اقتراح مبادرة تحضيرية لتوحيد اليسار- محمد بولعيش

في الدواعي: سأتقدم هنا باقتراح عملي سياسي يهم وحدة اليسار، أو – بالأحرى – وحدة الفعل اليساري في واقع لا يمكن حتى لأكثر المناضلين تفاؤلا وأكثرهم اقتناعا بإمكانية إصلاح “شي زفتة” من هذا الواقع أن يسكتوا على تواصله..
منذ سنوات، بل منذ عقود لم أتوقف – بإصرار وإلحاح وعناد قد يكون مثاليا أو “خرافيا” حتى ! – عن الدعوة إلى تجاوز هذا الواقع اليساري الرديء، لم أتوقف عن نقد ممارسات قيادات اليسار وتوجهاتها، لم أتوقف عن محاولة ضبط الاختلالات والإعاقات التي تجعل قوى اليسار أحزابا وتيارات وفصائل عاجزة عن الفعل الناجع، عاجزة عن تحريك الواقع وخلخلته لتعديل موازين القوى لصالح الجماهير، عاجزة عن القيام بأية مبادرة ميدانية تطور أداءها، عاجزة عن تقويم اعواجاجاتها الفكرية والسياسية والبرنامجية، عاجزة عن توسيع تنظيماتها وجعلها ذات جاذبية ومصداقية أمام الجماهير حتى تتبناها وتعزز صفوفها، عاجزة عن تقديم مقترحات سياسية تساهم في التفاف مكونات اليسار المناضل حولها..
وبما أن الواقع يزداد ترديا، وحالة اليسار تزداد تدهورا وتشتتا، والهوة بين أطياف اليسار تزداد اتساعا والعلاقات تزداد رداءة، وهذا أمر لا يمكن أن يتقبله عاقل، ولا يمكن لأي مناضل من أي “مستوى” كان أن يرضى باستمراره واستفحاله..
وبما أن كل الدعوات التي سجلتها لم تلق من قياداتنا الشريفة (باستثناء تجاوب الرفيق الحبيب التيتي معها واقتراحه مشكورا وضع مقرات الحزب رهن إشارة المبادرين)، قلت لم تلق آذانا صاغية، وظلت صيحات في واد..
وبما أني أعي جيدا أسباب هذا التجاهل لهذه النداءات (وكذا شبيهاتها الصادرة عن رفاق آخرين يحملون نفس الهموم)، وقد تحدثت عن عدد من هذه الأسباب في نقد القيادة ممارسة وتكوينا وأهدافا، مما جعلني “أشع حولي أمواجا من الحذر والكراهية بل والحقد” من طرف هذه القيادات، مما يجعلني – وأنا أتفهم هذا – غير مقبول من قبلها للقيام بأية مبادرة..
لكل هذه الدواعي التي أوردتها أعلاه، وفي غياب أية مبادرة عملية للقيام بالخطوات الأولية لردم الهوات وتقريب الرؤى في الحدود الدنيا الممكنة، رغم أن الجميع لا يتوقف في كل مناسبة وغيرها عن رفع شعار “وحدة اليسار” والدعوة إليها، لكنها تبقى شعارات فارغة من أي مدلول ودعوات جوفاء تمليها الظرفية الداخلية بهدف تلميع الصورة وادعاء “البراءة” من تهمة التشتت والتآكل.. ففي غياب ما سبق واقتناعا بضرورة القيام بمبادرة مهما يكن حجمها، مهما تكن قيمتها العملية سأقترح ما يلي ..
في الاقتراح: مدخله الأساسي في اعتقادي إحراج قيادات اليسار ودفعها لاتخاذ موقف واضح وصريح من مسألة الوحدة هاته، دفعها إلى أجرأة الشعار الذي ترفعه وإنزاله إلى أرض الواقع، إلى الممارسة الميدانية ..
لتكسير الحواجز وتذويب الجليد بين مكونات اليسار عليها أن تقبل الجلوس حول مائدة واحدة للتذاكر والتبادل والحوار مع وضع جدولة زمنية للقاءات الحوارية.. أعرف جيدا أن المشاكل لن تجد طريقها إلى الحل والتجاوز بسهولة ولا في لقاءات قليلة وسريعة، كما أعي جيدا أن عددا من القضايا من الصعب تناولها ومعالجتها في هذه اللقاءات الأولية، ولن أخوض في مضامين ولا جداول أعمالها، إذ سيأتي الحديث عنها في تتمة الاقتراح..
كيف تتم الدعوة لهذه اللقاءات؟ هل عبر الاتصال بكل مكون على حدة أم بالدعوة إلى اجتماع جماعي أم بطريقة أخرى؟ ماذا سيطرح بالتتابع في هذه اللقاءات؟ كيف سيتم التعامل مع ردود الفعل على المبادرة؟ الإجابات ستبقى من مسؤوليات من سيقوم بالمبادرة والاتصالات الضرورية بصددها.
عندما فكرت في هذا الاقتراح رأيت أنه من الصائب جدا أن أنأى بنفسي عن المشاركة العملية في تحقيقه للحساسية التي يثيرها شخصي البسيط لدى بعض القيادات. فمن سيقوم بهذه المهمة إذن؟ أقترح (وهذه تتمة الاقتراح) أن تتشكل لجنة محدودة العدد ليسهل عملها واجتماعها وتشاورها من المناضلين المؤمنين بهذه الضرورة، والمقتنعين بجدواها، والمستعدين لمواجهة العقبات وتذليل الصعاب حتى يتحقق الهدف.. ولا أعتقد أن اليسار يعدم حكماء وشخصيات منتظمة كانت أو غير منتظمة لتحقيق هذا الحلم اليساري وقادرين على حلحلة المستنقع الآسن الذي يعيش داخله اليسار.. فعلى من يرون في أنفسهم القدرة على المساهمة في هذا المشروع ونقله إلى حيز التطبيق فليعبروا عن هذه الرغبة في تعاليقهم أو بالاتصال فيما بينهم أو بأية طريقة يرونها، وليلتقوا ليناقشوا أسلوب عملهم ومضامينه، وسأبقى رهن إشارتهم متى رأوا الحاجة إلى ذلك، رجاء افعلوا ولا تتقاعسوا فالوضع خطير ولا يحتمل الانتظار والتسويف.