ثقافة و فن

السنة الجديدة.. حتى لا نَنسى، ولا نُنسى! -اجدور عبد اللطيف

أجدور عبد اللطيف

اجتزنا الأيام الأولى من السنة الجديدة بنجاح لم نتعرض لجلطة دماغية، حادث سير، سكتة قلبية، أو مجرد موت مفاجئ، وهذا الشيء الوحيد الذي قد يشكل فارقا، الانقطاع عن الحياة.

غير ذلك يؤكد، فقط، أن انقضاء الأعوام وتجددها لا يغير من كنه الوجود شيئا، بل يجدد وعينا بأن الزوال سنة كونية لا يفلت منها أحد، قائمة وتنتظر.

يضعنا هذا مباشرة أمام سؤال الجدوى، جدوى علاقاتنا بذواتنا وبالآخرين وبالطبيعة، جدوى طاقاتنا، آمالنا، مخاوفنا، واختياراتنا اليومية. الجدوى من الوجود، ومن الوعي الذي يطبعه.

لنفلت من كماشة العدمية والبوهيمية، لا بد أن نتعرض لهذا الإشكال بشكل مستمر، لأن انتظار رأس كل سنة قد يفوّت على الإنسان، الكثير من الفرص، والمسارات، والاحتماليات، التي تغنيه وتثري تجربته بمحطة الحياة. لا يمنع ذلك من الوقوع في الخطأ، بل إن هذا الأخير، كما يعلمنا التاريخ، لصيق بالتحسن والثراء والتطور. إن الخطأ الوحيد الذي لا يمكن قبوله بحال، هو التردد والخوف والتلكؤ في سبيل ارتياد آفاق الكائن البشري، والعوالم التي بدون شك ما تزال في انتظار من يفض عنها الغبار، في العلم والفكر والفلسفة والإبداع على اختلاف مشاربه.

يتعرض كل شخص، عادة، لتساؤلات الوجود، وشلالات الجدوى، حسب تمثلاته وإيديولوجيته، نستطيع الجزم بأن نمطا حياتيا وحيدا اختيارا بعينه، في حدود الوعي الإنساني، وفق أقصى ما توصلت إليه الفلسفة، على الأقل حتى هذه اللحظة، غير ناجز، وغير ممكن حت، على ما يبدو.

يصرفنا ذلك، بالتالي، إلى التعاطي مع الحياة ضمن معانيها السامية الكونية المشتركة، أي ما نتفق حوله جميعا: بوذيين ومتدينين وملاحدة ولا أدريين… وهي المبادئ التي اتفق توماس هوبز، وجون جاك روسو، وجون لوك على تسميتها بالحقوق الطبيعية، وهي: الحرية، والتطلع إلى البقاء، والسلم، والعدالة.

نلحق بذلك ما جاءت به الفلسفة المعاصرة، خاصة مع برتراند راسل من معاني المحبة والتسامح والتآزر والاستدامة. وكف الميز والحقد والعنف بكل مستوياته، والتجني على أنفسنا والموجودات من حولنا حيوانات ونباتات وبيئة.

جلي أن تغيرا رقميا من 23:59 إلى 00:00، أو استبدال رقم أو اثنين في عدّاد السنوات، لن يجعل الحياة بكل تناقضاتها المؤذية – أحيانا كثيرة – تختفي، لن يصبح الوجود Disney Land، لن يشبع الفقراء، ويكتسيَ العراة فجأة، ولن يُنصَف المظلومون، ويُفكّ أسْر القابعين في ظلمات القهر والقمع. للأسف.

نستطيع مع ذلك، حتى لا نكون مُتقاعِسين، أن نتّخذ هذه البدايات الزمنية مُنْبعثات لإعادة النظر، وإعمال حفرياتٍ في كل ما علق باعتقاداتنا، وباختياراتنا، وبأرواحنا من الشرور المخلوط بشعارات الفضيلة، أن نُعمِل العقل الأخلاقي العمليّ الكانْطي في ضمائرنا، أن نُسلّط الشكّ الديكارتيّ على أفعالنا وعاداتنا، أن نعيد تشكيل وعينا خارج القوالب التي وُضعنا فيها بشكل أو بآخر.

ولنَطمئنَّ بعدها أن السيرورة المنطقية ستوصلنا يوما لنكون راضين عن وجودنا، بصفتنا كائنات عاقلة مُتسائلة، واجتماعية طموحة؛ في هذا يقول أينشتاين عراب قانون النسبية الذي يسري على كل شيء: لا يمكن حل المشكلات بالعقلية نفسها التي أنتجت تلك المشكلات. ويقول مارك توين: الجميع يخطط لتغيير العالم، ولا أحد يخطط لتغيير نفسه.

سنة سعيدة لكل رفاق الدرب، لكل النصحاء الأمناء، لكل هدايا الحياة، لكل نساء العالم، لكل الأطفال الذين نعلق عليهم آمالا عريضة، لكل الشعراء أينما كانوا، لكل عازفي البيانو، للفلسطينيين ولجميع الذين يقاومون الظلم وقساوة العالم بالأمل وبالإيمان.

ولتكن هذه دعوة متجددة لمواصلة درب الحياة الشاق جدا والمتعب جدا، والرائع الرائع الرائع – ثلاثا – جدا.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى