وجهة نظر

هل نحن أمام انهيار قيم حتى داخل الإدارة ،مابين تواطىء المشوشين وانحسار المتفانين …أصبحت الإدارة عدوا وحيطة وحذر من الزملاء..

محمد جرو/مراكش/تنوير:
خلال مساري المهني ،الذي وصل بحمد الله وقوته،إلى 40 سنة ،بمافيها سنتين من التكوين بالمعهد الملكي لتكوين أطر الشبيبة والرياضة ،السلك المتوسط منذ 83/84 ،طبيعي أن يكون التدرج بين أسلاك الوظيفة /الإدارة ،تعلمت واخطأت وهكذا ،نبراسي تربية أسرية ونهلت من قاموس والدي أطال الله في عمره ،وطبعا بفعل الاحتكاكات ،من زميلات وزملاء آخرين ،فرغم اختلافات لعل أبرزها ،أنه(والدي)وهنا أثق في مقولة “ليس الفتى من يقول كان أبي ،ولكني هنا وأنا والآن” ، كان عسكري ،بيد أن كلماته مازالت تطن في مخيلتي كلما ،تعرضت لطارىء ما ،وهو “السربيس أولدي بالحيلة”تدرج كذلك بأسلاك الجندية ،وتعرض لجروح برصاص الجزائر خلال حرب الرمال ،رصاصتين في صدره جهة اليسار ،وذراعه وعينيه،ثم تسعة أشهر أسيرا هناك ،عاد مثقلا بالجراح وكثير من الخبرة والتجربة ،ليواصل الإنخراط الطوعي باستماتة في حروب الصحراء المغربية المشهورة منها منذ الشرارة الأولى سنة 1976…
تربية “شريف فلالي “ربما عصي على قاعدة “ولو طارت معزة”وبسبب ذلك ،وبعيدا عن “العصيان العسكري”عوقب بمكوثه في درجة كابران 12 سنة ،لالشيء إلا ربما اختلافه مع رؤسائه في تقديرات معينة ،إتضح في الأخير أنه على حق ،وضاعت حقوق بسبب سوء التقدير ،لايعني أنك رئيسا تكون على حق ،وقيل “التربية خير من الأصل”وهي حمولة ذات دلالات عميقة ،لاتدرس ولكن تكتسب في وسط عائلي ..وتحمل إلى مكان العمل وبين الزملاء تعرف بذلك ،رغم أنك كائن إداري تخضع لمنظومة إدارية مغربية مركبة ومتشعبة..
منه ،إذن تعلمت ،بعد تخرجي وسنتين تقريبا من العطالة ،ورغم اختصاص رياضة ،وارتباطا بما سبق ،دربت وأطرت في مختلف الأصناف الرياضية ،بل وترأست بعد تداريب المخيمات التربوية ،تداريب وطنية بمركز التدريب الوطية بإقليم طانطان ،ثم تحملت مسؤولية دار للشباب،وأنا تخصص رياضة، بحي عين الرحمة ،وكانت المؤسسة الوحيدة التي زارها ،بعد نقاشات واحتجاجات مني،إبان تحمل محمد اوزين حقيبة وزارة الشباب والرياضة ،وزيارته للإقليم بمبررات سلطوية واهية ،من قبيل الحي مهمش ،وبه “انفصاليين “ثبت بالملموس أن من حق طفولة وشباب ذكورا وإناثا بذات الحي ،أن تكون لهم فضاءات للتربية والترفيه في إطار عدالة مجالية بغاية الإدماج ،حتى من ذلك الحكم المسبق المجاني والمجانب للصواب ،إلى أن تحملت كذلك مسؤولية مدير إقليمي بذات الوزارة وبالطنطان ،محاولا ترجمة كل تلك الخبرات والتجارب ،الى أرض الواقع ،حتى جاء الإعفاء الذي أعتبره ظالما وغير ذي سند قانوني ،بحيث غابت المسطرة ،وحضرت “قلة التربية”لحد الساعة لاأدري مامعنى أن تعفي مسؤولا دون الخضوع لمبدأ تسليم السلط ،ولم تحضر المفتشية العامة،للوقوف على مايمكن أن يكون سببا في الإعفاء ،وهو تسجيل اختلالات مالية أو إدارية ،ولله الحمد لم تسجل إلا من ملاحظات واستفسار لم يقنع من أرسلوه ،لسبب بسيط هو أن الإعفاء دبر ليلة تحمل خلف أزوين ،امحند العنصر لوزارة الشباب والرياضة ثم ظفره برآسة جهة فاس مكناس ،فتم دي قرار الإعفاء وسط “لبارافور”ليوقعه الوزير امحند العنصر ،المتأهب لترأس جهة فاس مكناس…
ماأريد أن أقوله في هذه الورقة ،هو استنتاجات شخصية خلال هذا المسار ،في جانب يتعلق بالتربية الشخصية ،التي يتم اسقاطها على مجال العمل ،أي الإدارة ..التي من بين ماسمعته من زملاء سابقين ،وأصبح معروفا لدى الجميع ،”الإدارة دير بها الخير وماتديرش فيها الخير”وهو حكم قيمة ربما فيه تجني والتجربة أيضا ،وتحذير من هذه الإدارة التي تشتغل بها ورزقك هناك وهنا وجه الخطورة ،دفعت من “إكتوى “بنيران هذه الإدارة التي هو جزء منها إلا التحذير منها،بيد أن تلك النيران قد تكون ،بل قد أجزم أنها “نيران صديقة”..وبعد تجربة الشبيبة والرياضة المحذوفة من الهندسة الحكومية لحكومة أخنوش منذ تعيينها (7اكتوبر 2021)التحقنا بإدارة أخرى وهي وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة ،وبمدينة أكبر هي مراكش…وتلك تجربة أخرى ،أعتز بها لحد الساعة ،بمصلحة الشؤون التربوية ،مكتب الرياضة ،ولو أننا نعيش معاناة أفقدت منسوب الرضا الوظيفي قيمته ،عوضه حضن الزميلات والزملاء بمديرية مراكش ،ونحن على مرمى حجر من إحالتنا على التقاعد إن كتب لنا طول العمر ..
تُعرف الإدارة على أنَّها عملية إدارة ومراقبة شؤونها بغض النظر عن شكلها وطبيعتها ونوعها وحجمها وهيكلها، وذلك لتعزيز بيئة أعمال والمحافظة عليها، إذ يُمكن لأعضاء الإدارة العمل معًا، وتحقيقه بأكبر قدر من الكفاءة والفعالية، وبالتالي فإنَّ الإدارة تعمل كدليل لمجموعة من الأشخاص العاملين ، وتساعد على تنسيق جهودهم نحو تحقيق الهدف المشترك، حيث تُعنى الإدارة بخمسة عناصر أساسية، وهي الأشخاص، والآلة، والمواد، والأموال، والأساليب، ويُمكن القيام بذلك عند توفر التوجيه، والتنسيق، والتكامل المناسب للأنشطة والعمليات؛ إذ يُعزز ذلك من تحقيق النتائج المرجوّة.

في خضم الممارسة المهنية اليومية، وفي تفاعل الفاعلين داخل المنظومة الإدارية، برز إلى الواجهة سلوك مهني مقلق لا يمكن تجاهله، سلوك يَخرق منطق الانتماء إلى الإطار المشترك، ويُربك ضوابط التوازن المهني، ويتمثل في تموقع فئة من المهنيين في الصف الأمامي للدفاع عن الإدارة، بشكل غير مشروط، ولو كانت قراراتها لا تستند إلى المرجعية القانونية، أو تُخِل بمبدأ المساواة والإنصاف.

ومما يزيد هذا السلوك خطورة، أنه لم يَعُد يُمارس في الخفاء، بل أضحى يُجاهر به علنًا، في أشكال تُوحي أن بعض المهنيين أصبحوا يعتبرون أنفسهم امتدادًا وظيفيًا للمصالح الإدارية، لا شركاء في التعاقد المهني كما يفترض.

وهكذا، فإننا نجد أنفسنا أمام وضع شاذ، يُسائل مدى التزام هذه الفئة بميثاق الأخلاقيات المهنية، ويطرح علامات استفهام كبيرة حول الخلفيات الحقيقية لهذا الاصطفاف الذي يتجاوز أحيانًا حدود اللياقة الإدارية، ليُلامس منطق التزلف والانبطاح، ويُفرغ مفهوم الحياد من مضمونه الأخلاقي.

فمن غير المقبول أن يتحول المهني، الذي من المفترض فيه أن يُمارس مهامه باستقلالية وتجرد، إلى مدافع عن قرارات تُتخذ داخل كواليس الإدارة دون إشراك فعلي للمعنيين بها، لا لشيء إلا ليتفادى التصنيف ضمن خانة “المشوشين”، أو طمعًا في نيل امتيازات ظرفية، من قبيل تسريع المساطر، أو التغاضي عن خروقات في المراقبة.

الأخطر من ذلك، أن بعضهم لا يتورع عن تقديم شهادات ضد زملائه لفائدة الإدارة، رغم أن تلك الشهادات تفتقر إلى النزاهة والحياد، وتُستعمل أحيانًا كأداة للانتقام المهني أو التصفية الممنهجة.
وفي مقابل هذا السلوك المُستنكَر، نلاحظ أن الإدارة، حين يتعلق الأمر بأحد مستخدميها، فإنها تتشبث بحمايته، وتُفعّل مبدأ “التدرج في المساءلة”، بل أحيانًا تلجأ إلى التستر الإداري، رغم جسامة الأفعال المرتكبة من طرف المعني بالأمر، ولو كانت تشكل إخلالًا واضحًا بالمهام المنوطة به، أو خرقًا سافرًا للضوابط المؤطرة للوظيفة العمومية أو المهام المفوضة.

وأصبحنا نعيش وضعا غير سليم ، إدارة تتمسك بموظفيها حتى في حالات الخطأ المهني الفادح،أو تسجيل اختلالات ،وربما بوزارة الشباب والرياضة ،يظهر ذلك جليا ،سجل المجلس الأعلى للحسابات ملاحظاته حولها /اختلالات ،واحتفظت الإدارة بمن اقترف ذلك ،وصور المخيمات التربوية حالات تنتصب أمامنا وعبر التاريخ ،كونها من بين تجليات وتمظهرات تلك الإختلالات ..ونسحل هنا أن مهنيين يتبرؤون من زملائهم لأبسط الأسباب، بل ويصطفون ضدهم في معارك لا تعنيهم لا من قريب ولا من بعيد، سوى بدافع الولاء المصلحي، أو الرغبة في التقرب من الإدارة. هذا الواقع يُنتج اختلالًا في التوازن داخل المؤسسة، ويُقوي منطق الزبونية داخل العلاقات المهنية، ويُفرغ كل آلية تشاركية من محتواها، ويجعل من الجسم المهني جسدًا هزيلًا يسهل اختراقه، وتوجيهه وفق أهواء المصالح المتبادلة.

حاليا بالمغرب ،وربما في جل الإدارات ، يقتضي من كل مهني غيور أن يُعيد النظر في تموقعه، وأن يضع نصب عينيه أن العلاقة مع الإدارة يجب أن تُبنى على الاحترام المتبادل، والتعاقد المهني السليم

فالدفاع عن النفس لا يكون بخيانة الزمالة، وإثبات المهنية لا يكون بالوشاية أو التستر، وإنما بالثبات على المبدأ، والحرص على احترام مقتضيات النظام الداخلي، وتفعيل آليات التظلم القانونية، دون تملق أو تواطؤ أو تهريب للمواقف.

إن المرفق العمومي، أو المؤسسة الإدارية بمفهومها العام، لا يمكن أن تستقيم بوصلتها في ظل مهنيين تخلوا عن قيم المروءة الإدارية، وارتضوا أن يكونوا أدوات صامتة تُستعمل عند الحاجة، وتُستبدل عند الاستغناء.
الكرامة المهنية ،تدخل في نظري ،لكل الأسباب السابقة ،في خانة الحقوق التي تنتزع وتكتسب ،دون تجاوز احترام الإدارة في جانبها المرتبط بالمرفق العمومي ،الذي يجب أن يقدم خدمة مفروضة ،للمرتفقين دون تشويش ولا ضجيج ،تنفيذا للضوابط وحفاظا على السير العادي للمجتمع في حركيته وتحولاته .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى