الدراما التاريخية وتلفزتنا – الرطابي عبد الكريم

لفت انتباهي مسلسل (هارون الرشيد) الذي تعرضه قناة (شدى) المغربية ،وكذلك الحوار باللغة العربية ،فتساءلت لماذا لا تجرؤ قنواتنا العمومية على طرق باب الدراما التاريخية ؟ لماذا لا توظف قنواتنا اللغة العربية الفصيحة في أفلامنا ؟هل نحن أمة بدون أرصدة لغوية وتاريخية ؟ ألا تستحق شخصيات مغربية غيرت مسار حضارتنا إلى الأجمل أن يحتفل بها إعلامنا البصري ويعيد تقديمها إلى المشاهدين والناشئة؟ ألا تستحق هذا التقدير وهذه الحفاوة؟ فهل نخشى الدراما التاريخية؟وهل نحن غير مؤهلين لانجازها ؟
أولئك صنعوا مجدنا وهويتنا وحضارتنا .فهل نحتاج إلى استيراد دراما تاريخية من بلدان أخرى؟ إنه لشيء مقرف ويسيء إلى حضارتنا وهويتنا المتعددة.فنحن نفتخر بأبطال غيروا وجه التاريخ .لنا يوسف بن تاشفين وطارق بن زياد والسلطان (محمد الشيخ) قاهر العثمانيين في معركة (وادي اللبن)،والمنصور الذهبي قاهر الإمبراطورية البرتغالية،ولنا المولى إسماعيل الذي غزت جيوشه البلدان الاسكندينافية بقيادة السفير ابن عائشة .لنا نساء صنعن مجد أمتنا ،لنا كنزة الأوربية وزينب النفزاوية والسيدة الحرة وخناتة بنت بكار…
قد يرد البعض بأن هذه الأفلام التاريخية تكلف كثيرا.أقول أيهما كلف كثيرا؟هل برنامج مشيتي فيها أم هذه الأفلام؟فالبرنامج السالف قدم مشاهد وخلفيات ولوجستيك (مسابح ،فنادق 5نجوم ، سيارات فارهة ،طائرات ويخوت…) تستدعي ميزانية خيالية بدون أدنى نتيجة.أما الأفلام التاريخية فلا تحتاج إلى هذه الترسانة من العتاد.تحتاج فقط إلى خلفيات طبيعية عذراء سهول ،جبال ،أنهار ،صحاري ورمال ،ثلوج…).أما الملابس فلا تحتاج إلى ماركات عالمية. إنها تمتح من ملابس أجدادنا وما تمتاز به من بساطة تلائم مثلا بساطة يوسف بن تاشفين وعصره وبيئته.فالأدوات المستعملة يمكن توفيرها بأبخس الأثمان.قد يحتاج الفيلم إلى خمسة سيوف حقيقية مصنوعة من الحديد ، وبالمقابل نوفر آلاف السيوف الخشبية مغلفة بورق الألمنيوم.وسائل النقل التي يحتاجها الأبطال متوفرة (خيول بغال حمير وجمال) هي أمور هينة إذا توفرت الإرادة عند الفاعلين والمعنيين.إنها لا تعني طرفا واحدا فقط، بل تعني الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة وتعني المركز السينمائي المغربي وتعني وزارة الثقافة وتعني القطاع الخاص إذا توفر فيه الحس الوطني لتمويل هذه الأعمال.
على أن إنتاج عمل تاريخي يتطلب مجموعة من الفاعلين في كتابة السيناريو، محققين للمادة التاريخية ومراجعين للغة الحوار(لغات الحوار بعد الدبلجة).أما النصوص الروائية التاريخية فهي متوفرة.فالمكتبة الوطنية بالرباط تتوفر على نماذج من الروايات …
مسألة أخرى لا بد من الإشارة إليها وهي توظيف اللغة العربية في الحوار بين الشخوص. إنها مناسبة لتلقين وتدعيم تعلمات أطفالنا ليدركوا أن ألفاظ (ستيلو والكوزينة…) لا تمت إلى لغتنا بل ألفاظ(قلم ومطبخ )هي الأصل.فبتوظيف اللغة الفصحى يراجع الطفل تعلماته لإعادة برمجة هذه المصطلحات في ذاكرته.
برشيد 09 / 03 / 2025