وجهة نظر

تازة قبل غزة… أم غزة قبل تازة؟ بين فخ الفتنة وسوء الفهم -هشام فرجي

في الآونة الأخيرة، تصاعد جدل غير محمود بين بعض فئات المجتمع المغربي حول ترتيب الأولويات بين “تازة” كرمز للوطن و”غزة” كرمز للقضية الفلسطينية، وقد تحول هذا النقاش إلى شعارات متضادة، بين من يرفع “تازة قبل غزة”، ومن يردّ بـ”غزة قبل تازة”، وكأن الأمر منافسة بين الوطنية والانتماء الديني، أو كأن حب أحدهما يعني بالضرورة انتقاصًا من الأخرى. وهذا في الحقيقة قصور خطير في الفهم، وانزلاق نحو خطاب يفتقد للعمق الوجداني والوعي التاريخي.
تازة، وغيرها من مدن المغرب هي اختزال للانتماء الوطني، وللذاكرة الجماعية وللتضحيات التي بُذلت من أجل الاستقلال والكرامة. أما غزة، فهي اليوم ليست فقط رقعة جغرافية محاصرة، بل رمز للمقاومة والعقيدة، ولأمة تؤمن أن الدفاع عن المظلوم من صميم الدين، وأن القضية الفلسطينية ليست قضية شعب فقط، بل قضية أمة.
التصادم بين الرمزين هو افتعال لا مبرر له، ومحاولة تفتيت للوعي الجماعي، وتشتيت للبوصلة. من يحب وطنه بصدق، لا يمكن أن يكون عديم الشعور تجاه قضايا الأمة. ومن ينصر غزة بإخلاص، لا يمكن أن يفرط في جذوره وتاريخه وهويته الوطنية.
ما يُراد من هذه المقارنات العقيمة هو إيقاظ فتنة الهوية، وضرب الرابط العميق بين الدين والوطن، بين الانتماء المحلي والانتماء الأممي. فالوطنية الصادقة لا تعني الانغلاق، والدفاع عن القضايا العادلة لا يعني خيانة الأرض. نحن نعيش زمنًا تكثر فيه الفتن والأصوات المشبوهة التي تسعى لتفكيك كل ما يجمعنا: دينًا، وهوية، وتاريخًا، ومستقبلًا.
“تازة” و”غزة” ليستا نقيضين. بل هما وجهان لمعركة الكرامة، معركة الإنسان في دفاعه عن هويته وحريته وحقه في العيش بكرامة. ومن يختزل الأمور في المقارنة بينهما، فإنه يسطّح المعاني ويضعف المواقف. فلنقف مع تازة، رمزًا لوطننا، ومع غزة، رمزًا لأمتنا، دون أن نسقط في مستنقع المقارنات التي لا تخدم إلا أعداء الاثنين معًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى