حكاية “صيدنايا” والصيد المُضلل للجمهور-إدريس عدار

حديث سجون “صيدنايا” مثل الضرب على الأواني لإثارة الانتباه، بل لتشتيت الانتباه. كان لص يمر في السوق ويختار المكان المركزي مناديا “قولوا للناس أني لص”، وفي غمرة الانتباه إليه يكون اللصوص قد أتوا على مقتنيات الناس.
تشتيت الانتباه عملية مدروسة بل هي علم قائم الذات، يشرف على ذلك مراكز متخصصة. ذكر ذلك بعض المعنيين بالملف السوري (مقالنا: سرديات مختلفة عن الثورة السورية). وكي لا تكون “صيدنايا” مقطوعة من شجرة فقد بحثوا لها عن شجرة أنساب، مثلما يبحثون اليوم للجولاني عن علاقة نسب بفاروق الشرع، نائب الرئيس السوري السابق. حيث وجدوا لها (صيدنايا) شجرة أنساب تصل إلى قضية “حماة”. يصورون للناس أن “الشر” الذي تخلصوا منه هو ناتج عن الشر السابق، وفتحوا ملف حماة وعدد الضحايا. لكن لا أحد وضع الوقائع في حيزها التاريخي وخلفياتها السياسية والأمنية. هل تقبل دولة “ما” بإقامة إمارة إسلامية فوق أراضيها؟
هذا ما قامت به جماعة مروان حديد و”الإخوان المسلمون” بسوريا سنة 1982. فمعركة حماة لم تكن معركة ضد أبرياء وإنما ضد تنظيم مسلح. ومثل الأمس مثل اليوم، كانت للإخوان المسلمين إذاعة تبث من لندن خلال الأحداث، ويعرف الجميع ثمن البث على الموجات..كما تقف معهم اليوم منظومة إعلامية عربية وغربية خطيرة.
أحداث حماة أرخ لها كثيرون من الطرفين، وحتى الأدباء تناولوها بمن فيهم من ليس مع النظام السابق مثل الأديب الراحل خالد خليفة في روايته الرائعة “مديح الكراهية”. وحتى وهو ينتقد النظام بشدة يتحدث عن التسليح الكبير لدى الجماعة..اعطونا دولة فيها نصف ديمقراطية تقبل إقامة إمارة إسلامية!!
أما حكاية سجن “صيدنايا” فهي لا تختلف عن الحكايات السابقة، مثل وجود أسلحة كيميائية وأسلحة الدمار الشامل في العراق..الإعلام الذي روج للحكاية هو نفسه الذي روج لحكايات الاغتصاب خلال طوفان الأقصى..ولأن المتلقي في الغرب مختلف عن المتلقي عندنا وخوفا منه عاد الإعلام الغربي الذي روج لأساطير “صيدنايا” ليعتذر عن عشرات الصور المفبركة. بل قامت بعض القنوات بالتحقق من الصور وكان بعضها مضحكا. يوتوبر يجسد حبسه في حفرة بالهند أصبح سجينا سوريا. أما الإعلام العربي فلم يستحيي من الحديث إلى طفل عمره عشر سنوات وأبوه معتقل لمدة 14 سنة. لم يحفظ الدور جيدا، ناهيك عن صور من متاحف بثها على أنها من سجن صيدنايا.
في كل العالم هناك سجون، وجورج إبراهيم عبد الله المناضل الشيوعي قابع في سجون الديمقراطية الفرنسية وقد استوفى محكوميته بواحد وعشرون سنة زيادة. لكن الذين تم إطلاق سراحهم من السجن هل كلهم سياسيين؟ أين هي أسماؤهم؟ أليس فيهم عتاة المجرمين والقتلة؟ أليس فيهم إرهابيين؟ ومقابل هذا الشر المطلق في سوريا الأسد أين هو محور الحريات؟
من تولى تمويل الثورة شبه دول فيها القتل مثل قتل حشرة. دولة فيها 300 إعدام سنة 2023!! ثم أين هي سجون إدلب التي أقام الإرهابي أبو محمد الجولاني في حكومته المؤقتة؟ ألم يكن هذا الشخص قاتلا؟ أليس في ذمته عشرات الجرائم وعلى رأسها جريمة سبايكر بالعراق؟ ألم يكن يبعث الانتحاريين لقتل العراقيين على هوية التشيع؟ أليست جبهة النصرة التي كان يتزعمها تبنت في بيانات رسمية تفجير حافلات زوار المراقد الشيعية؟أم أن سلطة الأمر الواقع تجُبُّ ما قبلها؟
لا يمكن لحر أن يقبل المظالم من أية جهة كانت. وسوريا الأسد وقفت مع المقاومة. ومن حق السوريين أن يكون لهم وجهة نظر في تدبير شأنهم الداخلي.
لنسلم بأن ما يتم ترويجه عن النظام السابق صحيح، وهو ليس كذلك، فيه الجيد وفيه غير ذلك. نظام اشتراكي يرعى الحقوق الاجتماعية للناس ومناصر للقضية الفلسطينية كان في حاجة إلى جرعة “ديمقراطية”. بدأها فعلا لكن من خطط لضرب سوريا وضع العصا في العجلة. ولكي يتأكد القارئ فليعد لمخرجات المؤتمر الثامن لحزب البعث العربي الاشتراكي (سأعوذ إليها إن تمكنت من ذلك). لكن فيما يختلف عمن يتفوق عليه بدعم القضية الفلسطينية؟ إن لم يكن أفضل منهم فعلى الأقل مثلهم؟
إذن القصة برمتها مرتبطة بما فاق فيه الآخرين. ولو قبل شروط كولن باول لتغير حاله وما صدر قرار الكونغرس الأمريكي سنة 2005 تحت عنوان “معاقبة سوريا”.
فقد عملت وسائل الإعلام على ممارسة التضليل عبر إعادة الحكي الهوليودي مرات ومرات، جعلت جمهور المتلقين يهتمون بصيديانا ولا يهتمون باحتلال الإسرائيلي لمئات الكيلومترات من الجنوب السوري، وينسى أن الإسرائيلي جرّد سوريا من سلاحها الاستراتيجي وينسى أن نتنياهو يقتل الأطفال بغزة.