“مستقبل سوريا” خارج سوريا والمؤتمر الوطني إلى أجل غير مسمى – إدريس عدار

بعد سيطرة هيئة تحرير الشام على دمشق ووصول أبو محمد الجولاني إلى المسجد الأموي، لم تظهر في الصورة سوى “واشنطن وأنقرة والدوحة”، التي تقدمت كمحور في “سوريا الجديدة” يرعى التغيير، لكن يبدو أن الرياض تمسك بكثير من الخيوط في الملف السوري، بما يعني أن تركيا وقطر ومعهما تنظيمات الإخوان المسلمون يمثلون طرفا بينما تمثل الرياض ومعها أبو ظبي وكثير من الجماعات المسلحة بسوريا يمثلون طرفا آخر، ومن تمة فإن اللعبة ستدور على محاور متعددة، كل محور يعتبر نفسه مساهما رئيسيا في حسم المعركة، التي يديرها الأمريكي على ضوء نظرية “الفوضى الخلاّقة”، التي يضمن فيها عدم الاستقرار الذي “يمول نفسه”.
تجتمع أطراف كثيرة اليوم في الرياض لرسم مستقبل سوريا، ولا يحضر من سوريا سوى وزير خارجية الإدارة الجديدة الذي يمثل حكومة الأمر الواقع، بعد أن تم إجراء عقد المؤتمر الوطني إلى أجل غير مسمى.
اجتماع موزع إلى قسمين، في البداية اجتماع يضم وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي بالإضافة للعراق ولبنان والأردن ومصر وينضم إليهم وزير خارجية تركيا، وفي القسم الثاني ينضم إليهم وزراء خارجية بريطانيا وألمانيا وفرنسا، وتشارك الولايات المتحدة وإيطاليا على مستوى نائب وزير الخارجية. وسيحضر الاجتماع أيضا الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس، والأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، والأمين العام لمجلس التعاون الخليجي جاسم محمد البديوي، والمبعوث الأممي الخاص إلى سوريا غير بيدرسون.
في القسم الأول تكون تركيا وقطر في صف وباقي الدول باستثناء سلطنة عمان في صف ثاني، مما يجعل خيوط الرياض أكثر تماسكا من غيرها، وفي القسم الثاني اتفاق مع تركيا وقطر في الإطاحة بالأسد لكن خلاف كبير وجوهري على تدبير البلاد، وظهر أول خلاف حول الموقف من أكراد سوريا.
الجولاني، الذي تتعامل معه الدول الغربية والعربية باسم أحمد الشرع قبل رفع المطالبة برأسه مقابل 10 مليون دولار أمريكيا (تم تجميدها فقط) وقبل رفعه وهيئته من لائحة الإرهاب، يحاول بصفته رئيس إدارة الأمر الواقع تخفيف العقوبات المفروضة على سوريا، وللعلم لا توجد عقوبات قانونية على دمشق بشكل نهائي. يعني أن رفع العقوبات يحتاج إلى قرار أمريكي فقط، لكن واشنطن لها طريقة خاصة في التعامل مع هذه الحالات، وهي “قطرة قطرة”.
إذا كانت أمريكا هي الراعي الكبير لكل ما جرى في سوريا منذ بداية الألفية وما قبلها وإلى الآن، فإن السعودية وفق ما قالت آنا جاكوبس الزميلة غير المقيمة في معهد دول الخليج العربية في واشنطن إن “هذه القمة “ترسل رسالة مفادها أن السعودية تريد أن تأخذ زمام المبادرة في تنسيق الجهود الإقليمية لدعم تعافي سوريا” (تصريح لوكالة الأنباء الفرنسية 12/01/2025). ولفتت جاكوبس إلى أن اجتماع الأحد “يمنح الرياض فرصة لزيادة نفوذها مع الحكومة السورية الجديدة، وتنمية نفوذ أكبر في بلد حيث تتمتع تركيا وقطر الآن بنفوذ أكبر”.
ويذكر أن وفدا سوريا برئاسة أسعد الشيباني، وزير خارجية الجولاني، ووزير الدفاع مرهف أبو قصرة، ورئيس الاستخبارات أنس خطاب، قد زار المملكة العربية السعودية بداية الشهر الحالي، وهي أول زيارة رسمية لوفد سوري إلى خارج البلاد بعد سقوط النظام.
وقال الشيباني “إن السعودية أكدت استعدادها للمشاركة في نهضة سوريا ودعم وحدتها وسلامة أراضيها”.
وفي حوار مع قناة العربية قال الجولاني “إن للسعودية فرصًا استثمارية كبرى في سوريا” بعد أن مدح هذا البلد كثيرا، وقال إنه مولود فيه، وله شوق لزيارته، وكان قد التقى وفدًا سعوديًا برئاسة مستشار في الديوان الملكي السعودي، في دمشق.
أما واشنطن، التي تشارك بمستوى أقل من وزير الخارجية، فقد أكدت عقب الثامن من أكتوبر عما أسمته “دعمها الكامل لعملية انتقال سياسي يقودها ويمتلكها السوريون. ويجب أن تؤدي هذه العملية الانتقالية إلى حكم موثوق وشامل وغير طائفي يلبي المعايير الدولية للشفافية والمساءلة، بما يتوافق مع مبادئ قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2254″، وفق تصريح لبلينكن منشور على موقع وزارة الخارجية الأمريكية.
وأضاف “يجب على العملية الانتقالية والحكومة الجديدة أن تدعم أيضًا التزامات واضحة بالاحترام الكامل لحقوق الأقليات، وتسهيل تدفق المساعدات الإنسانية إلى جميع المحتاجين، ومنع استخدام سوريا كقاعدة للإرهاب أو تشكيل تهديد لجيرانها، وضمان أن يتم تأمين أي مخزون من الأسلحة الكيميائية أو البيولوجية وتدميرها بشكل آمن”.
وكان بايدن قال قبل ذلك “سيكون إهدار هذه الفرصة التاريخية إذا تمت الإطاحة بطاغية واحد فقط ليأتي طاغية جديد مكانه. لذا، يتعين على جميع جماعات المعارضة التي تسعى إلى القيام بدور في حكم سوريا أن تثبت التزامها بحقوق جميع السوريين، وسيادة القانون، وحماية الأقليات الدينية والعرقية”.
لكن ما معنى سر تمسك واشنطن بالقرار 2254؟ وهل ما زال له معنى بعد سقوط النظام السابق؟
القرار ” يطالب جميع الأطراف التوقف فوراً عن شن أي هجمات ضد أهداف مدنية، ويحث القرار جميع الدول الأعضاء إلى دعم الجهود المبذولة لتحقيق وقف إطلاق النار ويطلب من الأمم المتحدة أن تجمع بين الطرفين للدخول في مفاوضات رسمية”، وكان ذلك في شتنبر 2016.
ونص القرار على أنه “يتم استثناء مجموعات تعتبر إرهابية، بما في ذلك تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة. وسوف تستمر الأعمال الهجومية والدفاعية ضد هذه المجموعات. سيتم إنشاء آلية لمراقبة وقف إطلاق النار”.
الأطراف التي تحدث عنها القرار هي الدولة السورية في عهد النظام السابق والجماعات المسلحة، غير المصنفة إرهابية. واليوم لم يبق الطرف الأول لكن جماعة مسلحة مصنفة إرهابية هي من يدير سوريا.
إذن هذا التمسك هو اللغز الخطير في رسم مستقبل سوريا، وبأن أمريكا تبقى الفاعل الرئيسي في الملف مقابل تنازلات يقدمها كل الأطراف، وعلى رأسهم أردوغان فيما يتعلق بملف الأكراد، لكن أي تنازل من قبله سيكون ضربة قاضية له داخليا، لأن تحقيق أكراد سوريا لحكم ذاتي بأي شكل من الأشكال هو هزيمة له وقد وعد شعبه بتحقيق الأمن بعد الإطاحة بالأسد. كما أن الرياض وأبو ظبي ستقاومان سيطرة تركية على سوريا بسبب قيادة أردوغان للإخوان المسلمين، لكن ستتم قيادة المعركة تحت عنوان مواجهة “النفوذ التركي”.
يبقى مستقبل سوريا على كف عفريت وغامض بشكل كبير، لأن مجموعة ملتبسة هي التي تم تمكينها من السيطرة على دمشق برعاية تركية قطرية وإشراف أمريكي، وثانيا لكثرة المتدخلين في الملف بالنظر للأهداف المتوخاة من ذلك.