وجهة نظر
صراع النقابات: صراع بقاء أم غباء؟

تشكل النقابات ركيزة أساسية في المجتمعات الديمقراطية، حيث تمثل صمام الأمان للطبقة العاملة، تدافع عن حقوقها، وتسهم في تحقيق العدالة الاجتماعية. غير أن الصراعات التي تشهدها بعض النقابات اليوم تطرح تساؤلات جوهرية: هل هو صراع بقاء يهدف إلى حماية المكتسبات وتحقيق مزيد من الحقوق؟ أم أنه صراع غباء يؤدي إلى إضعاف الحركة العمالية وإفراغ العمل النقابي من جوهره؟
عندما تقف النقابات سدا منيعا في مواجهة سياسات التقشف، أو تراجع الحريات النقابية، أو الهجوم على الحقوق المكتسبة مثل الأجور وظروف العمل، يصبح الصراع ضرورة حتمية. إذ يعتبر صراع بقاء، هدفه الحفاظ على ما تحقق وتحقيق مزيد من المكتسبات، خاصة في ظل التغيرات الاقتصادية التي تؤثر سلبا على العمال والموظفين خصوصا فيما يتعلق بالقدرة الشرائية ونوعية الحياة داخل المجتمع. في هذه الحالة، تلعب النقابات دورًا حيويًا في تحقيق التوازن داخل المجتمع، وتمنح الطبقة العاملة صوتًا في عملية صنع القرار.
لكن، في المقابل، عندما تتحول النقابات إلى ساحة للصراعات الداخلية، وتُستغل الخلافات لخدمة أجندات شخصية أو حزبية، فإننا ننتقل إلى صراع غباء. وهذا يحدث عندما يتصارع القادة على المناصب بدلًا من الدفاع عن القضايا الحقيقية للعمال، أو عندما تضعف وحدة الصف النقابي بسبب الولاءات السياسية والمصالح الضيقة. والنتيجة؟ تفتيت القوة العمالية، وخلق فراغ يسمح بتمرير سياسات قد تضر بالمجتمع بأسره.
إن الصراعات الداخلية في الجسم النقابي لا تؤدي فقط إلى فقدانها لمصداقيتها أمام الرأي العام، بل تجعلها عاجزة عن تحقيق أهدافها. وحين تنشغل القيادات بالصراعات الشخصية بدلاً من التركيز على القضايا الجوهرية، يصبح العمل النقابي واجهة شكلية فقط، فيفقد العمال والموظفين الثقة في قدرتها على تحقيق التغيير. والأسوأ، أن هذه الصراعات تتيح لأرباب العمل والدولة فرض سياسات أكثر صرامة، دون وجود قوة نقابية قادرة على مواجهتها.
ومن الأمثلة الصارخة على ذلك، تمرير قانون الإضراب في خضم هذه الصراعات النقابية، حيث تم إقرار قوانين تقيد العمل النقابي وتحد من فعاليته، من خلال وضع قيود صارمة تجعل ممارسة الحق في الإضراب أقرب إلى التجريم. فبدلًا من أن تتوحد النقابات لمواجهة هذا التهديد المشترك، وجدت نفسها غارقة في صراعات هامشية، مما سمح بتمرير قوانين تحد من النضال النقابي وتضعف القدرة على الدفاع عن حقوق العمال.
إذا أرادت النقابات استعادة دورها الفاعل، فعليها أن تعيد ترتيب أولوياتها، وتعزز وحدتها، وتعمل وفق رؤية استراتيجية تحقق مصالح العمال والمجتمع. حيث يجب أن يكون النضال النقابي مبنيًا على الوعي والتخطيط، لا على العاطفة والصراعات الفارغة. كما أن الشفافية، والديمقراطية الداخلية، والقدرة على التفاوض بذكاء، كلها عوامل تضمن استمرارية العمل النقابي بقوة وتأثيرإيجابي.
ختامًا يمكن القول أن الخلافات داخل الجسم النقابي ليس مشكلة في حد ذاته، فالخلافات قد تكون صحية وبناءة إن كانت تهدف إلى التطوير وتحقيق الأفضل. لكن عندما تتحول إلى تناحر داخلي لا يخدم سوى المصالح الضيقة، فإنه يصبح عبئًا على العمال والمجتمع. فهل يدرك الفاعلون النقابيون اليوم أن قوتهم تكمن في وحدتهم، وأن معركتهم الحقيقية ليست ضد بعضهم البعض، بل ضد السياسات التي تهدد حقوق العمال ومستقبلهم؟ الأيام كفيلة بالإجابة.
هشام فرجي