في نقد المشهد السمعي – البصري-الرطابي عبد الكريم

إن الإعلام السمعي والبصري العمومي هو الواجهة الرسمية لكل دولة . وكل بلد يتنافس في هذا الحقل لتقديم صورة مشرفة له في قوالب فنية وجمالية ، غايتها إقناع المشاهد بجودة تلك العروض .ولعل من الأهداف الإستراتيجية المنوطة بهذا القطاع هي إبراز مختلف تجليات الهوية المتعددة لغويا وعرقيا وعقديا وثقافيا، وتقديمها في طابق فني وجمالي يراعي خصوصية الإنسان في المناطق والجهات .فهناك تنافسية حادة بين الفضائيات العربية والأجنبية لاستمالة المشاهد المغربي .
والأسئلة التي تطرح اليوم هي ماذا قدم الإعلام العمومي للمشاهدين ؟ وما هي الأسباب التي تجعلهم يهجرون قنواتهم الوطنية ويبحثون عن عروض تلبي فضولهم المعرفي والفرجوي ؟
قبل مناقشة تلك الأسئلة لا بد من نقد مشهدنا السمعي-البصري.
تفكيك المشهد السمعي- البصري يعرف المشهد السمعي – البصري ( القطب العمومي )حوالي عشر قنوات .ما يميز عملها سوء توزيع في عددها وسوء تدبير في المحتوى . ويظهر جليا للمتتبع أن كل قناة تحاول إرضاء الجمهور بما تقدمه وكأنها جزيرة معزولة عن مكونات المشهد الإعلامي الرسمي .
1 – المجال الرياضي رغم وجود قناة خاصة بالرياضة (الرياضية3) فإن كل قناة تصر على تقديم فقراتها الرياضية (القناة الأولى والثانية ). وهناك أطقم خاصة ( باللغتين العربية والفرنسية). أما عن مقابلات المنتخب المغربي فتصر جميع القنوات (1و2و3و4و5و8 ) على النقل المباشر لهذه المقابلات في غياب تام لاحترام رغبات المشاهدين .وهذا من أسباب عزوفهم.
2 – مجال الأخبار تتنافس القناة الأولى والثانية في نشرات الأخبار باللغة العربية والفرنسية والأمازيغية ) .ولكل قناة أطقم كاملة من المحررين والمراسلين والمقدمين والمخرجين باللغات الثلاثة .
3 – فقرة أحوال الطقس تقدم القناة الثانية نشرتين لأحوال الطقس (فرنسية وعربية) من خلال طاقمين خاصين ..
مقترحات عملية غير مكلفة لذلك أرى أن هذه القنوات في حاجة إلى إعادة هيكلتها بشكل براغماتي.هيكلة تشمل عددها ،وهيكلة تشمل محتوياتها .
ا- الهيكلة من حيث الكم هناك تسع قنوات عمومية .ثلاث منها لا تعنينا في هذاالمقام وأعني قناة الأمازيغية وقناة محمد 6للقران الكريم وقناة الرياضية . أما القنوات المتبقية فهي بيت القصيد.
– فالقناة الثقافية4 يمكن إدماجها في القناة السابعة مع تمديد زمن البث .
– القناة الخامسة إنها قناة تجتر البرامج وتعيد نشرات الأخبار التي تقدمها القناة الأولى والثانية كل يوم . فما هي القيمة المضافة للقناة 5؟ لذلك يستحسن أن تتحول إلى قناة تعليمية.
– قناة المغرب 24 ما الجدوى منها ؟ وما الإضافة النوعية التي تقدمها للمشاهد في مجال الأخبار؟
ب- الهيكلة من حيث المحتوى ( المضمون ) وتشمل هذه الهيكلة
– القناة الأولى فهي صورة المغرب الرسمي باللغة العربية
.لهذا عليها أن تقدم نشرات الأخبار باللغة العربية ونشرات أحوال الطقس والأخبار الرياضية(موجزة) باللغة العربية .لأنها موجهة إلى فئة من المشاهدين داخل الوطن وخارجه ( جاليتنا في الخارج )
– القناة 2 هي صورة المغرب الرسمي باللغة الأجنبية
. لهذا ينبغي حصر نشرات الأخبار وأحوال الطقس وأخبار الرياضة باللغة الفرنسية فقط .
لأنها موجهة إلى الجمهور الفرانكفوني داخل الوطن وخارجه .
فمن خلال إعادة توزيع البرامج ودمجها بين القناة 1 و2 سنقلص من الأطقم الفنية ومن مقدمي الأخبار ومن كثلة الأجور وتكلفة البرامج وإعدادها .
إعادة الهيكلة بهذه الطريقة ستمكن الجهاز الوصي من ترشيد النفقات وإعداد البرامج والأطقم الفنية والتقنية . وفي هذا السياق سنكسب أطرا فنية وتقنية (مخرجين ومصورين ومساعدين وصحافيين ) تتم إعادة انتشارهم للمساهمة في الرفع من المستوى الفني للقطاع بإنتاج برامج ثقافية وفنية ترفع من الذوق العام للمشاهدين . فلا يعقل أن تتوفر كل قناة (الأولى والثانية ) على طاقمين صحفيين باللغة العربية واللغة الفرنسية ( مقدمين ومخرجين ومراسلين ). فقنوات القطب العمومي ينفق عليها من المال العمومي . ومن حقي كمواطن أن أقول إن تقديم الأخبار في القناة 2وتقديم نشرة الطقس وتقديم الموجز الرياضي باللغتين فيه إسراف وتبذير للمال العام . لأن نفس البضاعة تقدمها القناة الأولى باللغتين العربية والفرنسية . ويصبح السؤال المطروح من المستفيد من هذه الازدواجية ومن هذا التبذير المفرطين؟ وما هي الإضافة التي تقدمها كل قناة باللغتين ؟ بهذه المنهجية سنحصل على ثلاث قنوات موجهة إلى جمهور متعدد اللغات واللهجات . فالقناة الأولى موجهة للناطقين باللغة العربية والقناة 2 موجهة إلى الناطقين بالفرنسية والقناة الأمازيغية موجهة إلى الناطقين بتشلحيت وتارفيت وتمازيغت .
– إعادة هيكلة القناة الثقافية ( بعد دمجها في القناة السابعة ) وجعلها منبرا لنشر الثقافة المغربية والعربية والعالمية ، من خلال بث برامج من الأرشيف الوطني للأغاني والمسرحيات والسمفونيات الوطنية وغيرها . إعداد برمجة يومية وأسبوعية لإعادة بث هذا الأرشيف الذي ينتمي للزمن المغربي الجميل ( تجربة روتانا كلاسيك ) .
– تحويل القناة الخامسة إلى قناة تعليمية موجهة لتلاميذ المرحلة الابتدائية والإعدادية والثانوية ، مع برمجة موادها لتكون مناسبة لجميع المستويات الدراسية .
– قناة المغرب 24 إذا كان لا بد من بقائها فيستحسن توسيع موادها وجعلها قناة لتغطية جلسات مجلس النواب بغرفتيه ،وتغطية أنشطة الوزراء. وهذه أنشطة تنفر المشاهدين من القناة الأولى . -إعادة النظر في الحيز الزمني لنشرة الأخبار (القناة الأولى).
– إعادة النظر ومراجعة الأجور الخيالية للمسؤولين والموظفين بهذه القنوات ( صحافي كان يتقاضى 8ملايين سنتيم شهريا دون أن يقوم بعمل 1 )
– إسناد مهام تسيير هذه القنوات إلى شخصيات تنتمي للمجال السمعي
– البصري وذات تجربة وكفاءة ونزاهة ، مع تعيين مصالح يشرف عليها أهل الاختصاص بعيدا عن سلطة الهاجس الأمني التي تميز المسؤولين حاليا .
– تشجيع القطاع الخاص على إنشاء قنوات مرئية خاصة وفق دفتر للتحملات لتقديم الإضافة النوعية للمشهد السمعي – البصري.
– التعاقد مع مخرجين وفنانين مغاربة لإنتاج رسوم متحركة موجهة للأطفال باللغات الثلاثة تستمد مادتها الخام من الموروث الثقافي والشعبي وشخصياته التاريخية (استثمار شخصيات كزينب النفزاوية السيدة الحرة، يوسف بن تاشفين ، المنصور الذهبي ، السفير ابن عائشة ، الشهيد الزرقطوني …) وشخصيات أسطورية محلية ( احديدان وهاينة ،حكايات من الصحراء وحكايات أمازيغية .)
– الاستغناء عن برامج الأطفال المستوردة فهي موجهة لجيل معين داخل منظومة ثقافية وبيئية تختلف عن منظومتنا البيئية والثقافية .
لا شك أن المسلسلات التركية والمكسيكية والبرازيلية تكلف كثيرا خزينة الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة . وإذا أضفنا إليها تكاليف الدبلجة فإن الفاتورة ترتفع أكثر . مقابل هذا الإسراف المعيب يمكن توظيف هذه النفقات غير الضرورية في تحريك ودعم صناعة سينمائية تتيح الفرص للمخرجين والمهندسين والتقنيين والممثلين للاشتغال بشكل منتظم . فعرض مسلسل أجنبي معناه إقصاء أطقم فنية وتقنية وممثلين من دائرة العمل وإفلاس للإنتاج الوطني .
– وفيما يتعلق بالمراسلين الصحافيين والأطقم الفنية المرافقة لهم خارج الأستوديو وخارج الوطن تكتفي الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة بطاقم واحد متعدد اللغات واللهجات يسهر على نقل الأحداث يحمل (لوغو) الشركة الوطنية،أو تفويض هذا العمل لوكالة المغرب العربي للأنباء .
إن تجربة فاطمة بوبكدي أعطت نموذجا رائدا ومحترما في هذا المجال.فأعمالها الفنية تحترم الهوية المغربية الغنية والمتعددة من خلال بعث الروح في شخصيات خيالية تطبع ذاكرتنا الجماعية، موظفة حبكة فنية جميلة تعتمد على الإيجاز في الحوار بين الشخوص ،مع استغلال المناظر الطبيعية والملابس (غير المكلفة) بشكل جيد أعطى لأعمالها بعدا جماليا وجماهيريا.
1 – بوشرى الضو في حوار مع الصحافي المعني ..
برشيد 30/01 /2023