عودة بنكيران: العدالة والتنمية بين وهم العودة وأزمة المشروع السياسي

الحنبلي عزيز
خرج حزب العدالة والتنمية من مؤتمره الوطني التاسع كما يخرج المصباح من العتمة: مضيئًا، لكنه يحمل في داخله كل عوامل الانطفاء مجددًا. لم تكن عودة عبد الإله بنكيران إلى الأمانة العامة مفاجأة بقدر ما كانت تعبيرًا صارخًا عن أزمة بنيوية يعيشها الحزب، تتجسد في الارتهان لمنطق الزعامة (الشيخ /المريد ) بدل التأسيس لرؤية سياسية متجددة.
بنكيران، الذي انتُخب يوم الأحد في بوزنيقة بـ994 صوتًا من أصل 1402، أي بنسبة 69 في المائة، لم يجد منافسًا حقيقيًا بين خصومه الداخليين. إدريس الأزمي الإدريسي حصل على 394 صوتًا، بينما لم يتجاوز عبد الله بووانو 42 صوتًا. هذه النتائج تعكس، بوضوح، ميلاً عامًا داخل الحزب إلى الالتفاف حول “الزعيم”، لا حول فكرة، أو مشروع، أو أفق سياسي جديد.
إن العودة إلى بنكيران ليست مجرد استعادة لوجه سياسي مألوف، بل هي تمظهر لانكماش الحزب نحو ذاته التقليدية، وعجزه عن تحويل نكسة 8 شتنبر 2021 إلى فرصة نقد ذاتي عميق وتجديد شامل في الخطاب والهياكل والمرجعيات. فبدل أن يراجع الحزب تحالفاته الهشة مع مراكز النفوذ التي طالما اتهمها بـ”التحكم”، وبدل أن يجدد آليات اشتغاله مع المجتمع، اختار أسهل الطرق: اللجوء إلى الرمز القادر على حشد التعاطف وترميم المعنويات، ولو مرحليًا.
الخطير أن هذا الخيار يكشف أن الحزب، رغم كل مشاركته في اللعبة الديمقراطية، لم يتحرر بعد من منطق التمركز حول الزعيم الكاريزمي، ولم يؤسس لشرعية سياسية تقوم على المؤسسات والبرامج والأفكار. وكأن التجربة الحكومية التي دامت عشر سنوات، وما رافقها من تصدعات داخلية وضغوط خارجية، لم تعلم الحزب أن السياسة الحديثة لا تبنى على الشعارات ولا على الرموز وحدها، بل على العمل الجماعي والرؤية الواضحة.
ليس سرًا أن العدالة والتنمية يعيش اليوم أزمة هوية مزدوجة: أزمة ثقة مع ناخبيه الذين عاقبوه بشدة، وأزمة داخلية مع كوادره وشبابه الذين يبحثون عن أفق سياسي جديد. ومع ذلك، يبدو أن الحل الذي اختاره عبر مؤتمر بوزنيقة هو تأجيل مواجهة هذه الأزمة، لا معالجتها.
في هذا السياق، تكتسب عودة بنكيران دلالة رمزية مؤلمة: عودة إلى الوراء بدل التقدم، إلى الشخص بدل الفكرة، إلى الحنين بدل الابتكار. وهذه المفارقة العميقة هي ما يجعل تجربة المصباح اليوم تستحق أن تُروى، لا باعتبارها قصة نجاح، بل كنموذج لحزب أتيحت له فرصة صناعة التاريخ، فاختار أن يكتفي بإعادة تدوير الماضي.
ختامًا، قد يكون بنكيران قادرًا على إحياء حماس بعض قواعد الحزب، وقد ينجح في تحسين صورته الإعلامية مؤقتًا، لكن الأكيد أن العدالة والتنمية يحتاج أكثر من مجرد عودة زعيم: يحتاج إلى ثورة فكرية وتنظيمية حقيقية، إن أراد أن يعود فاعلًا في المشهد السياسي بدل أن يظل مجرد شاهد على تحولات لا يملك مفاتيحها.
ختامًا مرة اخرى ، بنكيران لم يقرأ جيدا تجربة العشر سنوات ، خصوصا تجربة البلوكاج وإعفاء ه من ترؤس الحكومة..يريد أن ينبعث من رماد عشر سنوات ولا يدرك أن صفحته طويت..
بنكيران يعود.. والمصباح يحترق في صمت..