وجهة نظر

في نقد سردية ” المقاومة ومناهضة الإمبريالية” نحو فهم عقلاني للصراع في سوريا ذ.حسن تزوضى

حسن تزوضى : أستاذ باحث

لقد كان  نظام بشار الأسد يدعي في العقود الماضية  أنه جزء لا يتجزأ من “محور المقاومة” المناهض للإمبريالية والصهيونية، في محاولة لتقديم نفسه كحصن ضد الهيمنة الغربية وداعم للقضية الفلسطينية، يستغل هذا الخطاب لتبرير سياساته الداخلية والخارجية، لكن الحقيقة أنه  يخفي وراء هذه السردية واقعًا وممارسة  مليئين بالتناقضات. فمنذ أن احتل إسرائيل الجولان السوري لم يكن هناك أي تحرك عسكري جاد أو استراتيجية لتحريره ، في المقابل اكتفى نظام بشار الأسد باستخدام الخطاب العدائي تجاه إسرائيل كوسيلة لتعزيز شعبيته المحلية والإقليمية، وعندما اشتعلت شرارة الثورة السورية مطلع 2011 ركز هذا  النظام جهوده على قمع هذه  الثورة المجيدة  التي انطلقت سلمية مطالبة بالحرية والكرامة والتي  قوبلت بوحشية مفرطة حيث  القصف بالبراميل المتفجرة والأسلحة الكيماوية، ما أسفر عن مئات الآلاف من القتلى وملايين اللاجئين. فكيف يمكن لنظام يدّمر بلاده أن يكون رمزًا لأي مشروع تحرري؟

إن المتأمل في حقيقة سوريا “الممانعة والمقاومة ” يتضح له  التناقض الأبرز وهو   اعتماد نظام الأسد   الكبير على إيران وروسيا الحليفين اللذين يسعيان لتعزيز مصالحهما الجيوسياسية في المنطقة على حساب سيادة سوريا، فالدعم الإيراني ليس سوى جزء من استراتيجية توسعية تسعى للهيمنة الإقليمية، بينما ترى روسيا في سوريا قاعدة لتحقيق نفوذها في شرق المتوسط، هذه التبعية تجعل ادعاء النظام بقيادة محور المقاومة فاقدًا لأي مصداقية، إذ أن المقاومة الحقيقية تتطلب استقلال القرار الوطني لا ارتهانه لقوى خارجية.

علاقة بسردية المقاومة ومناهضة الإمبريالية نجد في  السياق المغربي بعض التيارات اليسارية تدافع  عن نظام الأسد، متأثرة بخطاب مناهضة الإمبريالية  ومحور المقاومة وغيرها من السرديات التي تتهاوى يوما بعد يوم ، هذا التماهي وهذ الدعم الأعمى للنظام السوري المخلوع  يثير تساؤلات عميقة حول مدى انسجام هذه التيارات مع القيم التي تدّعي تمثيلها والدفاع عليها، مثل العدالة الاجتماعية والحرية وحقوق الإنسان، كيف يمكن لتيار يدّعي الدفاع عن حقوق الشعوب أن يدعم نظامًا ارتكب مجازر بحق شعبه وقمع أبسط مطالب الحرية؟

يبدو أن جزءًا من هذا الدعم ينبع من نظرة سطحية تختزل الصراعات المعقدة إلى معادلة “مع أو ضد الإمبريالية”، دون الأخذ بعين الاعتبار السياقات المحلية والانتهاكات التي يرتكبها النظام ضد شعبه، هذا الموقف يكشف عن أزمة تحليل سياسي أعمق، حيث يُغلب الأيديولوجي على الإنساني، ويُبرر القمع باسم “المقاومة”.

نظرية المؤامرة التي تشكل حجر الزاوية في خطاب نظام بشار المخلوع  ومن يسير في فلكه ،حيث كانت  تلعب دورًا محوريًا في الحفاظ على شرعية هذه الخطابات لعقود مضت  . فقد كانت هذه القوى تدعي أن ما يحدث في سوريا هو مؤامرة خارجية تستهدف “محور المقاومة”، ما يُغيب الديناميات الداخلية التي أدت إلى اندلاع الثورة، حق الشعب السوري في تقرير مصيره ، وفي تحقيق الحرية والعدالة

إن ايمان  بعض اليساريين المغاربة بنظرية المؤامرة يعكس امتدادًا لهذا الفكر الشمولي والقومجي الاعمى الذي لا يلتفت الى حق الشعوب وإرادتها، ولا يعترف أبدا بتطلعات الشعوب وتوقها الى الحرية ،هذا الايمان الاعمى ينتج عنه خلل  في المنهج وبالتالي في النتائج   حيث  صعوبة بل استحالة  التمييز بين النقد المشروع للإمبريالية الغربية وبين تبرير انتهاكات الأنظمة المستبدة. الاعتماد على هذه النظرية لتبرير دعم نظام الأسد أو غيره من الأنظمة الاستبدادية ليس فقط انحرافًا عن المبادئ اليسارية، بل هو أيضًا تضليل سياسي يساهم في تعميق معاناة الشعوب التي تعيش تحت وطأة تلك الأنظمة.

الادعاء بأن بشار الأسد يمثل محور المقاومة ليس سوى استراتيجية خطابية ،إنها سردية تهدف إلى تشتيت الانتباه عن جرائم النظام وإخفاء عجزه عن تحقيق تطلعات شعبه ، نقول المقاومة الحقيقية تبدأ باحترام إرادة الشعوب وحقوقها في الحرية والعدالة، أما التيارات التي تؤيد هذا النظام تحت شعارات براقة، فهي بحاجة ماسة إلى إعادة النظر في مواقفها وتجديد فهمها وأدواتها قراءتها للصراع ،فقد تغير العالم كثيرا .

إن نظرية المؤامرة التي تُستخدم لتبرير القمع وتعزيز الاستبداد، ليست سوى أداة تضليل تهدف إلى الإبقاء على الأنظمة القمعية في مواقعها، إن مواجهة الإمبريالية وتحرير فلسطين  لا يتحقق بتبرير الظلم، بل بمواجهته والعمل تحقيق إرادة الشعوب ومطالبها في الديمقراطية والحرية   والعدالة الاجتماعية .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى