أخبار وطنية

نبيلة منيب برلمانية الحزب الاشتراكي الموحد ـ في الذكرى الأولى لرحيل بنسعيد ايت ايدر

تحية للحضور الكريم من أمناء و كتاب عامون و أعضاء المكاتب السياسية و الوطنية و ممثلي هيئات المجتمع المدني المناضلة في المجالات الحقوقية و الاجتماعية و الثقافية و البيئية

و ممثلي حراك فيجيج و الحراك التعليمي

و معتقلي تزممارت (لا حقوق و لا تقاعد رغم هيئة الإنصاف و المصالحة)

عائلة الرفيق بنسعيد: السيد عمر بنسعيد

الرفيقات و الرفاق

الأصدقاء الأعزاء

الحضور الكريم

إلى الروح الزكية لمحمد بنسعيد أيت إيدر الوطني الشامخ

تحية الإرادة التي  لا تستكين… و الصمود الذي لا يلين

مرت سنة على رحيل الرفيق المجاهد محمد بنسعيد أيت إيد، شاهد على قرن من زمن الوطن

رفيقنا المناضل الفد و الوطني الشجاع أحد قادة جيش التحرير و المعارض الشرس  الذي كرّس حياته لنصرة الوطن و الشعب والقضايا العادلة و الذي كان دوما يجعلنا نشعر بفخر و جميل الإنتساب و لهذا فإن هول الفقذ كان و لازال علينا عظيما.

وداعا أيها المجاهد الأصيل، المتواضع و الصادق الأمين،

الذي حمل همّ وطنه و شعبه بشغف المحبّين، و بعزم الموقنين

و تحلّى بقيم الزاهدين و تخلّق بخلق  الأصفياء العارفين

و ألهم أجيال من المناضلات و المناضلين الصادقين

ضمير وطن و شمعة تنير درب الصامدين الذين ظلّوا  على الجمر قابضين.

نم قرير العين إلى جوار المخلصين الخالدين.

و نحن   على نهجك يا بنسعيد  سنظل تابثين

تحل الذكرى الأولى على رحيل الرفيق بنسعيد  و معها الذكرى الستون على انتفاضة (23 مارس  1965)،

حيث انطلقت نشأة “اليسار الجديد”، مستوعبة دروس انتفاضة 23 مارس 1965 بالبيضاء و دروس ماي 1968 بفرنسا و الثورة الثقافية الصينية و الثورة الفيتنامية و أيضا هزيمة 1967. “اليسار الجديد” و ضمنه “منظمة 23 مارس” يعلن ” إفلاس الإصلاحية” بعد استحواد النظام على السلطة و تعطيل حلم البناء الديمقراطي  لما بعد الاستقلال  المبثور لسنة 1956.

و طرح أنذاك سؤال ما العمل؟  لينطلق الفعل بدءا من التأكيد على ترسيخ خط النضال الشعبي  مع استيعاب الإكراهات و على رأسها الضغوطات الخارجية  و الاستعمار الاقتصادي  و تفشّي الاستبداد و الفساد و تحالف الفساد الخارجي مع الفساد الداخلي و الريع و الاحتكار و توسع امبراطورية الخوف و إرهاب الدولة  و معه ضرب الحقوق و قمع الحريات. هذا إضافة إلى الاختلالات  الناجمة عن  إفشال المنظومة التربوية لتجفيف منابع العلم و الوعي و معه  انهيار منظومة القيم و عرقلة بناء “مجتمع العلم و المعرفة”  التي حالت ولا تزال دون أن يتحقق الوعي الكافي للانخراط الواعي و التعبئة الواسعة لترجمة “الإرادة الشعبية” إلى “سيادة شعبية”  و ليتجسد الحلم في بناء المغرب الديمقراطي ، مغرب العدالة الاجتماعية و المجالية و المناطقية و التحرر و التوزيع العادل للثروة و المواطنة الكاملة و المساواة.

إنّنا إذ نعزّي  أنفسنا في هذا الفقد الكبير  نودّ استحضار بعض جوانب شخصية محمد بنسعيد أيت إيدر باعتباره   رمزا  من رموز التضحية و النضال و بعض مميزات مسيرته النضالية الاستثنائية  لاستخلاص الدروس و الاستفادة من نقد تجربة اليسار المغربي لتجاوز الردّة و الجمود و التصحّر و التردّدات و ذلك للاستعداد لتحمّل المسؤولية التاريخية في إعادة صياغة و طرح المشروع البديل، الذي تتأكّد راهنيته أمام أزمة النظام النيوليبرالي المتواصلة و التغيّرات الدولية المتسارعة،

في هذه اللحظة نقف على تجربة رجل استثنائي، قاوم و دعّم و  فعّل أدوات عصره و تكلّم عن “الفرص الضائعة”  و فهم التغيير المتواصل في العالم و امن بضرورة تجديد الفكر و الأدوات  و اعتماد النقذ و البرهان و تحديد الأولويات و صقل أليات النضال و التواصل و العمل و التعاون بالموازات مع الانخراط في طرق مواجهة الغطرسة النيوليبرالية المتوحشة  و التسلط و الفساد و الاستبداد ، في إطار التعاون على مختلف الواجهات  لجعل النيوليبرالية المفترسة متجاوزة، و ليس التكيّف معها،  و بالانخراط في التأسيس لعالم عادل يحتكم للقانون و يصون الحقوق و الحريّات و يحترم الإنسان والتوازنات الاجتماعية و البيئية.

و لأنّ الوقت لا يسمح للوقوف عند كل المراحل و الظرفيّات التي كان فيها المجاهد بنسعيد حاضرا، بكلّ ما في الكلمة من معنى، (قائد في صفوف جيش التحريرمن أجل الاستقلال، الدفاع عن الوحدة الترابية، إيمانه بضرورة تأسيس المغرب الكبير مغرب الشعوب، دعمه اللا مشروط للقضية الفلسطينية و للنضلات الشعبية … و لأنّ حضوره كان مميّزا و متميّزا في ظرفية 20 فبراير 2011  و الحراك الشعبي بالريف و دفاعه عن معتقليه، و لأنّ بنسعيد كان مجاهدا في سبيل مستقبل الوطن،  اهتم بنسج العلاقات و بضرورة  التطور الفكري  وهكذا أسس مركز بنسعيد للابحاث و الدراسات ، وعيا منه بأن  تطوير الفكر و البحث العلمي  أساسي لتطوير العمل الحزبي و لفهم التغيرات و إدراك التحديّات و تحديد الرهانات   و لتقديم البدائل الملائمة لكلّ مرحلة و الخروج من دائرة التكلّس و الإستسلام و الخوف و التبعية و القبول بالعبودية المفروضة.

و لأنّ العالم اليوم يعرف تغيّرات متسارعة و غير مسبوقة تنذر بنهاية مرحلة و بداية أخرى  و أنّ عالم جديد متعدد القطبية هو في طور التشكل لوضع حدّ للتنكّر للديمقراطية و مركزة السلط و الثروة  وتزايد هيمنة “المركب المالي العسكري الرقمي” خاصة عندما تستند السلطة و القوة  إلى عمالقة التكنولوجيا من أجل “تحكّم شامل” الوضع  يفرض الاستعداد لاستغلال  المتغيّرات المتسارعة  باعتبارها فرص  لانطلاقة متجددة و ليس محطة للاستسلام.  و لاستشراف وضع أفضل للدول و الشعوب المستضعفة إن هي استطاعت أن تستفيق و أن تتخلّص من الخوف  و أن تنظّم مقاومتها،في الوقت الذي تعيد فيه التكنولوجيا تحديد علاقات السلطة و القوة  بين الدول بالإضافة إلى  ما عهدناه من ضغوطات المؤسسات المالية و قروضها المشروطة والاتفاقيات الدولية المكبّلة و الحروب الاستباقية و تجاوز القانون الدولي الذي  وصل حدّ السماح بإبادة الشعب الفلسطيني و تصفية قضيته بالمباشر و القيام بجرائم حرب بشعة،تصدّت و تتصدّى لها المقاومة الفلسطينية بصمود و شجاعة قلّ نظيرها،جلبت تعاطفا شعبيا عالميا  للقضية الفلسطينية التي باتت الرئة التي يتنفس منها كلّ أحرار العالم و لكن الوضع لازال مقلقا للغاية حيث أن الرئيس الأمريكي ” ترومب” الذي يعتبر أن سلطته لا حدود لها، متكئا على عمالقة التكنلوجيا   مرّ  إلى الإعلان على تهجير الشعب الفلسطيني وإعلان التطهير العرقي و محو الشعب الفلسطيني من الوجود و منع الإعانات للجمعيات الدولية (الأونوروا) تلبية لمصالح الولايات المتحدة و الصهيونية العالمية المتنفدة. بإمكانه  فعل نفس الشيء مع كل الشعوب التي سيتم اعتبار أرضها و خيراتها صالحة لأولائك الذين لا يؤمنون إلّا بمنطق القوة  حيث لم يعد هناك من احترام للقانون الدولي  و لا لسيادة الدول فأمريكا تريد ظمّ الكندا و بناما و غوونلند التابع للدنمارك… و تريد إدانة قضاة المحكمة الجنائية الدولية:

نحن أمام الهديان الإمبريالي الاستعماري و الغطرسة اللامتناهية و  ليس فقط”نهاية التاريخ” و لكن نهاية كلّ القوانين و القيم الإنسانية أمام غطرسة الأوليغارشيا حيث قانون واحد = قانون القوة و الجشع و العنف و المافيا

 

عهد سياسي جديد حيث السلطة و القوة تستند على عمالقة التكنلوجيا، الذين ليسوا مجرّد شركات كبرى و لكنهم فاعلون سياسيون و جيوسياسيون و عسكريون  يتوفرون على إيديولوجيا لا تؤمن بالديمقراطية و تعتبرها ديكتاتورية الأغلبية ويعتبرون أنّ السلطة يجب ان تكون في يد من يمتلكون التكنلوجيا المتقدمة و رؤوس الأموال الكبيرة،  فكيف ستصمد الديمقراطيات أمام صدمة التكنلوجيا و كيف سيتحقق حلم البناء الديمقراطي لبلادنا؟؟أمام نفي المساواة في الحقوق  و التنكر للديمقراطية؟

وهكذا أصبح الهجوم السيبيراني  أداة  لتعنيف العالم وضرب استقراره (ضدّ روسيا و إيران..) كما يتم العمل على  دمج مجال التكنلوجيا و المجال العسكري  بالموازات مع استكمال السيطرة على بنك المعطيات( يعرفون من أنت” نورالينك” كما في مجال النوروسيانس بإطلاق عمليات زرع “رقائق إلكترونية” في دماغ الإنسان  و ربطه بالإنسان الألي (“إنسان أقوى” و لكن تسلب إرادته و يمكن التحكم في تصرّفه و في المعلومة) في إطار مشروع “التحكم الشامل” في عالم يسير بسرعة فائقة لم تعد تسمح بالتفكير و الأدمغة  تعتبر حلبة للمعركة. و بالرغم من التفوق الأمريكي وأمام اللوغاريتمات المتطورة استطاعت الصين مؤخرا و باستثمار اقل إطلاق مؤسسة دييب ـ سيك لمعالجة المعطيات و البحث المتقدّم عبر الذكاء الرقمي (الرياضيات و الطب…) و المنافس لتشاط ـ جيبيتي لصاحبه سام ألتمان الأمريكي.

كما يتم العمل على إعادة إخراج خرائط للدول و تقسيمها و السيطرة على الخيرات وعلى الطرق التجارية و الموانئ و شتى طرق التواصل وحرب المعلومات و المعلومات المغلوطة التي تظهر و تختفي بسرعة فائقة،

لذا وجب الاستعداد للمقاومة ضد “مافيا السلطة و القوة و التكنلوجيا” لأن مشروعها لن يستثني أحدا فالوقت ليس للاستسلام و لكن لتطوير الفكر  و الانخراط في معارك المواجهة. محليا و اقليميا و دوليا.

…: المغرب كالعديد من الدول، يعيش تحت تهديد متواصل في ظلّ مشاريع “الاستعمار الجديد المتجدّد” الذي يعتبر الدول الضعيفة قابلة للنهب و للتقسيم و للسيطرة عليها اقتصاديا و سياسيا  بأليات متعدّدة انطلاقا من عرقلة البناء الديمقراطي وتعطيل إصلاح القضاء و استقلاله و نزاهته و فصل السلط و ربط المسؤولية بالمساءلة و محاربة الفساد و التزوير الانتخابي  . و هكذا يتمّ ضرب السيادة الوطنية واستقلال القرار و التأسيس لديمقراطية الواجهة بنخب قبلت المشاركة في لعبة سياسية فاسدة. و هكذا   يستمر ضغط ثقل المديونية و ملفات الفساد و تكريس تخلف الاقتصاد باعتماده على الريع و الاحتكار و ربط السلطة السياسية بسلطة المال و الأعمال وتراجع التصنيع، في غياب شروط التنافسية الحقيقية، وتشجيع الانتاج الفلاحي الموجه نحو التصدير (البلاد = حديقة خلفية للدول التي تستورد خيراتنا و مياهنا التي تراجعت بشكل خطير) و فرض الانفتاح غير معقلن و الخوصصة و تحرير العديد من القطاعات و خوصصة متواصلة للمؤسسات و المقاولات العمومية الكبرى التي ستتحوّل إلى شركات مجهولة الإسم تحت رقابة “الوكالة الوطنية للتدبير الإستراتيجي لمساهمات الدولة” ثمّ البحث عن التمويلات المبتكرة (بيع المنشأت و كرائها) و محاولة جلب المستثمرين الأجانب بأي ثمن حتى لو اقتضى الحال السطو على ممتلكات الناس و عدم احترام الملكية الخاصة بالإضافة إلى  تفكيك الخدمات الاجتماعية من صحة (العمومية أصبحت وطنية و تمّ خلق 12 مجموعة ترابية صحية (حراك طلبة الطب) إلى جانب 12 شركة جهوية متعددة التخصصات  SRM(الماء و حراك فيجيج) و رغم الوعد بتوفير الحماية الاجتماعية للجميع،ظلت فئات واسعة محرومة من التغطية الصحية و أيضا من الدعم المباشر الذي يشكّل أداة للتحكم و لاستقرار الفقراء في فقرهم و هذه طريقة قديمة لإسكات الفئات الفقيرة “الخطيرة” التي يمكن أن تحتج رغم السيطرة عليها بالجهل و الفقر و التخويف و الترهيب لضمان عدم انتفاضها.

كما وجهت أسلحة الدمار الشامل للمدرسة العمومية مع  تشجيع التعليم بسرعات مختلفة (-حراك التعليم) و ضرب “مدرسة الشعب التي تحرر و تسلّح بالمعارف و الحس النقذي” لتعميم نظام التفاهة و ضرب قيمة الشواهد كما  تمّ تهميش البحث العلمي حيث استفاد الغرب من علمائنا و من هجرة الأدمغة التي تشكّل أخطر نزيف، و هم اليوم يحالون على التقاعد بدون أن نخلق الخلف و حتى مناصبهم المالية يتمّ حذفها لأن البنك الدولي و صندوق النقد الدولي قال أن التعليم قطاع “مستهلك” و كما قال أبرهام لينكون ” إذا كان التعليم مكلّف فإنّ الجهل و الأمية مكلّف أضعافا مضاعفة” و لكن في زمن التفاهة  هذا هو المأل حيث لا كفاءة و لا ضمير لمسؤولين في حكومات محكومة؟؟؟؟؟

و على مستوى السكن (برامج مدن بدون صفيح و السكن الاقتصادي…و دعم السكن..) أصبح السكن اللائق بعيد المنال نظرا للغلاء من أجل إغناء المنعشين ، كما يتواصل الهدم و الترحيل، غالبا دون تعويض و هكذا أصبحت دائرة الفقر تتسع و معها الشعور بالحكرة، كما أنّ  البطالة وصلت أرقاما قياسية (13.7 % ) و الفوارق تتسع يوما عن يوم بينما الأوليغارشيا المتحكمة و التي تجمع بين السلطة و المال تغتني يوم عن يوم حتى بطرق لا أخلاقية و لا تكترث لرأي المؤسسات الدستورية من مجلس أعلى للحسابات و لا مجلس المنافسة و لا الهيئة الوطنية للنزاهة و الوقاية و محاربة الرشوة….. التي تمّ تقليص ميزانيتها هذه السنة لمعاقبتها على ما نشرته من حقائق.

الحاجة إلى حوار مغربي – مغربي:

دفاعا  عن تطلعات شعبنا في التحرر و العيش الكريم و في الدمقرطة و استكمال الوحدة الترابية  و الحفاض على السيادة الوطنية و بناء مجتمع العلم و المعرفة و المواطنة الكاملة  …… و للتمكن من رفع التحديّات  المستقبلية

لكلّ ما سبق و لأسباب أخرى كثيرة لا يسع المجال للتوقف عندها و كما جاء في شعار إحياء الذكرى: من أجل حوار وطني) نودّ توجيه نداء  إلى كلّ القوى المسكونة بهمّ وطن الغد و ضرورة مواجهة الأخطار المحدقة ببلادنا و الناجمة عن التغيّرات المتسارعة و التي يمكن أن تؤدّي إلى  إدخال البشرية في مرحلة صعبة، يجب استغلالها كفرصة لانطلاقة جديدة للدول المستضعفة و المستسلمة لتستفيق و تغيّر أوضاعها نحو الأحسن و تحصين وحدتها و سيادتها و فتح أفاق رحبة لشبابنا الذي يهاجر عبر قوارب الموت. و كما أقرت العديد من المؤسسات البحثية الجادة بضرورة تجديد الوطنية فإنّ هناك حاجة لحوار متواصل حول السيادة الوطنية و سؤال الوحدة الترابية  و ارتباطها بالديمقراطية و العدالة بمفهومها الشامل و بالهوية المتعددة و الغنية كمغاربة بعيدا عن المصطلحات الملغومة ك “تمغرابيت” و الحاجة لمصالحة تاريخية مع الجهات المهمشة من الوطن و الى تعاقد جديد  لتحقيق المواطنة الكاملة و المساواة و كرامة الإنسان و الحفاض على التوازنات البيئية و التقدم نحو التحرر و الاستعداد  للدفاع عن مصلحة الشعب و الوطن و أسئلة أخرى يجب أن توصلنا إلى بلورة تصور استباقي استراتيجي  متكامل  للفعل و العمل و تشكيل جبهة شعبية للنضال قادرة على الإلتفاف حول و تنوير الحراكات الشعبية المناضلة + تأطير الشباب و إعداد النخب المناضلة التي تربط بين السياسة و الأخلاق و روح التضحية و المتابرة بهذف خلق “سلطة مضادّة” قادرة على تغيير موازين القوى لصالح إرساء  الديمقراطية و بناء دولة الحق و القانون, و الإنهاء مع ظاهرة الاعتقال السياسي و فكّ أسر معتقلي الحراك الشعبي بالريف و الكفّ عن التضييق على المناضلين و الصحفيين و المدوّنين و الاستماع إلى الشعب و مختلف تعبيراته.

وطننا معني بتحديد  موقعه، تأثيرا و تأثرا في رسم و تحديد دوره و استشرافا و تحضيرا  لهذا الأفق و تماشيا مع فكر رفيقنا الراحل، الفقيذ محمد بنسعيد أيت إيدر نطرح  و نقترح عليكم  مباشرة حوار بفكر استراتيجي لوطن الغد، في الوقت الذي يتعاظم الظلم و الغطرسة الامبريالية التي تقدم لنا  كحتمية  لا تترك أيّ خيار إلّا الاستسلام أو الاستعداد للأسوء. و بما أنّ الاستسلام لم يكن أبدا  خيارنا و لانّنا نؤمن بالصمود و المقاومة أمام التسلط و الاستعمار الجديد فلا بدّ من التفكير معا فيما يلزم أن نقوم به و كما تشكلت “الكثلة الديمقراطية ” في بداية 90 القرن الماضي في ضروف معيّنة، أن الأوان بعد فشل تجارب “وحدة اليسار” و انصهار مدارس مختلفة،   للتفكير في رصّ الصفوف ميدانيّا في إطار “جبهة شعبية  للنضال” بدعم و تنوير الحركات الاجتماعية و النضالات الشعبية و تقوية الوعي و تجاوز الفرص الضائعة و التردّدات  بغرض تشكيل ميزان قوى جديد، بمثابة سلطة مضادّة، لصالح البناء الديمقراطي و “دمقرطة الدولة و المجتمع” و التقدّم باتجاه العدالة الاجتماعية و “مجتمع العلم و المواطنة” و الوطنية المواطنة و تحصين الوطن ضدّ الأخطار المحدقة به.

حوار بفكر استراتيجي لوطن الغد للتداول في مستقبل الوطن،

يجب أن يشكّل لحظة حوار للقوى الديمقراطية و اليسارية و المدنية لتحديد موقعنا في الفضاءات:

الوطنية والمغاربية و العربية الشرق أوسطية و الإفريقية و الأوروبية و الدولية..

مع تحديد المضمون التجديدي لثقافتنا السياسية الوطنية الحداثية

و ما هي المضامين التي تعبّر عنها و تحملها و تحيل عليها مقولة الوطنية المتجددة؟

و نطرح الحوار لتبادل  الرأي في مواضيع أساسية على رأسها:

أي تعاقد جديد بين الدولة و المجتمع؟

أي سبل لتجديد الوطنية المغربية؟

أي مسار لتمنيع الوطن و ترابه؟

محمد بنسعيد ايت إيدر الإنسان:

بنسعيد الإنسان  الرمز  الذي حمل قضية الشعب و الوطن و الحرية. بنسعيد المقاوم ضدّ الاستعمار و المناضل الوطني الشجاع  عاش حياة ملؤها النضال و التضحية و المحبّة لأنّه كان صلبا و حنونا في أن واحد أحبّ وطنه  و أحبّ الحياة و مارس قناعاته  فعاش سعيدا. حيث رغم المحطّات الصعبة التي مرّ منها و الجديّة التي  كان يتعامل بها   فإنّه كان دائم الابتسامة و كأنّه يتحدّى  الأوضاع و يعلن أنّ لا شيء مستحيلا و أنّ المستقبل سيكون واعدا و أنّ التضحيات لن تذهب سدى.

بابتسامة تحمل براءة الأطفال  و صفاء سريرة الرجل المستقيم و الصبور، بن سعيد كان يهتمّ بالقضايا الإنسانية وبأحوال الأفراد و الجماعات و القرى و الحواضر، يربط الانخراط السياسي بالأخلاق العالية و بالمبادئ الرفيعة، و لم يكن يكترث للماديات وللمظاهر و لم يهتمّ  بمراكمة الثروة، و هو ابن الأسرة الميسورة، و هذا ما جعله عصيّا على  الإغراءات و لم يكن هناك ما يجعله  يحيد عن طريقه و قناعاته و استقامته، حتى في زمن التسليع الذي يباع  و يشترى فيه  حتى الأنسان. بالفعل  فإنّه  يستحق أن يحمل لقب إنسان بكلّ ما في الكلمة من معنا، في زمن انتفاء الإنسانية و تحلّل مفهوم المصلحة العامة أمام الجشع و الانتهازية و الوصولية و التفاهة و انهيار منظومة القيم، و أمام حلول الإنسان المستهلك محلّ الإنسان المواطن. وأمام  تراجع الوطنية الصادقة و الصالح العام  و  التسابق  وراء الإثراء غير المشروع و استغلال النفوذ في زمن الإفلات من العقاب و موت الضمير. فبنسعيد رجل من زمن أخر زمن المعنى و القيمة و السمعة  و الوطنية المواطنة  و هو بذلك يظلّ نمودجا يحتدى به سواءا في تعامله مع رفيقة دربه، التي ظلت  أقوى مسانديه و أبنائه البررة فرحته و فخره  أو مع باقي العائلة والرفيقات و الرفاق و كلّ معارفه و حتى خصومه الذين ظلّوا شاهدين على لطفه و حسن معاملته و تسامحه حيث لم يكن يذكر أحدا إلّا بالخير ممّا جعله يرفض  الإفصاح عن بعض الحقائق، ليس نفاقا و لكن استحياءا،  لأنه كما كان يقول “لازال أصحابها على قيد الحياة” و كان يرفض أن يصلهم منه أذا  في الوقت الذي صبر على أذا كثير من بعض من جمعته بهم بعض المحطات وكانوا له ظالمين لكنّه كان لهم مسامحا كريما.

بنسعيد من قيادة جيش التحرير إلى دعم حراك الشباب العشريني و الرّيفي:

فمن معركة التحرير و الاستقلال إلى معركة البناء الديمقراطي مرورا بكلّ محطّات تاريخ  مغرب ما بعد الاستقلال و في قلبها سنوات “الجمر و الرصاص”. و هكذا دعّم الرفيق محمد بنسعيد”حركة 20 فبراير” و بعث رسالته الشهيرة لشابّات وشباب “حركة عشرين  فبراير”, حيث أكّد على أهمية انتفاضتهم في إحياء العمل السياسي الجادّ و المتجدد في بلادنا و البلدان المجاورة، و نوّه  بشجاعة الشابّات و الشباب “الثائر” بشكل سلمي و حضاري  شباب واعد، تحرّر من الخوف و بدأ يرفع سقف المطالب و يتخد القرارات الديمقراطية داخل الجموعات العامّة و ينظم المسيرات  و الوقفات و يعبّر عن غضبه و رغبته في تغيير الأوضاع سياسيا و اقتصاديا و اجتماعيا و ثقافيا….. و بالرغم من البروبغندا و التدخل لإجهاض الحراك و ما قيل وما  كتب  عن كون “الربيع العربي”  في الأصل نظّر له من خارج بلداننا  لإضعافها و سيطرة “إمبراطورية الخوف” و “إرهاب الدولة” ونشر “الفوضى الهدّامة” التي يسمّونها “خلّاقة” من أجل  الاستمرار في تجزيء المجزّأ و  تقسيم المقسّم عبر نشر الخراب  وتشجيع “سياسة فرّق ـ تسد” و سياسة “الكيل بمكيالين” فالأكيد أنّ   سيادة “لغة المصالح” ظلت حاضرة، محتقرة للشعوب و مستهينة بإمكانية انعتاقها و تخلّصها من طوق الخوف و العبودية  ومشككة  في قدرتها على الدفاع عن حقّها في الحرية و الكرامة وحتى  العمل على شيطنتها و تخوينها في بعض الأحيان. رغم كلّ ذلك ظلّ رفيقنا المتابع المتبصّرالهادئ بنظرته الثاقبة، يثق بقدرات الشباب في تحويل الانتفاضات و الثورات و الحراكات إلى بداية مسلسل جديد و فرصة  للتقدّم باتجاه البناء للديمقراطي و التحرر و ترجمة الإرادة الشعبية إلى سيادة شعبية.

و تأكّد حدس الرفيق محمد بنسعيد مع “الحراك الشعبي بالريف” الذي انطلق على إثر فاجعة “طحن محسن فكري”  شهيد لقمة العيش و حيث استطاع حراك الريف تجاوز النقائص التي عانت منها “حركة 20 فبراير” و لقد تدخّل للدفاع عن الحق في المحاكمة العادلة للمعتقلين و طالب بتخفيف ضروف الأسر في الزنازن الإنفرادية و من أجل وضع حدّ للانتهاكات التي كان يتعرّض لها المعتقلون .. و ظلّ مساهما في كلّ المبادرات من أجل إطلاق سراح المعتقلين و جبر الضرر و إحداث المصالحة التاريخية المنتظرة.

و هكذا استمرت “روح 20 فبراير” في كلّ الحراكات التي عرفتها و تعرفها بلادنا إلى اليوم ( من سيدي إفني، إيميضر،إلى جرادة ، أوطاط الحاج، حراك الريف، الأساتدة  الذين فرض عليهم التعاقد، الممرضين، الأطباء،الموضفين الجماعيين،معركة الماء بفيجيج و نسائه الشامخات….) و كان من المساندين  الميدانيين في  المسيرات والوقفات التي كان ينظمها الشباب و دائم المطالبة بإطلاق سراحهم.

ونحن نستحضر نضالات و اجتهادات الرفيق محمد بنسعيد في استخدام كلّ الأدوات المتاحة للدفاع عن الشعب و الوطن و الديمقراطية  نعي جيّدا الدروس التي علينا استخلاصها لأنّنا أمام أوضاع تزداد تأزّما على المستوى الوطني و الإقليمي و الدولي و  متغيّرات  تفتح العالم أمام “عالم اللايقينيات” ، حيث توازنات جديدة تظهر في الأفق و إكراهات متجددة ، تتطلّب من المناضلات و المناضلين الشرفاء و خاصة الشباب منهم الانخراط و الاجتهاد و  أن يتحمّلوا مسؤولياتهم و أن يجتهدوا لفهم عصرهم  و أن يمارسوا السياسة بأخلاق و بقناعة  وبالقدرة على رسم استراتيجيات استشرافية لمقاومة مخططات  سلب السيادة الوطنية ومواجهة  سياسات التدخل   و التسلّط وفرض الاستعمار الجديد والاستعداد للمقاومة و التخطيط للانعتاق و التضامن و التشبيك والقدرة على تشكيل “جبهة شعبية واسعة للنضال” للمساندة و الإنخراط و لتنوير الحراكات الاجتماعية، التي و إن كانت في ظاهرها اجتماعية و اقتصادية إلّا أنها تظلّ في عمقها سياسية، مناهضة للنمودج الذي عمّق الفوارق الاجتماعية و المجالية و المناطقية و وسّع دائرة الفقر و الجهل و البطالة و الإحباط. ” جبهة واسعة للنضال”  تتجدّد بتجديد المعارك و كسلطة مضادّة قادرة على تغيير موازين القوى و فرض التغيير الديمقراطي المنشود.

بنسعيد و القضية الفلسطينية

لقد ناصر محمد بنسعيد القضية الفلسطينية و دافع عن حق الشعب الفلسطيني في بناء دولته المستقلة و عاصمتها القدس و عن حق العودة للّاجئين و تحرير الأسرى من سجون الكيان الصهيوني و تطبيق القانون الدولي و معاقبة مجرمي الكيان على ما اقترفوه في حق الشعب الفلسطيني. بن سعيد استقبل قيادات فلسطينية و انتقل إلى مخيّمات اللاجئين في لبنان و سوريا. كما نظم لبعضهم زيارة بأقاليمنا الجنوبية ممّا جعلهم يعون الفرق الشاسع ما بين القضية الفلسطينية و قضية ّالصحراء الغربية” المغربية و هو ما دفعهم إلى تغيير رأيهم و الإقرار بحق المغرب في استكمال وحدته الترابية. كما ظلّ مقتنعا بأنّ النضال الديمقراطي جزء لا يتجزّأ من النضال من أجل دعم القضية الفلسطينية  و  أنّ بناء مغرب ديمقراطي هو دعم للقضية الفلسطينية كما أكّد ذلك القائد نايف حواتمة، في إحدى زياراته للمغرب مدعوّا من قبل رفيقه محمد بنسعيد أيت إيدر.

و إذا كان من غير الممكن الإحاطة بكلّ الواجهات النضالية لرفيقنا محمد بنسعيد فإنّ القضية الفلسطينية ظلّت من أولى القضايا  التي انخرط في الدفاع عنها كما عمل على فضح المخطط الصهيوني و مشروعه الاستعماري العنصري.  و نحن اليوم لازلنا  نشاهد بالمباشر التطهير العرقي و حرب الإبادة التي يمارسها الكيان الصهيوني في حق الشعب الفلسطيني بغزّة و الضفّة الغربية و التي تجاوزها للتدخل في لبنان و سوريا وممارسة  شتّى أشكال العنف و التجويع و تقتيل الأطفال و النساء و الصحافيين و الأطباء، و الحرمان من الماء و الكهرباء و الدواء و  التعذيب اللاإنساني في سجون العار….وكما كان دائم المساندة للشعب الفلسطيني و قضيته العادلة. ولكنّ التطوّر الخطير للأوضاع   يتطلّب منّا مجهودا  مضاعفا و متواصلا لدعم  متجدد و فعّال أمام غطرسة  الكيان الصهيوني و حلفائه الذين يسعون  إلى المرور إلى المرحلة النهائية  لتصفية القضية الفلسطينية و للسيطرة على خيرات المنطقة و الطرق التجارية، وحيث انكشفت لعبة العالم “الحر” و الإيديولوجية الصهيونية التي لا تحترم لا القانون الدولي ولا الإنساني  و تجرّ الأنظمة إلى التطبيع مع الكيان الصهيوني الذي أصبح يخترق المجال العسكري و الصحّي و الأكاديمي و الزراعي وهو ما يشكّل خطرا على مستقبل أوطاننا و صحّة مواطناتنا و مواطنينا.  و هكذا أصبحت القضية الفلسطينية  بمثابة الرئة التي يتنفّس عبرها كلّ الأحرار، و العيون المتبصّرة لفهم خباياه المظلمة، بالرغم من تواطئ المتواطئين من  مطبّعين و من نازيين جدد و من إعلام تحت الطلب و من اغتيال القيادات و شيطنة المقاومة و اعتبارها “إرهابا” ، ومن سياسات التخويف و التضييق  على مساندي القضية الفلسطينية   و اتهام كلّ من يتفوّه بكلمة حق “بمعاداة السامية”. كلّ هذه  الأساليب و أخرى  لم تستطع  أن توقف الدعم الشعبي العالمي الذي يزداد وعيا بأسباب و مسبّبات هذه الأوضاع و الذي يبشّر بالنصر القادم. إنّ  الأوضاع في غزّة  يبيّنت بأن المنتظم الدولي منافق و يكيل بمكيالين و أنّه يوجّه عندما تنهار القيم و تفقد الإنسانية إنسانيتها  و يصير قتل الأطفال مقبولا واغتيال الأطبّاء و الصحافيين أمرا مباحا. اليقضة و تطوير كلّ أشكال “المقاومة” أصبح مفروضا لأن مشروع الغطرسة و الافتراس و العبودية لن يستثني أحدا، إذا ما تمّ التخلّي عن فلسطين، التي تقاوم  من أجل انعتاقنا نحن أيضا، و علينا دعمها بدءا بالعمل على إلغاء التطبيع مع الكيان الصهيوني، الذي فرض علينا ضدّا على إرادة الشعوب و إلغاء كلّ ما نتج عنه من اتفاقيات الذلّ و الاستسلام و أيضا مواصلة العمل على مختلف الواجهات للتقدّم  نحو بناء المغرب الديمقراطي و السعي لتوحيد المغرب الكبير. و هكذا فمن المفروض أن تشكّل مواجهة التطبيع و المطالبة بإلغائه أولوية الأولويات لأنه  يشكّل اختراقا خطيرا على دولنا  ويعتبر وجها من أوجه الهجوم غير المسبوق على هويتنا و مدخلا من مداخل  مخططات التفكيك و التقسيم  و اغتصاب الأرض و محاولة الاستيلاء على المقدّسات و المقدّرات  و الإخضاع أكثر فأكثر للنظام  الإمبريالية العالمي و أدواته لفرض الاستعمار الجديد و الاستعباد الجديد، و ضرب اللغة و الدين و القيم الإنسانية و كلّ ما يمكن أن يوحّد جهودنا للمقاومة و لتتبيث وجودنا…

بنسعيد و القضية الوطنية” ملف الصحراء”

كقائد لجيش التحرير بالجنوب المغربي كان عاقدا العزم على مواصلة استكمال الوحدة الترابية لبلادنا، حتى بعد إعلان الاستقلال في 1965. حيث بقيت سيدي إفني و طرفاية و جهة الصحراء الجنوبية كاملة و جوانب من الصحراء الشرقية تحت قبضة الاستعمار. فرنسا كانت تنوي الحفاض على منطقة الساحل  كاملة من الجزائر و مالي إلى الصحراء المغربية  لتبقي المنطقة تحت سيطرتها لاستغلال الثروات و إجراء التجارب النووية و الحفاض على موقع يسمح لها بالتدخل في القارة الإفريقية.

لقد عرفت فترة ما بعد الاستقلال،  فشل بناء الدولة الديمقراطية  و احتدام  الصراع بين الحركة الوطنية و المؤسسة الملكية حول تقاسم “السلطة” و هكذا سيتم رفض  دستور 1962 الممنوح  الذي ستأتي بعده أحداث 1963 التي صدرت على إثرها أحكام بالإعدام و تم خروج العديد من القيادات الوطنية للمنفى بالجزائر و بعدها بفرنسا و ضمنهم بنسعيد ايت إيدر.

بنسعيد كان يعتبر أنّ مقاومة الاستعمار يجب أن تستمرّ حتى بعد 1956، حيث لم يقبل الاستقلال المبثور و لا الاتفاقيّات الانهزامية و استمرار الاستعمار بأشكال جديدة أكثر شراسة.  و هكذا  اعتبر أنّه  كان بالإمكان تحرير الأقاليم  الجنوبية من صحرائنا   في 1958 ، لولا مؤامرة “إيكوفيان” التي نفدتها فرنسا و إسبانيا ، دفاعا عن مصالحهما و التي سمحت للنظام المغربي من استكمال حلّ جيش التحرير و مطاردة من بقي من المعارضين ّالصامدينّ”  و الوطنيين الحالمين بمغرب كامل السيادة على ترابه يعيش فيه كلّ أبنائه و بناته بكرامة و حرية….

انتقل بنسعيد إلى الجزائر و منها  إلى فرنسا عندما حاول الرئيس الجزائري الراحل “بومدين” جرّ المنفيين إلى مساندة  جبهة “البوليزاريو” الانفصالية، الشيء الذي رفضته المعارضة المغربية في المنفى جملة و تفصيلا وهو ما  بيّن انتهازية “بومدينّ  الذي لم يكتف بمساندة  الانفصال و دعمه على المستوى الدولي و قدّمه كممثل وحيد و أوحد عن “الشعب الصحراوي” و وقف  ضدّ حق  المغرب في استكمال وحدته الترابية لأنّه كان يريد أن تصبح الجزائر الدولة الأولى في إفريقيا و كانت تعتبر أنّ المغرب قد يجعل حلمها مستحيلا و لهذا  سينظم “بومدين”   في سنة 1975  “المسيرة السوداء” و يطرد 350 ألف مغربي كجواب متهوّر على تنظيم المغرب “للمسيرة الخضراء” في 6 نونبر 1975 لاسترجاع صحرائه.

لقد قدّم الرفيق بنسعيد الكثير من أجل استكمال وحدتنا الترابية، و كان إلى جانب القيادات اليسارية البارزة،  دوما يؤكّد على ضرورة الربط  بين مغربية الصحراء و النضال من أجل بناء المغرب الديمقراطي، حيث ظلّ الشعار هو أن التقدّم باتجاه “حلّ سياسي نهائي لملف الصحراء و تقوية الجبهة الخارجية” يمرّ حتماعبر تقوية الجبهة الداخلية بالديمقراطية (الموقف الثوري  من القضية الوطنية الذي أعيد نشره و ترجم إلى خمس لغات  و حرص على إهدائه للسفراء المعتمدين بالمغرب و الذين التقى بهم  أكثر من مرّة. حيث كان يصرّ على  ضرورة تقوية  العلاقات الدولية حيث كان له  اصدقاء كثر في العالم العربي و المغاربي و حتى الأوروبي و في أمريكا اللاثينية و قيادات يسارية دولية  جسد، عبر اللقاء بها، قدرته على الإقناع، كرجل دولة وطني يفرض الإنصات و الاحترام.   تذكر ضمنها دعوته قائد الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين نايف حواتمة لحضور أشغال مؤتمر   منظمة العمل الديمقراطي الشعبي لسنة 2000  و تنظيمه لرحلة إلى مدينة العيون  للقائد الفلسطيني اليساري و الوفد المرافق له. هذه الزيارة التي جعلت الرئيس بومدين يغضب و لم يعد يوجّه له أية دعوة لزيارة الجزائر). و نذكر أيضا  لقاءه ببروكسيل مع السيدة إيزابيل دوران ، نائبة رئيسة وزراء ببلجيكا،  و التي غيرت موقفها من ملف الصحراء بعد الزيارة التي قام بها و و أدلت يومها،  للتلفزة البلجيكية، بتصريح مساند لطرح المغرب . كما أنّ هناك العديد من اللقاءات و المحطّات التي انتصر فيها لقضيتنا الوطنية.

 

بنسعيد و المغرب الكبير مغرب الشعوب:

ظلّ الرفيق بنسعيد مؤمنا بأهمية بناء المغرب الكبير كقوّة في جنوب البحر الأبيض المتوسط تحافض على مصالح  “المغاربة”  و كمنارة بالنسبة للقارة الإفريقية، التي رغم الأطماع التي تستهدفها، تحاول الربط مع نهضتها المؤجلة و لهذا ظلّ  مدافعا على طرح حلّ مغاربي لقضية الصحراء، و كمدخل بناء المغرب الكبير و تقوية مناعته و ضمان تقدّمه|. كان بنسعيد دائم الزيارة للجزائر و موريطانيا و ليبيا و تونس ، كما كان يستقبل القيادات المغاربية في المغرب. حرص إذا على   تأسيس   علاقات وطيدة مع القيادات  و لعب دورا مهمّا في الدفاع عن “القضية الوطنية” حيث كان يتمتّع  بمصداقية وتقدير كبيرين  من قبل  الجميع. كما عمل على تنظيم لقاءات مغاربية  تحت إشراف “مركز بنسعيد للأبحاث و الدراسات” و كان يشتغل على تنظيم ندوة دولية بالمغرب حول “الصحراء المغربية” كان سيحضرها قرابة أربع مئاة  من الشخصيّات تمثل كلّ الأطراف لنقاش ديمقراطي و من أجل التقرّب باتجاه حلّ سياسي دائم و عادل في إطار السيادة المغربية. بن سعيد كان يعرف بأنّ في ظلّ منطق القوة و المصالح الجيواستراتيجية، لا يكف أن تكون صاحب حق و لكن يجب أن تحسن المقاومة لتنال حقّك.  و كان يعرف الدور الجزائري السلبي و المعادي لوحدة التراب المغربي، و التي تعمل على كلّ الواجهات الديبلوماسية و غيرها من أجل عرقلة الحل السلمي لملف الصحراء و تصرّ على اعتباره “مسألة تصفية استعمار” رغم فشل مخطط بيكير في تقسيم الصحراء و اعتراف كل المبعوثين باسم الأمم المتحدة على  استحالة تحديد الكثلة الناخبة و من ثمّ استحالة تنظيم استفتاء.  كما حذّر المجاهد بن سعيد من المشاريع الإمبريالية التي تشجّع الانفصال كمخطط للنيل من سيادة الأوطان و إضعافها كي يسهل إخضاعها و تركيعها و أنّ من يشجّع الإنفصال فإنّما يخدم مصالح الإمبريالية، من حيث يدري أو لا يدري، و حيث أكّد على أنّ خلق “دويلة” في جنوب المغرب يهيمن عليها النظام الجزائري،الراعي و المساند للبوليزاريو، و الرافض لإحصاء المحتجزين بمخيّمات تيندوف،من شأنه أن يجعل الصحراء، منطقة لا قانون و منطقة للجريمة المنظمة من متاجرة في المخدّرات و الأسلحة و البشر والإرهاب.  و لهذا كان  مناهضا للمساس بالوحدة الترابية للأوطان و ضدّ من يخدم المصالح الإمبريالية بتشجيع “جمهورية الريف” في المغرب و بتأييد “جمهورية القبائل ” في الجزائر، كما كان يحذّر من مشروع تقسيم و إعادة إخراج خرائط جديدة  للنفود العسكري و الاقتصادي ضمن “مشروع الشرق الأوسط الجديد”    و “صفقة القرن”  لبسط هيمنة الثنائي الصهيو ـ إمبريالي و ظلّ يؤكد على الحل المغاربي لملف الصحراء و العمل على تفادي الحرب بين الأشقاء و التي تدعو لها الجهات التي تودّ العصف باستقرار منطقة المغرب الكبير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى