اقتصاد

التحول نحو الاقتصاد الأخضر وأثره على التنمية المستدامة: منظور عالمي ومحلي

هشام فرجي
في عصر المشاكل المناخية المتزايدة والضغوط البيئية العالمية، أصبح التحول نحو الاقتصاد الأخضر ضرورة لتحقيق تنمية مستدامة تحافظ على الموارد البيئية للأجيال المقبلة، وتوفر فرصًا اقتصادية مبتكرة ومتجددة. من هذا المنطلق، نتناول هذا الموضوع من خلال استعراض التوجهات العالمية والمحلية، مع تسليط الضوء على حالة المغرب كنموذج واعد في هذا المجال.
مفهوم الاقتصاد الأخضر
الاقتصاد الأخضر هو نموذج اقتصادي يهدف إلى تعزيز التنمية المستدامة من خلال تقليل الانبعاثات الكربونية، وحماية الموارد الطبيعية، وتعزيز الكفاءة في استخدام الطاقة والمياه. هذا النموذج يُعد أحد أهم السبل لتحقيق توازن بين النمو الاقتصادي والحفاظ على البيئة للأجيال القادمة.
يعتمد الاقتصاد الأخضر على السياسات والممارسات التي تركز على:
  • تقليل التلوث: من خلال الاستثمار في الطاقة النظيفة والمتجددة مثل الطاقة الشمسية والرياح.
  • تعزيز الكفاءة: عبر إعادة التدوير وتحسين إدارة الموارد.
  • إعادة هيكلة القطاعات الاقتصادية: للتركيز على الصناعات الصديقة للبيئة والزراعة المستدامة.
التوجه العالمي: نحو اقتصاد صديق للبيئة
التحول نحو الاقتصاد الأخضر هو استجابة جماعية عالمية تهدف إلى معالجة التغيرات المناخية، وتقليل الانبعاثات الكربونية، وتعزيز استخدام الموارد الطبيعية بكفاءة. يُنظر إلى الاقتصاد الأخضر على أنه فرصة لتحويل التحديات البيئية إلى محفزات للنمو الاقتصادي.
  • أبرز ملامح التحول نحو الاقتصاد الأخضر عالميًا:
    • استثمارات الطاقة المتجددة: حققت دول مثل الصين وألمانيا قفزات نوعية في هذا المجال، حيث تصدرت الصين إنتاج الألواح الشمسية، بينما استثمرت ألمانيا بشكل كبير في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
    • التوجه نحو الاقتصاد الدائري: يعتمد على إعادة تدوير المواد وتقليل النفايات، مما يعزز الكفاءة الاقتصادية.
    • الابتكار في النقل: انتشار السيارات الكهربائية وتقنيات النقل منخفضة الانبعاثات.
  • نماذج دولية رائدة:
    • الإمارات: مدينة “مصدر” في أبو ظبي نموذج عالمي لمدينة خضراء تعتمد بالكامل على الطاقة النظيفة، وهي إحدى أكثر المجتمعات الحضرية استدامة في العالم، تتضمن مجمعاً متنامياً منخفض الكربون وقائماُ على التقنيات النظيفة، ومنطقة حرة، ومنطقة سكنية، ومطاعم ومتاجر تجزئة، ومنتزهات خضراء.
    • الولايات المتحدة: الاستثمارات في مبادرات مثل Green New Deal  وهو برنامج طموح طرحه بعض السياسيين في الولايات المتحدة لتعزيز التحول نحو الاقتصاد الأخضر. يهدف هذا البرنامج إلى تقليل انبعاثات الكربون وتحقيق اقتصاد مستدام من خلال استثمارات ضخمة في البنية التحتية للطاقة النظيفة، مثل الطاقة الشمسية والرياح، بالإضافة إلى التركيز على العدالة الاجتماعية وضمان فرص عمل جديدة ومستدامة.
المغرب: نموذج رائد إقليميًا
على المستوى المحلي، يُعتبر المغرب من الدول السباقة في إفريقيا والعالم العربي التي تبنت نهجًا استراتيجيًا للتحول نحو الاقتصاد الأخضر. يتماشى هذا التوجه مع التزام المملكة بتقليل الانبعاثات الكربونية وتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
  • أهم المشاريع والسياسات:
    • مشروع نور للطاقة الشمسية: يُعتبر من أبرز المبادرات العالمية الرائدة في مجال الطاقة المتجددة. المشروع، الذي يقع في ورزازات، يُعد أكبر محطة للطاقة الشمسية المركزة (CSP)  في العالم، يتميز باستخدام تقنيات حديثة مثل الطاقة الحرارية الشمسية وتخزين الطاقة، ما يتيح له توليد الكهرباء حتى بعد غروب الشمس. هذا المشروع جعل المغرب أحد المصدرين المحتملين للطاقة النظيفة إلى أوروبا.
    • السياسة الزراعية الخضراء:  من خلال برنامج مخطط المغرب الأخضر الذي أطلق عام 2008، يركز المغرب على تعزيز الزراعة المستدامة وتحسين كفاءة استخدام الموارد المائية، مع التركيز على دور الزراعة في الاقتصاد الوطني وتحقيق الأمن الغذائي.
    • النقل المستدام: استخدام وسائل النقل النظيفة مثل الحافلات الكهربائية وتطوير بنية تحتية مستدامة للنقل بحلول عام 2030، ضمن التزامه بأهداف المناخ الدولية والحياد الكربوني.
  • الصعوبات والفرص:
    • رغم التقدم الكبير، يواجه المغرب صعوبات تمويلية وتقنية تتعلق بتوسيع نطاق مشاريعه الخضراء.
    • من جهة أخرى، يمتلك المغرب فرصًا واعدة بفضل موقعه الجغرافي، مما يتيح له لعب دور رئيسي في تصدير الطاقة النظيفة إلى أوروبا.
 التحول نحو الاقتصاد الأخضر ليس خيارًا بل ضرورة عالمية. وعلى الرغم من التفاوت بين الدول في الموارد والإمكانيات، فإن النماذج العالمية والمحلية تظهر إمكانية تحقيق توازن بين التنمية الاقتصادية وحماية البيئة. يضع المغرب، عبر سياساته الطموحة ومشاريعه الرائدة، نفسه في مقدمة الدول التي تسعى لتحقيق هذه الرؤية، مما يعزز دوره كقدوة إقليمية وعالمية في التحول نحو الاقتصاد الأخضر.
هشام فرجي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى