واضح ومختلف عن حماقة فرنسا(في بلدان الشمال) وباكستان (في بلدان الجنوب). ويجب على حركة التحرر العربي أن يكون لها موقف واضح في هذا الباب. واليسار الأوربي والخضر لهم موقف واضح.

الخلاصة الثالثة في حال فصل الملف النووي عن حقوق الشعب الفلسطيني، القضية منتصرة والاحتلال الى زوال. وإذا بقيت القضية غابة يختبئ فيها الطموح النووي، فستحترق القضية ضمن الصراع النووي. ليس المعني هنا تكتيك التصعيد أو خفض التصعيد، بل المعني هنا هو الموقف الجذري من القضية النووية، التي ترافق تطورها مع بروز الحركة الصهيونية، أداة علمية في يد الغرب، لتطوير أسلحة الغرب (وايزمان في الحرب العالمية الأولى وانشتاين في الحرب العالمية الثانية)، مقابل إرجاع التاريخ 3000 سنة إلى الوراء مع تهويده (إيمانويل فليكوفسكي= كتاب تهويد التاريخ).

فالموقف العربي المبدئي ضد النووي حجر الزاوية. شرط المسافة السيادية من أمريكا ومشاريعها، وكذا من الاستدراج الروسي-الصيني لجعل العرب ضمن توازناتهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى