ثقافة و فن

ألكسندرا رو: “ما تدين به الحرية للحقيقة في الفلسفة الأخيرة لشيلينج” (الجزء الثالث)

أحمد رباص

إن ما تدين به الحقيقة للحرية هو أن تكون فعالة، وأن تكون لنفسها، وأن تنعكس في شخص الإنسان. وهكذا، فإن الكذب والحقيقة، كصفات للحياة الفعالة، تفترض وجود فجوة بين الوجود وما ينبغي أن يكون. يكمن زيف الحياة في هذه الفجوة، وحقيقة الحياة في امتثال الوجود لواجب الوجود الذي يجب التغلب عليه في هذه الفجوة. والباطل هو ما لا يتفق مع واجب القوتين الأوليين. إن ما يخرج منتصرا من الصراع لصالح الباطل هو الحق: إن دينه للباطل هو ما يتوسط دينه للحرية.
– قاعدة العدالة
لننغمس الٱن في عالم الإمكانات، ودون أي اعتبار للفعالية: فحتى الأسوأ ممكن، والحياة الزائفة جزء من الإمكانات، مثل تشييء القوة الأولى؛ وكأي شيء آخر، فإن ما لا يتوافق مع نظام القوى هو من بين الإمكانات. ليس هناك سوى حقائق في عالم الإمكانات، من بينها الحياة الزائفة التي ليست مستحيلة. إن جميع أشكال الشر تتلقى إلى هذا الحد تبريرا قبليا بحتا ، أي تبريرا عقلانيا، مستمدا من العقل، من مملكة الإمكانات. لأنها جميعا ضرورية، ضرورية بنفس القدر في نفس الوقت ومتميزة نوعيا: ذلك لأنها جميعها مستنبطة من صراع القوى، مستنبطة كمنتجات لتشييء القوى التدريجي. إن واقعة زيادة حدة الصراع تتوافق مع تدرج على مستوى المنتجات، التي تجسد مظهرا حادا بشكل متزايد للقوتين الأوليين بصفتهما الخاصة، وتعميق القوة المظلمة وتحرير القوة المضيئة. الشر عقلاني، وكل الأشكال التي يمكن أن يتخذها هي جزء من الإمكانات، بحيث أن القانون الذي يحدد لكل شخص مكانه في الواقع يعترف أيضا بكل شكل من هذه الأشكال. هل سينحاز شيلينج إلى أطروحة لايبنتز بعد أن انتقدها على نطاق واسع في رسالته الشهيرة لعام 1809؟ لا شيء أكثر غموضا.
هنا تقوم ألكيندرا رو بالتذكير بأحد الانتقادات التي صاغها شيلينج: إن إمكان الشر عند لايبنتز، لأنه أبدي، هو سلبي دائما، أي أنه لا يتضمن أي تنشيك محتمل للقوة الأولى؛ إنها فقط الفدية أو الثمن الذي يجب دفعه مقابل محدودية الإنسان وعدم كماله. ومن أجل التفكير في الشر باعتباره ممكنا أو عقلانيا، فإن شيلينج، على العكس من ذلك، يبني هذا الإمكان على إمكان تمرد القوة الأولى.
لننتقل إلى قانون العدالة.
من الناحية الموضوعية، لا توجد حقائق ليست في نفس الوقت إمكانات. ويجب أن نضيف: ليس بمقدور الإمكانات ألا تصبح فعالة حالما عدنا إلى الفعالية. وهنا يتدخل قانون العدالة، ما يجعل هاتين الجهتين متطابقتين، الإمكان والواقع. كل ما هو ممكن يجب أن يتحقق. الواقعي خال من بقية الإمكاتات. تأمل شيلينغ في هذه البديهية في وقت مبكر جدا، أولاً للتعبير عن كمال الكل، الكلية التي لا ينقص منها شيء: كل ما هو ممكن، أي مثالي، هو في نفس الوقت حقيقي؛ لا شيء ممكنا بمستطاعه أن يكون غير واقعي، أي خارج كل الواقع. ولذلك فإن كل ما هو محتمل يجد نفسه مرفوضا خارج الواقع، خارج الممكن. فالمحتمل ليس حتى ممكنا، والممكن ليس هو اللامتناقض (الممكن المنطقي) بل هو ما يجب أن ينتج عن الطبيعة الإلهية (الممكن الوجودي). وبالتالي فالإمكان لا يختلف عن الضرورة. لم يكن نوفاليس بعيدا عن تصور مماثل عندما كتب يقول: “الطبيعة هي المثال. إن المثال الحقيقي ممكن، واقعي وضروري في آن واحد”. إن شعار الكل يتطلب تحديد المقولات الثلاثة للجهة: الإمكان، الواقع والضرورة.
اختبر شيلينج ذلك في ما يسمى بفلسفة “الهوية”، حيث جعل المبدأ والكل، المثالي والواقعي، وبالتالي الإمكان والضرورة، متطابقين منذ الأزل. ومن دون أن يتخلى أبدا عن هذه الهوية، قام بالتوسط بينها أو جعلها مؤقتة: لقد عهد إلى الزمن بمهمة كشف عالم الإمكانات، وبعبارة أخرى، أعطى هذه الأهيرى الوقت لتحدث، لتدرك نفسها، لتتحقق كلها. البديهية آمنة وسليمة، كما يشير كزافييه تيلييت: “ما يتم تحقيقه هو الممكن حقا”. ولذلك فإن تحقيق الإمكانات يجب أن يكون كاملاً، ويجب أن يستغرق الأمر وقتا طويلاً حتى تصبح جميعها حقائق. إذا كانت صور الشر في حد ذاتها إمكانات، فإنها لا تفلت من هذه الضرورة. وهكذا فإن قاعدة العدالة تشمل الحق الطبيعي لكل الأشياء أو الإمكانات في الواقع، وفي الموضوعية. فهي تعترف بـ”المكان الذي لكل واحد الحق الطبيعي أو الفطري في شغله ضمن هذا العالم”.
لا يتعلق الأمر إذن بالتضحية بالأسوإ لصالح الأفضل؛ يجب أن يحدث الأسوأ، وتتشوه الحياة أولاً، حتى ينتصر الخير وتؤكد الحياة الحقيقية نفسها. وهنا نجد فكرة كان شيلينج قد وضعها في ذهنه بالفعل في رسالته الشهيرة لعام 1809: لا ينتصر الضوء إلا إذا انتشر الظلام لأول مرة، واستنفد عمله”. لا بد أن دناءة البهذه وحقدهم بذلا كل ما في وسعهما لكي يسود الخير في عالم الروح. كل ما هو ممكن، بما في ذلك الأسوأ، يجب أن يتحقق. وهذه الضرورة هي التي توضح أن قانون العدالة الفعال في فعاليته يحمل كل مظاهر القاعدة التي لا ترحم. هذا يطرح سؤال معرفة من أين تأتي: من أين يجب أن يأتيع لتظهر لنا هكذا، وحتى لتفرض نفسها على الحر بشكل مطلق؟
(يتبع)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى