وجهة نظر

جدل سياسي تحت قبة البرلمان المغربي: الأغلبية ترفض لجنة تقصي الحقائق وتلجأ إلى بديل أقل تأثيرًا-الحنبلي عزيز

في خضم نقاش سياسي محتدم داخل البرلمان المغربي، أثار موقف أحزاب الأغلبية، وفي مقدمتها حزب التجمع الوطني للأحرار بقيادة عزيز أخنوش، الكثير من الجدل بعد رفضها دعم مقترح المعارضة بتشكيل لجنة تقصي حقائق حول دعم مالي ضخم قُدِّم لمستوردي الأغنام واللحوم الحمراء. وبدلاً من الانخراط في هذه الآلية الدستورية الرقابية، اختارت الأغلبية تفعيل لجنة استطلاع مؤقتة، في خطوة اعتبرها عدد من المراقبين تحايلاً على الحق الدستوري في كشف الحقيقة أمام الرأي العام.

لجنة تقصي الحقائق أم لجنة الاستطلاع: اختلاف في الدور والفعالية

من الناحية القانونية، هناك فرق جوهري بين اللجنتين. فـ”لجنة تقصي الحقائق” تُعد آلية رقابية قوية ينص عليها الدستور، وتشكل بطلب من ثلث أعضاء مجلس النواب. تتمتع هذه اللجنة بصلاحيات واسعة تشمل الاطلاع على الوثائق، واستدعاء المسؤولين، وإصدار تقرير علني قد يُحال على القضاء.

في المقابل، “لجنة الاستطلاع” هي أداة برلمانية ذات طابع مرن، تفتقر في الغالب إلى القوة الإلزامية، وغالبًا ما تبقى تقاريرها في إطار محدود لا يصل إلى الرأي العام بنفس الجدية أو التأثير.

اختيار الأغلبية لهذا البديل يثير تساؤلات حول النوايا الحقيقية، خاصة وأن القضية تتعلق بمبالغ مالية ضخمة، وسياق اقتصادي صعب، وملف حساس يمس الأمن الغذائي وثقة المواطنين في نزاهة المؤسسات.

علامات استفهام حول الملف والدعم الحكومي

الملف موضوع الجدل يتعلق بمنح دعم مباشر لمستوردي اللحوم الحمراء والأغنام، في وقت شهدت فيه الأسعار ارتفاعًا كبيرًا. ورغم تصريحات الحكومة التي برّرت الخطوة بالحفاظ على تموين السوق الوطني، فإن التساؤلات لا تزال قائمة:

  • من هم المستفيدون الفعليون من هذا الدعم؟

  • هل تم احترام مبادئ الشفافية وتكافؤ الفرص؟

  • ما تأثير هذا الدعم على الأسعار فعليًا؟

  • هل توجد علاقات محتملة بين بعض المستوردين ومسؤولين حكوميين؟

أسئلة من هذا النوع لا يمكن للجنة استطلاع مؤقتة أن تجيب عنها بوضوح، نظرًا لمحدودية صلاحياتها.

الرقابة البرلمانية في مهب الريح

رفض تشكيل لجنة تقصي الحقائق لا يعبّر فقط عن خشية من كشف معلومات محرجة، بل يعكس خللًا أعمق في التوازن بين السلطتين التنفيذية والتشريعية. إذ أن تحكم الحكومة في أدوات الرقابة يفرغ العمل الديمقراطي من جوهره القائم على الشفافية والمساءلة.

الرسالة التي تصل إلى المواطنين من خلال هذا الموقف هي: “لسنا مستعدين للكشف عن الحقيقة كاملة، حتى لو تعلّق الأمر بالمال العام.”

الديمقراطية لا تخشى الحقيقة

في ظل هذا السياق، فإن محاولة الالتفاف على آليات الرقابة الدستورية لا تعني فقط تقليص دور البرلمان، بل تُفقد المؤسسات مصداقيتها أمام الرأي العام. فالديمقراطية السليمة لا تُدار بالخوف من المساءلة، بل تُقوَّى بها.

ما حدث داخل مجلس النواب لا يمكن اختزاله في اختلاف تقني حول أدوات رقابية، بل يعكس أزمة ثقة متنامية بين الحكومة، المؤسسة التشريعية، والمواطن المغربي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى