سوريا بين التحولات العميقة والمصالح الدولية: إلى أين تتجه البلاد؟

رشيد ايت الساغ: جريدة التنوير
تشهد سوريا مرحلة مفصلية في تاريخها السياسي والعسكري، حيث تتشابك المصالح الدولية والإقليمية مع الصراعات الداخلية، في مشهد يعيد رسم ملامح البلاد بشكل غير مسبوق. النظام السوري، الذي كان حليفًا قويًا لإيران، يجد نفسه اليوم في عزلة دولية متزايدة. فبعد سنوات من الحرب والعقوبات الاقتصادية الخانقة، يبدو أن الغرب قد قرر إعادة صياغة المشهد السوري بما يتماشى مع مصالحه الاستراتيجية.
في تطور لافت، بدأ اسم أبو محمد الجولاني، قائد هيئة تحرير الشام المصنفة كجماعة إرهابية، يظهر كرقم صعب في المعادلة الجديدة. الجولاني، الذي كانت يداه ملطختين بدماء المدنيين في الموصل أثناء انتمائه لتنظيم “داعش”، يتحول اليوم إلى زعيم مقبول لدى الغرب، بل ويُستقبل في دمشق بالزغاريد والاحتفالات. هذا التحول يُظهر ازدواجية المعايير الدولية، حيث يتم التغاضي عن ماضيه الدموي مقابل استخدامه كورقة سياسية في إعادة تشكيل سوريا.
في الوقت ذاته، تواصل القوى الغربية الضغط على النظام السوري، مطالبة بمحاكمة قادته على خلفية اتهامات بارتكاب جرائم حرب. وعلى الرغم من الحديث عن رفع محتمل للعقوبات الاقتصادية، فإن الهدف الواضح هو إضعاف النظام وإعادة توزيع القوى داخل البلاد.
إقليميًا، تتحرك تركيا بعينٍ على الأكراد، بينما تراقب روسيا الوضع من مقعد الانتظار، ساعية لحماية مصالحها في شرق المتوسط. أما إيران، التي كانت حليفًا رئيسيًا للنظام، فتبدو مدركة أن دورها في “سوريا الجديدة” سيكون محدودًا إن لم يكن معدومًا.
وسط هذه التحركات، تبدو سوريا الجريحة وكأنها في مرحلة مخاض عسير. المشهد معقد، والتدخلات الخارجية واضحة. الولايات المتحدة تقود عملية التغيير، بمساعدة من إسرائيل، فيما يلهث الأوروبيون لضمان موطئ قدم لهم في هذا التحول.
ويبقى السؤال الذي يؤرق الجميع: ما هي ملامح سوريا الجديدة؟ وهل ستكون هذه الولادة بداية لاستقرار طال انتظاره، أم مجرد مرحلة جديدة من الصراعات؟ الإجابة لا تزال رهينة التحركات الدولية والمصالح المتقاطعة في البلاد.