حوار تنوير مع الكاتب المبدع خالد أقلعي”الإبداع الأصيل هو الاستثناء،و السبب يعود إلى تراجع ممارسة القراءة، و دورالمؤسسات الثقافية، الرسمية والمدنية والنقّاد أيضا..”

نعيمة ايت إبراهيم -تطوان
س1 : بداية من هو خالد اقلعي؟
ج: خالد أقلعي كاتب مغربي من مواليد مدينة تطوان لعام 1965، درس بها إلى أن تخرّج في جامعتها حاصلا على الدكتوراه في الأدب العربي عام 2005. كتب القصة والرواية والمسرحية والسيناريو،والمقالة النقدية والترجمة، كما أنجز أفلاما تربوية ، واسهم في التنشيط الثقافي والفنيّ . فهو عضو اتحاد كتاب المغرب منذ 1996، وهو أحد مؤسّسي عيد الكتاب بتطوان في حلّته الجديدة (1997)، كما أنه عمل ضمن الكتابة الدائمة لمهرجان تطوان السينمائي. حصل على مجموعة من الجوائز الأدبية مثل: جائزة اتحاد كتاب المغرب للأدباء اشباب2014. جائزة محمد الحمراني للرواية العربية بالعراق، جائزة مصطفى عزوز لأدب
الطفل” بتونس 2014
س 2: قدمت بأعمالك تجربة إبداعية مفتوحة على حقول مختلفة، باقة متنوعة من قصة قصيرة ورواية ونقد وترجمة إلى أي جنس أدبي يميل خالد أقلعي أكثر؟
ج: سؤال طريف ، فعلا.. والإجابة عنه تكون في شقّين اثنين: يتعلّق الشقّ الأول بالتنوّع الإبداعي؛ صحيح أنني كتبت في مجموعة من الأجناس الأدبية مثل: القصة القصيرة والرواية والمسرحية والسيناريو، أيضا، والترجمة والنقد الأدبي وأدب الطّفل…إلاّ أن هذه التجارب كانت وليدة رغبة في إفادة تلامذتي بما يمكن أن يطوّر معارفهم ومهاراتهم الأدبية. فالدّافع إلى اكتشاف مكونات هذه الأجناس، وخصائصها الفنية كان، في البداية، لغرض تعليميّ، لكنه تحوّل مع مرور الوقت إلى ممارسة إبداعية يومية، جعلتني أكتشف بأن هذا المجهود التعليمي التربوي لم يذهب هباء منثورا، وأنني كنت أول المستفيدين منه، وليس تلامذتي وحسب. أما الشقّ الثاني للسؤال، فيتعلّق بأيّ جنس أدبيّ أميل إلى كتابته أكثر. وهنا أعترف أنني أميل إلى كتابة النصوص السردية القصيرة، لأنني أدرك جيّدا حجم خبرتي في هذا النوع من الكتابة، التي لم أمارسها في حقل القصة القصيرة، وحسب، وإنما مارستها حتّى وأنا أبني عوالمي الروائيّة ، بحيث صمّمت فصول روايتي لتكون فصولا سردية قصيرة ومكثّفة بما يسهّل على القارئ الحديث مواصلة قراءة هذه الأعمال من دون أن يشعر بالملل الذي ينتج، عادة، عن طول الفصول الروائية.
س 3: في نظرك أيهما أشق وأعقد الكتابة للأطفال أو الكتابة للكبار؟
ج: ما في شكّ في أن الكتابة للأطفال أصعب بكثير من الكتابة للراشدين. ومردّ ذلك إلى مجموعة من الاعتباراتـ التي منها ما يرتبط بطبيعة الكتابة ذاتها، التي ينبغي أن تكون بلغة سهلة ميسّرة، من دون إسفاف طبعا، ألفاظها وعباراتها منتقاة بعناية، ومضامينها ذات قيمة إنسانية وأخلاقية وعلمية، فالكتابة للطفل هي فعل تربويّ أولا قبل أن تكون فعلا ثقافيّا..إلاّ أن هذا الفعل التربويّ ينبغي أن يتشكّل فنيّا بحيث لا يتحوّل إلى مادّة تعليمية جافّة صرفة كتلك التي يتلقّاها التلميذ في الفصل. القيم التربوية في أدب الأطفال ينبغي أن تذوب في أثناء الصياغة الفنيّة بحيث تنتقل إلى القارئ الصغير من دون أن يشعر بها، تماما كما ينتقل الدواء السائل إلى شرايين المريض من دون أن يحسّ به، لكنه، بعد حين، يشعر بتحسّن في صحته، ويسعد باسترجاع عافيته. وإذن لابدّ من الموازنة بين التربية والمتعة والتّسلية. ثمّ إن من هذه الاعتبارات ما يعود إلى تكوين الطّفل ذاته، في مراحله العمرية المختلفة التي ينبغي مراعاتها عند الكتابة؛ وخيال الطّفل، في هذه المراحل، في أوّج تكوينه وتنوّعه، ولذلك على الكاتب أن يكون واعيا بهذا الأمر لكي يسهم في إثراء هذا الخيال وتحفيزه إلى المشاركة في إبداع النصّ، وليس الاكتفاء بدوره كمتلقّي. ومن ثمّ مساعدته على تعلّم كيفية تنظيم تفكيره. وأخيرا، الشخصيات القصصية التي تقدّم للأطفال ينبغي أن تكون شخصيات طريفة، لطيفة وحيويّة، بما يكفي، لتجذب انتباههم واهتمامهم. وأن تقدّم في أوضاع وفضاءات وأزمنة مختلفة لكي يقتنع الأطفال بواقعها التخييلي؛ فمن الصّعب جدّا إقناع الأطفال قصصيّا!
س 4: صياغة الأدب لا يأتي من فراغ، بل لا بد من وجود محركات، حدثنا عن أعمالك وما الذي يميزها؟
ج: الحقّ أن محفّزي الإبداعي ، بعد القراءة طبعا، كان دائما، ومنذ طفولتي، رغبتي في المشاركة؛ مشاركة الأسرة والأصدقاء والجيران أفكاري، وآمالي ورغباتي، بل ومشاهداتي الواقعية والتلفزيونية..وعندما بدأت أنظم شعرا، أشركت صديقيّ الشاعرين رضوان أعيساتن وأسعد البازي، في مساء صيفيّ، تجربتي التي لمسا فيها سمات نثرية واضحة. وهو ما جعلني أولّي وجهي شطر الكتابة القصصية. وعندما التحقت بالجامعة أشركت معلّمي الدكتور محمد أنقار في محاولاتي القصصية الخجولة، فكانت توجيهاته، وهو الخبير بعوالم السّرد، بمنزلة دروس محكّمة أفدت منها كثيرا. وكذلك كانت ملاحظات الدكتور محمد مشبال في لقاءاتنا المتكررة “بمقهى المنزه” بتطوان. ثمّ إنني في مرحلة متأخرة أشركت صديقي الشاعر والإعلامي المعتبر محمد بشكار تجربتي القصصية التي كانت (محاصرة)..فكان لنزاهته وإنسانيته الرّحبة دور كبير في تعرّف القارئ المغربي على اسمي، وكنت حصلت للتوّ على جائزة اتّحاد كتاب المغرب للقصة القصيرة(دورة1994)، التي حكّمها مبدعون كبار هم: الدكتور نجيب العوفي، والدكتور الطّائع الحداوي، والمبدع محمد الشركي. وحصلت بها على عضوية اتحاد كتاب المغرب لعام (1996)، بمعيّة مجموعة من المبدعين المغاربة، ومنهم المرحوم العربي باطما…ولا أزال، إلى أيامنا هذه، أشارك زوجتي وأبنائي وأصدقائي المبدعين والناشرين والنقاد ما يجول بخاطري من أفكار وحبكات….وأعتقد أن محفّز المشاركة هو المحفّز الحقيقي الضامن لاستمرارية المبدع في مسيرته الإبداعية، وكلّ ما دونه من رغبة في الشهرة أو المال ليست إلاّ حوافز أقلّ شأنا وتأثيرا من حافز المشاركة.
س 5: المبدع والمثقف له دور فعلي ومؤثر في المنظومة الاجتماعية التي يعيش فيها ويتفاعل معها إلى أي مدى تتفق ؟
ج: أتّفق معك في أن دور المبدع والمثقّف طلائعيّ في المجتمع ، ذلك أنه ملزم بأداء مهام توعوية وتثقيفية، فضلا عن مهامه الأسرية والمهنية. إلاّ أنه ينبغي أن يكون واعيا بحدود دوره الاجتماعيّ لكي لا تلتبس عليه الأمور، ويجد نفسه بعيدا كلّ البعد عن وظيفته الأساس، وهي الإبداع. ماذا أقصد بهذا الكلام؟ أريد أن أقول أن المبدع يستطيع في أثناء إبداعه أن يمارس السياسة والاجتماع والاقتصاد والتربية…وغيرها من الأنشطة الموجّهة للمجتمع، لكنّه يفعل ذلك في مجال إبداعه، ملتزما بخصوصيات هذا الإبداع واشتراطاته ومعايير إنتاجه…فليس مطلوبا من المبدع الروائيّ، مثلا، أن يدبّج نصوصه الروائية بخطب سياسية أو مواعظ مباشرة هي من صميم عمل كلّ من السياسيّ والخطيب، ولا أن يملأها بالأرقام والإحصائيات والبيانات التي هي أيضا من اختصاص رجل الاقتصاد. ولا حتّى بالسجلات النفسية التي هي من وظيفة عالم النفس. إن وظيفة المبدع الروائيّ الاجتماعية، أن يكتب عملا روائيّا مقنعا وممتعا بشخصياته وأحداثه وفضاءاته وواقعه التنّخييليّ. هذا هو دوره الحقيقيّ؛ دور جماليّ في المقام الأول.
س 6: مع غزو الأعمال الأدبية الرديئة للمشهد الثقافي اليوم، هل تؤيد حرية الإبداع على الإطلاق دون خبرة في الكتابة السردية. أم أنت مع وضع ضوابط ومعايير دقيقة لاختيار الأعمال الصالحة للنشر وتقنينها؟
ج: أعتقد أنه حتى لو كنّا ضدّ انتشار الرداءة، التي قدّم لنا دونو في كتابه الشهير “نظام التّفاهة” صورا منوّعة من صورها، لا نستطيع اليوم أن نقف في وجهها، لأنها صارت تمثّل القاعدة، والإبداع الأصيل هو الاستثناء. والسبب في ذلك يعود إلى تراجع ممارسة القراءة، وكذلك الدور الذي كانت تلعبه المؤسسات الثقافية، الرسمية والمدنية والنقّاد أيضا، في متابعة الحركة الإبداعية، وتوجيهها بما يجعل المبدع يفكّر ألف مرّة قبل أن يقدّم عمله الإبداعيّ للجمهور. لقد أصبح المبدع، الآن، في حلّ من هذه المخاوف، إلاّ أن يكون تربّى على خلق إتقان عمله، واحترامه لنفسه ولقارئه، وتفانيه في تحكيك عمله ليستوي على الصورة التي يرى أنها ستكون مقبولة من قبل جمهور القراء. وربّما تبقى تخوّفاته قائمة حتى بعد أن يصدر العمل. وأعترف أنني أقطع صلتي تماما بإبداعاتي بعدما تصدر، لأنني أخشى أن أعود إليها فأكتشف خطئا لغويا أو إملائيا أو تركيبيّ لم أنتبه إليه أثناء مراجعة العملّ، فيقضّ هذا الخطأ مضجعي، ويطوّح بي في متاهة الحرج من قارئي المفترض، فضلا عن أصدقائي وزملائي. لكن، أعتقد أن مثل هذا السلوك أصبح نادرا، في أيامنا، والدليل ما ذكرتِه من كثرة الأعمال الأدبية الرديئة التي تطرحها المطابع، والتي نصادفها على مواقع التواصل الاجتماعي…
س 7: كلمة أخيرة لزوار جريدة تنوير الإلكترونية
ج: لا يفوتني أن أشكر “جريدة تنوير الإلكترونية” في شخص مديرها وإعلامييها، وفي مقدمتهم محاورتي الفاضلة الأستاذة نعيمة آيت ابراهيم على تواصلهم المعتبر، وأتمنى ألا أكون ضيفا ثقيلا على قراء هذه الجريدة، وأن يجدوا في كلماتي بعض ما يفيد. مع خالص المودة.