وجهة نظر

2 : في نقض بعض ما تطرق له مؤلف ذ. المعتصم (الجيوسياسيا تليق بالنهضة… والمقاومة /الجزء الأخير- انتهى). ذ. عبد الواحد حمزة

 قمنا في ما سبق بمناقشة بعض ملامح  النظام السياسي الأمني العسكري والاقتصادي المغربي، بنية وسلوكا للنخبة، وتعرضنا إلى الملابسات التي أدت إلى الاعتقال السياسي للإسلاميين المغاربة، أيام سنوات الجمر والرصاص- “الدولة القوية”، وناقشنا إشكالية الديمقراطية من عدمها، وضرورة تطبيق وتحيين توصيات الإنصاف والمصالحة لإعطاء معنى للسياسة، في مغرب اليوم، مقارنة مع الاهتمام الأوحد بالاقتصاد العام والأمن، مما جعلنا نجازف بفرضية ” الدولة ضد المجتمع”، بما هي سردية جذرية تتوجس الإنعتاق، لما رصدته عن هجانة الجبهة الشعبية الوطنية الداخلية، ووجود وضع سياسي في مقام السيطرة والاحتكام الدائم للسلطة المركزية على كل الدواليب.

وسنتطرق الآن إلى النقطتين الباقيتين في مناقشة مؤلف المعتصم حول جيوستراتيجيات الدول في مهب التحولات ( 2021-2022) على إثر استضافته من طرف فرع تمارة للاشتراكي الموحد، وهما لازمة علاقة السيطرة/ الإستقلال الملتبسة مع  المستعمر القديم- الجديد: فرنسا و ملابسات ورهانات التطبيع الرسمي مع إسرائيل.

ll.2 2 : لازمة علاقة السيطرة/ الإستقلال الملتبسة مع  المستعمر القديم- الجديد: فرنسا.

   نظريات علاقات التبعية والتخلف معروفة في أدبيات الاقتصاد السياسي للتنمية، بما في ذلك ملابسات وشروط فك الارتباط باعتماد النمو الاقتصادي السياسي المبني على الذات (سمير أمين، غاندر فرانك…). وبقدر ما هي مقاربات ناجعة لتحليل التأخر التاريخي لبلدان العالم الثالث والرابع، بقدر ما هي محدودة الأهمية في ظل سيطرة العولمة و”الدولة العالمية” .

هكذا، فبالإضافة إلى ما سبق ، تجدر الإشارة إلى خاصية برع فيها المغرب، براعة مزدوجة، في الداخل والخارج، لمعاودة إنتاج البنية التسلطية والمندمجة في الكوكبية العالمية: مقاربة “الدولة القوية”، في ما هي الدولة الأمنية، بامتياز، والتي تنمي الهرس بينها وببن المجتمع، لحد افتراض تعارض بينهما.

ويمكن تسجيل، هنا، غلظة وعلو كعب المقاربة الأمنية السامية لبلادنا، أكان في زمت الأمور بصلب المجتمع المغربي العميق، أو في العلاقة مع الهجرة، أو الإرهاب، الخ.، حتى أن الرئيس الفرنسي السابق، هولاند، قام بتكريم “السي الحموشي”، في فرنسا، بعد أن ساءت لسنوات علاقة هذه الأخيرة مع بلادنا، وتسممها والافتراء المتبادل والكذب والأحكام المسبقة الملفقة، زورا ( زكية داوود، نفس المرجع).

 و حتى أيضا أنه أصبح، بقدرة قادر واعتبارا للمصلحة المادية والأمنية المتداخلة ببن البلدين، يتم التفاخر والتزلف بمهنية البوليس المغربي الكبيرة، والحاجة إليه عالميا !، و في فرنسا، على الأقل، بدون أدنى حشمة ولا حياء…، تلطيفا وتحضيرا للأجواء العامة واستعدادا لعقد الصفقات الإقتصادية ( انظر آخر 22 عقد اقتصادي تجاري مع المغرب أكتوبر 2024)…حماية في المقابل لانتقال سلس واستبدال واستمرار ومعاودة الحكم السائد …!!

ولا نظن أن إمضاء كل تلك العقود وتجشم نخبة فرنسا الاقتصادية والسياسية عناء وكلغة وبهرجة السفر إلى بلادنا، سيسمح بجز مشاريع ضخمة، تجاوزت العشر مليار دولار، في مهب الحرب والربح، ودون ضمانات للاستقرار السياسي الموعود، ولو في حدوده الدنيا..وفي عالم يحبل بمتغيرات و متناقضات وتحولات  أكبر…

لقد طغت الاتهامات المتبادلة ببن المغرب وفرنسا على الساحة الدبلوماسية/ الخارجية لما يقرب أربع سنوات، قبل ذلك ومن الآن، ساهمت- من هنا ومن هناك- في تعقد و تسمم الأوضاع لدى النخبة المغربية، وخاصة منذ 2018. ثم بدا وكأن عقرب الساعة هدأ واستقر الوضع، على حين غرة، فكان ذلك دليل على اصطناعه وفبركنه، منذ البداية، ونفاذ لغة مصالح الغريمين العليا و المشتركة…

ويمكن أن نشير، للإثارة لا الحصر، إلى تصويت فرنسا، مؤخرا، وبدون سابق إعلام، لصالح المغرب لدى الأمم المتحدة، بما يعني تراجعها الضمني، دون التطبيل له جهرا، عن إيقاف شطط وحنق عدم اعترافها السابق ب”مخطط الحكم الذاتي”، أو في انتظار ما ستسفر عليه السياسة الدولية في المنطقة في الجاري من الأيام، وهو المقترح الذي دفع به المغرب، لحلحلة مسألة الصحراء، على الأقل، دوليا…

ويمكن الإشارة، أيضا، إلى فضيحة الاستماع/ “التنصت” على سلطات سياسية فرنسية عليا ، باستعمال تطبيق بيغاسوس الإسرائيلي، وكذا إثارة مسألة حقوق الإنسان و محنة الصحافة والصحافيين في المغرب ( الريسوني، الراضي وبوعشرين،…قبل إعفاء مفاجئ عليهم…بعد أن قضوا سنوات تعسف في السجن…!!) ، وحيث تمت الإشارة إليها من قلب البرلمان الأوروبي، أيضا، وفي الصحافة الفرنسية.

كما تم اتهام المغرب بالرشوة، كذلك، في حالة أعمال مرتبطة بقطر، وبمحاكمات جارية أخرى أمام نفس البرلمان الأوروبي، فضلا عن الدعوة الحرجة لقبول إرجاع وترحيل المغاربة المرفوضين من طرف فرنسا، وخاصة الصغار-الغير المصحوبين، منهم، وأخيرا وليس آخرا، طلب التقليل لمدة سبقت من قدر التأشيرات الممنوحة إلى المغاربة في تجاه فرنسا، وهو الأمر الذي أضر منذ 2021/ 22 بمغاربة كثر، ليتم رفعه اليوم،  مما سبق و شكل “عقوبة جماعية” مقصودة  للنخبة المغربية-الرحالة، طلبة وباحثين ورجال أعمال تعودوا اعتبار فرنسا بلدهم الثاني!!،  قبل أن يكيلوا له الضغينة المؤقتة، و حيث اضر حتى بمزدوجي الجنسية، منهم…..

يبدو أن فرنسا أصبحت تعلم أنها أمام جيل جديد لا يعرف ولا يريد أن يعرف، أو حتى يقدر ماضي الحماية و الاستعمار، وهو يطالب عاليا حقه في الاختلاف وقفل باب الاستلاب، يرفض الأحكام المسبقة التي دأب عليها الاستعمار القديم والجديد.

و مع ذلك فهو جيل انتبه لسنوات الماضي الضائعة، ولكل التأخر الحاصل من التبعية والتأخر، ويطلب أو يتحدى من فرنسا أن تعترف بذلك. فهو لا يلبث أن يبحث عن رموز قيمة وموارد وشخصيات ومراجع ذات قيمة وطنية ( انظر زكية داوود، 2024).!!

لكن يبدو أن الغرب يحن إلى الماضي الإمبريالي الاستعماري للشعوب، في ما هو استصعب عليه، كثيرا،  اليوم، التغول فيه، موظفا في ذلك لقاطة إسرائيل، كراس حربة تدميرية همجية لحضارات الشرق، وعلى رأسها، مقاومة غزة الباسلة، والحضارة الإنسانية، عموما، وموظفا العرب- المطبعين -الخونة للقضية الفلسطينية، صراحة أو متخفية أو ب”القوة” والسفور ( مصر، الإمارات، الأردن، السعودية،…)، حتى أن منهم من يصنع اليوم من قلب الدار قطع غيار أسلحة توجه للكيان وللإبادة ( أمريكا، فرنسا، المغرب…).

هكذا، عوض دعوة العالم لوقف العدوان الهمجي والحرب الظالمة على مقاومين من أجل الحق في أرضهم، يسجن المتضامنون مع المقاومة وأهلها ، في شخص حماس وغيرها، من القوى الحية الفلسطينية البطلة، وتستقبل لجن داعية لحملة دولية لإطلاق سراح أسرى إسرائيل، دون غيرهم، و كان العالم/ العربي و عملاءه ليسوا في صف الكيان،  أصلا..!!. هذا إذا حدا ، هو ومن معه، عن هكذا خيار استراتيجي امبريالي، قطعا و يوما..

II.2.3: ملابسات ورهانات التطبيع الرسمي مع إسرائيل

المقاربة التاريخية- السياسية  للجيوستراتيجيا كانت حاضرة في كل دراسات الحالة التي تطرق لها المؤلف، وفي ذلك ذكاء منه تأسيس لأصل المعضلات، تطورها عبر الزمكان وملابساتها السياسية والمجتمعية.

 لقد سبق للمؤلف وأن تابع بالرصد مجمل القضية القومية العربية -الإسلامية الأولى، بالنسبة للشعب المغربي، مثلا، وهو الجمهور المبدئي الواعي المحتج الذي خرج أكثر من خمسة وخمسين أسبوعا، عبر المملكة، بنسبة أسبوع كل شهر، طيلة سنة 2023،  للتنديد بالعدوان الهمجي الإسرائيلي الصهيوني على ارض فلسطين/ المقاومة. و حصل ذلك دون نتيجة ملموسة، ودون اعتبار رسمي- مغربي حقيقي وازن ، للتراجع عن الموقف المغرب و للتنديد بالتطبيع وبمن ركع إلى الصهاينة/ إسرائيل، جملة وتفصيلا…منذ أن انطلق الطوفان، إلى  اليوم،…

لقد كان آخرها تنديده بتفريغ / وملئ السفن المحملة الأولى، الواحدة من بين 12 أخرى، على الأقل!، متحايلة-قادمة بعتاد حربي من الولايات المتحدة، و التي أرست- كالعادة- بطنجة، بعد أن رفضت اسبانيا ذلك، لنصرة وتزويد  طغاة المحتل الإسرائيلي الغاشم.. 

هكذا تطرق  المؤلف لقضية المغاربة القومية الأولى، في ما يهمنا، وقد وعد أن يعود لها في مؤلف مخصوص بها، منذ وعد بلفور إلى الانتفاضات، الأولى/ أطفال الحجارة، والثانية/ انتفاضة الأقصى، وحتى إلى كل حروب غزة/ العزة، و ما عرف بصفقة القرن، التي دشنها ترامب بنقل السفارة الإسرائيلية إلى القدس/ العاصمة، وهو الذي يهدد، اليوم، بتشجيع زحف إسرائيل على الضفة الغربية،  وجنوب الليطاني بلبنان، بإعلانها منطقة إسرائيلية، و تحرير سوريا وتدمير معظم سلاحها القومي، إلى حين التحرر الضروري من قبضة الاستبداد والعولمة !

وقد بدا هذا التوجه الامبريالي للعدوان على الجوار، بعد استعصاء العوم المبكر على ميدان المقاومة المفضل/الأول: ارض غزة..و القضاء على إستراتيجيتها النوعية في الإنفاق السرية الشرسة…. وتكبد العدوان الخسائر الجمة فيها وفي لبنان الشقيق، تحت ضربات حزب الله البطل…والتفاوض على التهدئة إلى حين، ورجوع إيران إلى حدودها الطبيعية وتورط تركيا في سوريا، و ضبط لكل المحور المقاوم….، وخاصة ما يشكله اليمن العروبي – المقاتل  من قلق على الوضع في المنطقة وعلى هبة وقوة الإمبريالية العامية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية.!!

 و تجدر الإشارة إلى اتضاح سوء حظ ساسة و دبلوماسيين هواة (في ظرفية لا يقينية يراهن في على مأزوم/ يأكل فيها العدو اليوم ما أكل الطبل يوم العيد !)، وهو ما يحفز على أن لا يلزم العدوان تيئيس “عصا المقاومة السينوارية”، من أجل النهضة العربية الإسلامية، ونهضة ومقاومة  المغاربة/المغرب والمغارب، عموما.

و يبدو أن قواعد اللعبة بدأت تتغير، فبعد أن كنا على مشارف “قطيعة درامية” ، عادت الأمور لتتصلح بعد صمت مطبق، ما بعد الهزة المفتعلة، وكأن شيء لم يحصل وأن الكثير مشترك،  مثلا: فمقابل تصويت فرنسا لدى الأمم المتحدة لصالح قضية صداقتنا- الفصل، الصحراء المغربية، كما عبر عن ذلك ملك المغرب في إحدى خطبه الحاسمة، بعث هذا الأخير / المغرب -للتو- بالسيدة سميرة سيتايل، سفيرته إلى فرنسا، وهي الصحفية الفرنكفونية المعروفة والمديرة السابقة لدوزيم..! 

في الخاتمة: روح المقاومة والنهضة ضد خبث الغطرسة والسيطرة.

 ما تناولناه في هذه الورقة هو فقط ما قد يصل الى المغرب  بصلة جيواستراتيجية مباشرة، كأن نتحدث عن علاقته بالجزائر وفرنسا، وكذا بفلسطين، وبالاستراتيجية العالمية للرأسمال الدولي، باقتضاب شديد، مثلا، دون التطرق إلى ملفات الدول الاخرى، التي وفر لها المؤلف الحيز الكمي الكبير، وقد كنا في كل الاحوال نهتم بموضوعة النهضة المغربية، اشكاليتها وشروطها، مما اختتم به الاستاذ المعتصم كتابه القيم وجميل الطبعة (2021- 2022، 519 صفحة )، ومما سبق وقدمنا اجزاء من مداخلتنا الترحيبية والنقدية له، في حلقات سابقة، وذلك فقط لطولها(14 دجنبر 2024)، مركزة على حالة المغرب، دون الاستطراد في ما آلت إليه الآفاق الجيوستراتيجية -اليوم- من تغير، خاصة بالأخذ بالاعتبار للقضية الفلسطينية وتفاعلاتها الواعدة الراهنة….

فمن الجزء الأول للكتاب حيث تطرق إلى العالم ما بعد انهيار النظام العالمي الثناءي القطبية، الى تجليات فشل امريكا في بناء الامبراطورية، ومؤشرات ظهور نظام عالمي جديد، ليغوص في طرح معطيات مجموع دول في دوامة التحولات الجيوستراتيجية العالمية، اليوم، كدول غرب آسيا وشمال افريقيا، وليعالج في الجزء الثالث تحديات واكراهات تواجه هذه الدول، بالذات، وختم في النهاية بموضوع النهضة كمشروع للمقاومة، متناولا كيف تنشر القوى العضمى ما تسميه بالفوضى الخلاقة، ومن تدمير فعلي لطاقات المنطقة، وطارحا للخطوات الدولية العملية لتفعيل استراتيجية الفوضى، تلك، في أفق إعادة تشكيلها، ومنتهيا باقتراح شروط لنهضة الأمم المغلوبة على امرها.

لقد اقترحنا فرضية الجيوستراتيجيا تنفع اولا وقبل كل شيء في مجال الحرب، على حد قول إيف لاكوست، واعتبرناها ذات راهنية كونية قصوى في ما حللناه عن الوضع في المغرب التاريخي (جمهورية الريف، جيش التحرير، احداث 1965 والمقابر الجماعية….)، وكذا في الشرق العربي، كمعركة حماس والقوى الفلسطينية المقاومة معها، من اجل كيب نقاط حاسمة على درب التحرير الفلسطيني الشامل… وأضفنا أنها- ايضا واساسا- جيوستراتيجبا تليق بالمقاومة والتحريرالوطني، بكل الوانها، الدبلوماسية والعسكرية للدول والتحريرية للشعوب، وحرب العصابات للمجموعات الصغيرة العدد، الكبيرة الإقدام و الذكية الحيل والمتشبثة بإرادة وعقيدة النصر والانتصار للقضية، في القرى كما في المدن، ….، من أجل الكرامة والعدالة الاجتماعية والحرية…

لقد استثمرالغرب الرأسمالي- الامبريالي، في طور أزمة إعادة إنتاجه، اليوم، في ذلك/ الفوضى المدمرة للشعوب التواقة للاستقلال والتقدم والديموقراطية… ما أنتجه الأدب السياسي- العسكري والممارسة الحربية الاستعمارية الامبريالية العنيفة والعلم الاستشراقي والصراع الطبقي، من دهاء وتدمير وتهجير وترحيل وغلو وسفور وقتل وفضائح، ومصلحة ماكرة وأنانية ضيقة سافرة للراسمال الدولي وأتباعه المحليين …والمطبعين..!

وكان ذلك على نهج بعض ما سبق وأن حلله ورصده مؤلف سان تزوSun Tzu  للحكيم الصيني، وبعده- في أعقاب الثورة الفرنسية المظفرة-  Clausewitz، من بعد خمسة قرون خلت، وهو  المؤلف المتقادم للاستراتيجي- العسكري-“الشاب” ، كلازويتز، في مجال  تدوير لا يفتر لمفاهيم من نوع “الحرب الشاملة” والعنف الحدي، الذي تتطلبه أي حرب عنهجية، كانت، كحرب اباداة أوقتل واقبارجماعي لا انساني ولا قانوني…تخوضه الكيانات المصطنعة، كإسرائيل والدول الشمولية الاستعمارية- الامبريالية، كفرنسا….والدول الغير-الديموقراطية واللاشعبية…!!.

انه الاستراتيجي كلازويتز  الذي لم تسعفه المنية لمراجعة كتاب أوله مريدوه بكثير من التطرف والتفاهة والسطحية، حسب ما لاحظه النقاد وكل من حاول إعادة تأويل وترجمة مؤلف سان تزو الأصلي والاساس( انظر مقدمات الطبعات الأخيرة له…، ضعف النسخة الانجليزية…!)، بل و هو بالذات..، آخر حياته.

 وللعلم فقد كان بنفسه قد هم بمراجعة تصوره العقلاني المتشدد للحرب، تصوره الأول، حيث الوسائل تخرج لا محالة على السيطرة والعقل وعن الأهداف الإستراتيجية المتوخاة باقتصاد ما من الحرب…والإبادة والعبث والدفع -غطرسة وخلسة وضعفا- بالقتل ورمي المدنيين والأطفال والنساء والشيوخ، فضلا عن رجال ونساء المقاومة والنضال،  في المقابر الجماعية….  !!

والحال أن لقيادة الحروب ولإدارة الصراعات أسرار وحكم وأساليب إستراتيجية، تتطلب فن التخطيط المحكم وإتقان الحيل والخدع. كما أوضحت المقاومة الفلسطينية- اللبنانية- اليمنية، أن القوة ليست في العدد، وخاصة اليوم، في عهد الحروب الالكترونية والنووية، وإنما في صفاء العقيدة والعدة والإرادة وعدالة القضية، وعزة النفس والكرامة وعدالة المشروع، إذ “كم من فئة قليلة غلبت فئة كبيرة…”(قرآن كريم).

 و فضلا عن عدالة القضية الفلسطينية، من تحرير الأرض والإنسان، تدعو تقنيات الحرب الانتباه والتكوين التقني- العلمي والتدريب العسكري والعملياتي، أيضا، في التخطيط و الذكاء والتكتيك والاستنزاف والانتصار بالنقط وبالمباغتة وبالكمائن والأنفاق والضربات الغير المتوقعة والمرونة في اتخاذ القرارات والقدرة على التكيف مع التغيرات، وضبط الهدنات والتفاوض الاستراتيجي في افق التحرير والاستقلال والتقدم،…وذلك شيء مما حلله واوحى به الحكيم سان تزو الصيني وأوصى الجيوستراتيجيين به.!

لكن يبدو، على الأقل في ما يخص قضية العرب والمسلمين الاولى، تحرير فلسطين،  أن العالم كله في حيص بيص، يأخذ فيه الاحتراب أكثر من مرة  قناعة وشكل الحرب الدينية الصليبية، من كلا الطرفين المتصارعين، عوض حقيقة العدوان الامبريالي- الاستيطاني التوسعي لإسرائيل، يلفه -دفعة واحدة وفي لحظة واحدة- قدر كبير من الانفجار، تقابل فيه قوة المقاومة والردع، و بكثير من الإقدام والبطولة والانجاز، جنون الغرب العنصري- الإبادي – الأبيض، لا كمجرد فعل ظرفي وموضعي، وإنما كمنهج استراتيجي شامل ودائم ( انظر بتصرف زكري ع. الرحمان، مرجع سابق)، فإلى أي حد تعتبر الجيوستراتيجيا والإيكولوجيا السياسية (انظر عدد17، خاص من مجلة الربيع، مركز بنسعيد…، المغرب) أداة مزدوجة الحد من أجل الإبادة، من جهة، و من أجل المقاومة ، اليـوم، مـع جــــهة أخرى. !؟

 وانتم تتحدثون- أستاذي الفاضل- في الكتاب، اعلاه، عن ما يصدر عن السلطة ببلادنا من  “إفشاء لوهم الديموقراطية” وفي اي بلد كبلدنا، وفي ضل الأزمة التي تعتور العلوم الاجتماعية والإنسانية، اليوم،  (انظر درس حمودي حول العلوم الاجتماعية، أكتوبر، 2024)، هل تشكون صراحة في صلاحية وصفات وضرورة  الديموقراطية، عموما، وفي المغرب، خصوصا.؟

ولنا أمثلة من التاريخ السياسي لبلادنا، تدعونا لهذا الريب،  على شاكلة شعار “الهامش الديموقراطي”، وكذا “الانتقال الديموقراطي”- اللذان طولا- لغوا كثيرا وكبيرا، ولم يزعزعهما من كرسي الخطاب الإيديولوجي السياسي المغربي المتداول، عندنا، إلا وصفة “الديموقراطي- الحداثي” المطرزة في ديباجة  دستورنا الأخير، الخ،…!!

 أم أن الأمر يتطلب مجهودا منهجيا و نظريا ثوريا نِحْرِيراً يتعدى الإقتباس، و في تفاعله الضروري معه، يغير منه ومن أسسه، وحتى من أسس المعرفة كلها، للتحرر من آثار الإرث القديم المكبل، و من التوريث المتقادم، ومن اجل توطين نسبي للمعرفة العلمية ( انظر درس حمودي ع. الله، حول باسكون بول، صوت المغرب، اكتوبر،  2024) …!؟.

ثم، ألم يحدث طوفان الأقصى تداعيات فعلية، مرءية ومضمرة على وطننا، أرضه وناسه، ولربما حتى على نظامه السياسي، كاحتمال تساقط أو توالي سقوط أحجار الدومينو أو أوراق اللعب / الفراشة، واحدة تلو الاخرى، بل وتحدث ثقبا غائرا في نسيج التنويرالقيمي الكوني؟ [1]

انتهى.

مراجع:

  • المصطفى المعتصم، دول في مهب التحولات الجيوستراتيجية، 2021/22، المغرب،
  • كيبيل جيل، انقلاب العالم، ما- بعد السابع من أكتوبر، 2024، باريس، فرنسا،
  • زكية داوود، المغرب- فرنسا، أكاذيب وأحكام مسبقة، 2024، لاكروا دي شو مان… المغرب،
  • مجلة زمان، عدد خاص 78 عن الجزائر، 2021، المغرب،
  • احمد الطالبي المسعودي الجزائر، حكاية عشق، 2023، المغرب،
  • سعد بنسعيد في حوار نفسي اجتماعي مع مجلة صوت المغرب الرقمية، 2024، المغرب،
  • خطاب ملك المغرب، أكتوبر، 2017، حول فشل النموذج التنموي والتطلع إلى نموذج تنموي جديد، البرلمان، المغرب، انظر أيضا الخطاب الأخير للملك بمناسبة افتتاح البرلمان، أكتوبر، 2024.
  • ندوة الاعتقال السياسي بالمغرب بين رد الاعتبار وطي صفحة الماضي، 26 أكتوبر 2024، تمارة، المغرب.
  • حمودي عبد الله، حوار ، حول باسكون بول والعلوم الاجتماعية، المجلة الرقمية “صوت المغرب”، اكتوبر، 2024، انظر ايضا درسه الافتتاحي الثاني بمركز الجابري عابد محمد، أي علوم إجتماعية نريد!؟  نوفمبر، الرباط، المغرب، 2024.
  • ابراهيم ياسين، سلطة مغربية في غرب الجزائر، دراسة تاريخية 1830 – 1832, المغرب، 2015.
  • ندوة الحراك الشعبي، الريف نموذجا، الحزب الاشتراكي الموحد، الأحد 22 دجنبر  2024، تمارة، المغرب.
  • ع. الرحمن زكري، مقدمة- عتبة العدد 17, مجلة الربيع، مركز بنسعيد.. ، 2024، المغرب،
  • محمد الزهراني، الربط الاندماجي بين المغرب وموريتانيا في “نظام فيدرالي مشترك”، هسبريس، الجمعة 29 مارس، 2024.
  • سان تزو، فن الحرب، فلاماريون، باريس، 1999،
  • بوب وود ورد، الحرب، 2024، باريس، فرنسا.

المصطفى بوعزيز، مقدمة كتاب بنسعيد عن إيكوفيون، 2021.

[1] – كلمة ذ عبد الواحد حمزة، رئيس الجمعية المغربية للتنوير، كاتب عام فرع البسي و عضو مجلسه الوطني/ المغرب (الجمعة 13 دجنبر 2024)

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى