بين الفلاحة والثقافة: أي مستقبل نريد لمغرب الغد؟
إن مغرب الغد لا يمكن أن يبنى فقط بالجرار والمعول، بل يحتاج إلى القلم والفكرة أيضًا. لا تنمية بدون فكر، ولا سيادة بدون وعي، ولا تقدم بدون ثقافة.

الحنبلي عزيز
شهد المغرب في أبريل 2025 مشهدًا فريدًا يلخص، ببلاغة الأرقام، معادلة الأولويات في المجتمع المغربي. ففي الأسبوع ذاته، الذي التأم فيه عشاق الأرض في مكناس لحضور الدورة السابعة عشرة للملتقى الدولي للفلاحة، كان عشاق الفكر والكتاب يتوافدون على العاصمة الرباط لحضور الدورة الثلاثين للمعرض الدولي للنشر والكتاب. لكن المقارنة بين الحدثين تطرح سؤالًا محرجًا: لماذا يتفوق الزخم الفلاحي على الحضور الثقافي بهذا الشكل اللافت؟
أكثر من مليون زائر حجوا إلى الملتقى الفلاحي، مقابل 403 آلاف فقط زاروا معرض الكتاب. الفارق صارخ، بل يدعو إلى التأمل. هل هو انتصار للواقعية الاقتصادية على القيم الرمزية؟ أم أنه مؤشر على أزمة عميقة في علاقتنا مع الثقافة؟
الفلاحة، دون شك، ليست مجرد نشاط اقتصادي. إنها امتداد لهويتنا الجمعية، وركيزة من ركائز الأمن الغذائي والسيادة الوطنية. لكن في المقابل، الكتاب ليس ترفًا، ولا رفاهية فكرية للنخبة. إنه شرط أساسي لبناء المواطن القادر على التفكير، والاختيار، والمشاركة الواعية.
تصريحات المشاركين في الحدثين تكشف عن وعي متباين. فمن جهة، يفتخر منظمو الملتقى الفلاحي بالإقبال الجماهيري، ويعتبرونه دليلًا على “ارتباط المغاربة بأرضهم”، ومن جهة أخرى، تعبّر كاتبة مشاركة في المعرض الثقافي عن خيبة أملها إزاء استمرار تهميش الكتاب، وكأن الثقافة قدرها أن تبقى في الهامش.
لكن الحقيقة أن الثقافة لا تعيش أزمة شعب، بل أزمة سياسات. فحين تضع الدولة كل ثقلها وراء دعم القطاع الفلاحي بمنظومات تشجيعية، ولا تمنح الثقافة نفس الزخم في الدعم والبنية التحتية والتحفيز، فإن النتيجة تصبح منطقية.
لقد حان الوقت لوضع خطة ثقافية وطنية جريئة، تتجاوز المناسبات والكرنفالات، نحو سياسة عمومية تدمج الثقافة في التنمية الشاملة. من دعم المكتبات العمومية في القرى، إلى إنتاج محتوى رقمي يجذب الشباب، ومن إدماج الكتاب في الحياة المدرسية، إلى دعم الصناعات الثقافية والإبداعية.
إن مغرب الغد لا يمكن أن يبنى فقط بالجرار والمعول، بل يحتاج إلى القلم والفكرة أيضًا. لا تنمية بدون فكر، ولا سيادة بدون وعي، ولا تقدم بدون ثقافة.