المرأة العصرية بين اختيار تحقيق الذات وبناء الأسرة-ذ.هشام فرجي

مع التحولات السريعة التي يشهدها العالم، بما في ذلك التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، شهدت نظرة النساء للزواج والأسرة تحولات جذرية. لم يعد الزواج يُعتبر بالنسبة لكثير من النساء خطوة ضرورية أو حتمية، بل باتت النظرة إلى هذا الرابط الاجتماعي تعتمد بشكل متزايد على الرغبات الشخصية والتطلعات الفردية. تجد الكثير من النساء اليوم أنفسهن في مواجهة ما يعتبرنه “التزامات” الزواج، مثل بناء الأسرة وتربية الأبناء، في حين يميلن إلى تحقيق الذات وتطوير مساراتهن المهنية. هذه الرغبة في الاستقلال، وإن كانت طبيعية ومشروعة، قد أثرت بشكل واضح على مفهوم الأسرة ودورها في المجتمع.
في الماضي، كان الزواج يشكل حجر الزاوية لاستقرار المجتمع، حيث كان يُعتبر إطارًا يوفر الأمان والتكافل، ويتطلب التضحيات من كلا الطرفين. أما في العصر الحديث، ومع التغيرات الثقافية والانفتاح، بدأت العديد من النساء تعتبرن الزواج قيدًا قد يحد من حريتهن ويعيق مسيرة تحقيق الذات. لذا، باتت بعض النساء تؤجلن قرار الزواج أو تتجنبنه تمامًا، معتبرات أن مؤسسة الزواج قد تعيق مسيرة تطورهن وتحد من حريتهن في اتخاذ قراراتهن المستقلة.
إن هذا التوجه نحو الاستقلالية الذاتية لا يخلو من تأثيرات عميقة على الأسرة والمجتمع. ففي حين أن التركيز على الاستقلال وتطوير الذات يساهم في خلق نساء قويات ومستقلات، إلا أن تراجع الزواج والنقص في تكوين الأسر قد يؤدي إلى تراجع القيم الاجتماعية التي كانت تسهم في ترابط المجتمع وتماسكه. فالمجتمع المعاصر يتعرض لأزمة تراجع في تكوين الأسر التقليدية، مما قد يساهم في خلق جيل قد يفتقر إلى الدعم الأسري التقليدي والتوجيه القيمي. فالأطفال الذين يكبرون في بيئة غير مستقرة أو في أسر غير مكتملة قد يواجهون تحديات نفسية واجتماعية تؤثر على شخصيتهم ومفهومهم للحياة.
بينما يُعتبر حق المرأة في السعي وراء تحقيق طموحاتها أمرًا أساسيًا، فإن التخلي عن الزواج وتكوين الأسرة بشكل كبير قد يؤدي إلى نتائج سلبية على المدى الطويل. فالمجتمع لا يقوم فقط على الأفراد، بل يعتمد على وحدة الأسرة التي تشكل نواة التماسك الاجتماعي. تجاهل هذا الجانب قد يؤدي إلى تفكك أكبر في العلاقات الإنسانية وفقدان بعض القيم التي كانت تشكل الدعامة الأساسية للتكافل الاجتماعي. من ناحية أخرى، إن رؤية الزواج على أنه “قيد” تتعارض مع مفهوم الشراكة والدعم المتبادل الذي يمكن أن يوفره الزواج للزوجين في تحقيق طموحاتهما. عندما يتعامل الزوجان مع الزواج كلبنة للنمو المشترك، يصبح الزواج فرصة للاستقرار والتكامل، بدلًا من كونه عائقًا.
في النهاية، يبقى الزواج خيارًا شخصيًا يجب أن يكون مدروسًا ويتماشى مع احتياجات وطموحات كل فرد. إلا أن النظر إليه فقط من زاوية فردية قد يحرم المجتمع من فوائد بناء الأسر وتكامل الأدوار بين الرجل والمرأة. يجب أن تكون هناك توعية حول أهمية التوازن بين تحقيق الذات والحفاظ على مفهوم الأسرة كداعم للمجتمع، دون التخلي عن الطموحات الفردية.
هشام فرجي