وجهة نظر
المرحاض… منصة الظهور الجديدة!

في زمن العبث الرقمي طغى فيه الاستعراض على الاستحقاق، وأصبحت فيه عدسة الهاتف هي الفيصل بين الحضور الحقيقي والافتراضي، برزت ظاهرة تستحق أن نتوقف عندها بجدية: التقاط الستوريات أمام مرايا المراحيض في المقاهي والمطاعم.
ما الذي حدث حتى صارت مرآة المرحاض فضاءً مفضلاً لعرض الصور؟
هل غدت الخصوصية عبئاً، والذوق رفاهية، والحياء عيباً؟
أيُّ خلل في المعايير هذا الذي يجعل من بلاط المرحاض، ومرآته الكبيرة ، وإضاءته الخافتة، خلفية لصورة يُراد بها الإعجاب والانبهار؟
ما يجري لا يعتبر موضة عابرة، بل انعكاس لانهيار تدريجي في سلم القيم: حيث تتحوّل أكثر الفضاءات حميمية إلى منصة استعراض، ويُستبدل الإحساس بالخصوصية برغبة مرضية في نيل القبول الرقمي، وتُقدّم الأنوثة لا كحضور راقٍ، بل كصورة أمام مرآة… في الحمام!
هذه ليست حرية شخصية كما يدّعي البعض، بل سطحية جماعية تخترق الذوق العام، وتؤشر على فراغ داخلي عميق.
وليست جرأة، بل تخلي عن قيم الحشمة والرقي، وترويج لنموذج أنثوي مشوه لا يربطه شيء بجمال الشخصية أو عمق الفكر.
أي منطق يقود فتاة أنيقة، متعلمة، مثقفة – أو تدّعي ذلك – إلى اعتبار الحمام خلفية جيدة لعرض صورتها؟ هل وصلنا إلى مرحلة نحتاج فيها للاعتراف أننا لم نعد نميز بين ما يُعرض وما يُستر؟ بين ما يُحتفى به وما يُحتشم فيه؟
هذه ليست “حرية تعبير”، بل إهانة للذوق العام. وليست “ستايل”، بل إفلاس قيمي. وليست “لحظة عفوية”، بل سلوك جماعي يعكس اضطرابًا في البوصلة الاجتماعية.
نحن اليوم بحاجة إلى إعادة تعريف العلاقة بين الإنسان والتكنولوجيا، بين الصورة والمعنى، بين الخصوصي والعام.
فالمرحاض، مهما كان مصممًا بذوق رفيع، يبقى مرحاضًا. ولا ينبغي أن يُمنح دورًا أكبر من ذلك… لا في الواقع، ولا في الستوري.
بقلم: هشام فرجـي