ألكسندرا رو: “ما تدين به الحرية للحقيقة في الفلسفة الأخيرة لشيلينج” (الجزء الأول)

أحمد رباص
احتفالا باليوم العالمي للفلسفة، ارتضيت عرض المضمون الكامل لمقالة ألكسندرا رو المنشورة في “المجلة الفلسفية لفرنسا والخارج” منذ فبراير 2014 تحت عنوان”ما تدين به الحرية للحقيقة في الفلسفة الأخيرة لشيلينج” (27 يناير 1775 – 20 أغشت 1854).
وفي تعريف مختصر بالكاتبة، نجد أنها خريجة الفلسفة (1993) وحاصلة على دكتوراه في الفلسفة (أكتوبر 2000). كما أنها محاضرة في الفلسفة بجامعة بواتييه منذ عام 2007، وأستاذة باحثة في مركز أبحاث هيجل والمثالية الألمانية بجامعة بواتييه منذ عام 2000.
افترضت الكاتبة في بداية دراستها عنوانا مختلفا تماما: “ما تدين به الحقيقة للحرية”، معلنة أن هذا العنوان كان سيعكس جانبا واحدا فقط من العلاقة الدقيقة بين العقلانية ومصدر جميع الأفعال، عند شيلينج الأخير، أي الحقيقة والحرية الإلهية. وحددت هدف دراستها في كون شيلينج ارتبط في كتاباته الأخيرة، ليس فقط بالتفكير في ما هو غير قابل للاختزال في الحرية كما هي، بل بالتفكير أيضا في ما تدين به الحرية للحقيقة.
وإذا كان هذا الجانب الأخير لا يعني أن العقلانية الخالصة تنتصر سرا في فلسفة شيلينج “الإيجابية”، فإنه يساهم مع ذلك في حمايتها من اللاعقلانية.
اعتدنا بالفعل، تتابع رو، على الإصرار على فكرة أن شيلينج، في فترته الأخيرة، كان يروج للحرية على حساب العقل، بحيث يمكن لنا أن نعتقد أنه بالنسبة للفيلسوف الذي يضع الحرية الإلهية فوق كل شيء آخر، فإن الحقيقة تصبح مدينة لها: كيف يمكن أن تكون الحرية في الواقع مدينة للحقيقة نفسها إذا كان الحق معادلاً للعقلاني على نحو خالص، وإذا كانت الحرية، من جانبها، تتجاهل العقلانية؟ نحن لا نرى أن الحرية يمكن أن تدين بأي شيء لعالم الحقائق. ومع ذلك، فإن شيلينج في كتاباته الأخيرة، بعيد عن كونه مروجا لفلسفة، مثل فلسفة ديكارت، تجعل العقلانية معتمدة على الله. إن كون الحرية أولية وسيادية لا يعني أنها تقرر العقلانية. إنها مفارقة الفلسفة التي، وهي تنقسم إلى قسمين، تنفصل لتتحد من جديد، تحتفظ بمكان منفصل لما هو حر، لغير المتوقع، وغير المتنبئ به، لتزاوجه بالحقيقي. ما هو حر منعزل، لكنه غير منفصل عن الحقيقة نفسها؛ إنه يضع أمام عينيه عالم الحقائق، الذي يدين له على الأقل بأن يكون حرا لأجل الآخر، أن يكون حرا في إنتاج شخص آخر غير نفسه. كيف، والحالة هاته، يمكننا أن نتحدث عن “ما تدين به الحقيقة التي تدين للحرية”؟ لنشر دون تأخير إلى أنه لا يمكن أن يكون هناك شك في أن الحقيقة أو الحرية تدين بما هي عليه لأي شخص آخر غير نفسها: ما يمكن أن تدين به الحقيقة للحرية على وجه التحديد ليس وضعها كحقيقة؛ وما يمكن أن تدين به الحرية للحقيقة ليس على وجه التحديد وضعها كحرية.
من أجل فك الارتباط بين هاتين الفكرتين المركزيتين في كتابات شيلينج الأخيرة، اختارت الكاتبة أن تلفت الانتباه إلى حقيقة ينبغي أن تفاجئنا والتي تدخل في مناقشة ذات صلة وثقى، وإن كانت ضمنية، مع التقاليد ومع التحكيم الذي اقترحه لايبنتز. هذه الحقيقة هي دافع مزدوج نجده في نصوص شيلينج الأخيرة: سيكون هناك قانونان، يوصفان بـ “ساميين” ولا يمكن لأي واقعة أو حقيقة أن تحيد عنهما، قاعدة العدالة وقانون الوحدة بين الوجود والفكر. عندئذ تطرح علينا ثلاثة أسئلة لا أقل ولا أكثر:
أولا، مسألة المنافسة المحتملة بينهما: كيف يمكن لقانونين أن يكونا متساويين في السيادة؟ ألا ينبغي أن يكون أحدهما أكثر جوهرية؟ ثانيا، مسألة تصالحهما مع الحرية: كيف يمكن أن تكون لهما أيضا قوة القوانين حيال الإله الحر دون أن تكون حريته مقيدة بذلك؟ ثالثا وأخيرا، مسألة أصلهما: إذا كان هذان القانونان مفروضين على الله نفسه، فمن أين يأتيان بالضبط؟
إن الإجابة على هذه الأسئلة ستمكن من توضيح العلاقة الضرورية التي تربط الحرية بما يسميه التقليد منذ العصور الوسطى “مصدر الحقائق الأبدية” والذي يعتبره شيلينج العقلانية. سوف اتعامل الكاتبة مع هذه الأسئلة واحدا تلو الآخر. ولن تجيب عنها منذ البداية، بل ستبدأ بتوضيح المعنى الذي يمكن أن تأخذه لدى شيلينج صيغة عنوانها: “ما تدين به الحقيقة للحرية” (1). وانطلاقا من هنا ستوضح القانون أو قاعدة العدالة (2)، وسوف ترى بأي معنى يمكننا أن نقول إن هذا القانون هو قانون خارجي (3). وسوف تكون قادرة بعد ذلك على تأسيس وظيفة وسيادة قانون الحقيقة (4). ولكن بعد ذلك، سينشأ السؤال حول كيف يمكن للحرية الإلهية أن تتكيف مع ضرورتها؛ ستبين بعد ذلك أنه من خلال مواجهة مسألة مصدرها، اعتقد شيلينج أنه يستطيع الجمع بين الحرية الإلهية وضرورة قانون الحقيقة؛ وسنرى شيلينج يتجادل مع لايبنتز، ومن خلاله، مع التقليد حول الأصل الدقيق لعالم الحقائق (5). في الخطوة الأخيرة، سنرى أن شيلينج يقترح حلاً غير مسبوق على الأقل، والذي يتكون من التفكير في الدين الذي تعاقدت عليه الحرية نفسها باعتباره الارتباط الدقيق للهبة الذاتية لعالم الحقائق (6).
(يتبع)