ثقافة و فن

المغرب الرقمي 2030: كيف يمكن للمملكة تحقيق الريادة الرقمية في إفريقيا؟-هشام فرجي

منذ إطلاق إستراتيجية المغرب الرقمي 2030، دخلت المملكة المغربية مرحلة جديدة من التحول الرقمي، واضعةً رؤية شاملة لجعل الرقمنة رافعة أساسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية. تهدف هذه الإستراتيجية الطموحة إلى نقل المغرب من المركز 113 في مؤشر الحكومة الإلكترونية التابع للأمم المتحدة إلى قائمة الخمسين الأوائل عالميًا، مع تحقيق الريادة على مستوى إفريقيا.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه: كيف يمكن للمغرب تحقيق هذه الرؤية الطموحة؟ وما هي التحديات والفرص التي تواجهها المملكة في هذا السياق؟

أهداف طموحة في سياق متغير

تعتبر إستراتيجية “المغرب الرقمي 2030” رؤية متعددة الأبعاد تسعى إلى:

  1. خلق 240 ألف منصب شغل في القطاع الرقمي.
  2. تطوير البنية التحتية الرقمية: بما يشمل توسيع تغطية الإنترنت وإطلاق خدمات الجيل الخامس (5G).
  3. تحفيز الابتكار: دعم الشركات الناشئة وإطلاق حاضنات رقمية مبتكرة.
  4. تعزيز الحوكمة الرقمية: رقمنة الخدمات العمومية لتحسين الشفافية ومكافحة الفساد.
  5. زيادة الصادرات الرقمية: رفعها من 16 مليار درهم سنة 2022 إلى 40 مليار درهم بحلول 2030.

إشكاليات وعقبات على الطريق

رغم الأهداف الطموحة، تواجه الإستراتيجية عددًا من الإشكاليات:

  1. الفجوة الرقمية: تستمر المناطق النائية في مواجهة ضعف البنية التحتية الرقمية، ما يعوق شمولية الرقمنة.
  2. نقص الكفاءات: تحتاج المملكة إلى تكوين مكثف ومستمر للموارد البشرية لتلبية الطلب المتزايد على المهارات الرقمية.
  3. التنافسية الدولية: تحقيق الريادة يتطلب خلق بيئة تنافسية تدعم الابتكار وتجذب الاستثمارات الأجنبية.
  4. تمويل المشاريع: رغم تخصيص 11 مليار درهم بين 2024 و2026، فإن تحقيق أهداف الإستراتيجية يتطلب استثمارات إضافية، خاصة في مجال البحث العلمي والتطور التكنولوجي والتقني.

الفرص والإمكانات

في المقابل، يمتلك المغرب العديد من نقاط القوة التي يمكن أن تسهم في نجاح استراتيجية المغرب الرقمي 2030:

  • الموقع الجغرافي الاستراتيجي : يتمتع المغرب بموقع مميز يجعله بوابة مثالية بين إفريقيا وأوروبا، مما يتيح له دورًا محوريًا في التجارة الرقمية ونقل التكنولوجيا، فضلاً عن إمكانية جذب الاستثمارات الأجنبية في القطاع الرقمي.
  • البنية التحتية المتطورة: يعد “المخطط الوطني للصبيب العالي” من أهم المشاريع التي تعزز البنية التحتية الرقمية في المملكة، مما يسهم في تحسين الربط بالإنترنت، لا سيما في المناطق النائية، ويوفر أرضية صلبة لتحسين جودة الخدمات الرقمية.
  • الشراكات الدولية : أبرم المغرب اتفاقيات شراكة مع عدد من الشركات العالمية الرائدة في مجال الرقمنة والابتكار، مما يساعد في نقل الخبرات، بناء القدرات، وتحفيز تطوير الحلول التكنولوجية المحلية.
  • الرؤية الملكية: الدعم السياسي الواضح من القيادة المغربية يوفر قوة دفع مهمة لتنفيذ الاستراتيجية. الدعوة الملكية إلى الاستثمار الأمثل في الرقمنة كرافعة للتنمية يعزز التزام جميع الفاعلين بالعمل المشترك لتحقيق الأهداف المسطرة.

كيف يمكن للمغرب تحقيق الريادة؟

لتحقيق الأهداف الطموحة لإستراتيجية “المغرب الرقمي 2030” وتعزيز مكانة المملكة كقطب رقمي رائد في إفريقيا والعالم، يمكن التركيز على الخطوات التالية:

  1. التوسع في التكوين الرقمي
  • إطلاق أكاديميات وطنية للتكوين الرقمي: إنشاء مؤسسات تكوين متخصصة في المهارات الرقمية والتقنيات المستقبلية، تستهدف تأهيل الشباب.
  • إشراك القطاع الخاص: تعزيز الشراكات مع الشركات الكبرى لتقديم برامج تكوينية وتوفير منصات تعليمية عملية.
  • تركيز الجهود على الذكاء الاصطناعي: تكوين الكفاءات على استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات.
  1. تشجيع البحث والابتكار
  • إنشاء مراكز ابتكار متخصصة: مراكز تجمع بين القطاعين العام والخاص لدعم البحث في المجالات التكنولوجية مثل الذكاء الاصطناعي، الحوسبة السحابية، وإنترنت الأشياء.
  • دعم المشاريع البحثية: توفير تمويل مستدام للباحثين والجامعات لتطوير حلول رقمية تنافسية.
  1. تعزيز التعاون الإقليمي والدولي
  • الشراكات مع الدول الرائدة: الاستفادة من تجارب دول مثل إستونيا (الريادة في الحكومة الإلكترونية) والهند (التطور في مجال تكنولوجيا المعلومات).
  • إبرام اتفاقيات جديدة: جذب استثمارات أجنبية وشراكات استراتيجية مع شركات التكنولوجيا العالمية.
  • المساهمة في التحول الرقمي الإقليمي: تعزيز مكانة المغرب كحلقة وصل رقمية بين إفريقيا وأوروبا.
  1. تحفيز الشركات الناشئة
  • الحوافز المالية والقانونية: تقديم إعفاءات ضريبية ودعم مالي مباشر للشركات الناشئة المبتكرة.
  • التوسع في الحاضنات الرقمية: زيادة عدد الحاضنات ودعم رواد الأعمال في مراحل النمو المختلفة.
  • تسهيل التصدير الرقمي: توفير منصات لولوج الأسواق الدولية وتشجيع الشراكات العالمية.
  1. ضمان الشفافية في التنفيذ
  • إطلاق منصات متابعة: إنشاء منصات رقمية مخصصة لعرض تقدم المشاريع، تتيح للجمهور تتبع مدى تحقيق الأهداف.
  • تعزيز الحوكمة الرقمية: وضع آليات شفافة للمراقبة والتقييم لضمان الالتزام بخطط التنفيذ.
  • تواصل مستمر مع المواطنين: إشراك المجتمع المدني في تقييم الاستراتيجية ومتابعة تقدمها.

رؤية مستقبلية

تضع إستراتيجية “المغرب الرقمي 2030” المملكة على مسار واضح لتحقيق التحول الرقمي الشامل. نجاح هذه الرؤية يعتمد على التنفيذ الفعال والمستدام، بالإضافة إلى التعاون الوثيق بين القطاعين العام والخاص والمجتمع المدني.

إذا استطاع المغرب تخطي الإشكاليات الحالية مثل نقص الكفاءات الرقمية، وتوسيع البنية التحتية، وتعزيز الابتكار، فإنه سيمتلك القدرة على أن يصبح لاعبًا رئيسيًا في الاقتصاد الرقمي العالمي.

بقلم: هشام فرجي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى