المرأة

المرأة المغربية في قلب القرار السياسي: من التمثيل الرمزي إلى القيادة الفعلية

الحنبلي عزيز

أضاءت مجلة جون أفريك الفرنسية في عددها الأخير على التحولات الجارية في المشهد السياسي المغربي، مع تركيز خاص على الحضور النسائي المتنامي في مراكز القرار، معتبرة أن المغرب يعيش دينامية جديدة تضع النساء في صلب صناعة القرار، وليس على هامشه كما كان الحال لعقود طويلة.

تاريخ من النضال السياسي النسائي

لم يكن وصول النساء المغربيات إلى مواقع المسؤولية وليد الصدفة، بل ثمرة مسار طويل من النضال السياسي والاجتماعي. فمنذ عقود، خاضت المرأة المغربية معارك شرسة من أجل الاعتراف بحقوقها السياسية والمدنية. وقد كان تعديل مدونة الأسرة سنة 2004 أحد أبرز الإنجازات التي فتحت الباب أمام تحولات أعمق، تجلّت لاحقًا في تعزيز التمثيلية النسائية داخل البرلمان والمجالس المنتخبة، وفي التعيينات الحكومية.

فاطمة الزهراء المنصوري: مرشحة محتملة لرئاسة الحكومة

في هذا السياق، خصّت جون أفريك بالذكر فاطمة الزهراء المنصوري، الوزيرة الحالية ورئيسة المجلس الوطني لحزب الأصالة والمعاصرة، معتبرة أنها تمثل نموذجًا للمرأة السياسية التي جمعت بين التكوين الأكاديمي العالي (في القانون وإدارة الأعمال) والخبرة الميدانية، خاصة في تسييرها لمدينة مراكش خلال ولايتين. المجلة لم تستبعد ترشحها لقيادة الحكومة سنة 2026، ما من شأنه أن يُحدث قطيعة تاريخية مع النموذج الذكوري المهيمن على السلطة التنفيذية منذ الاستقلال.

نموذج نضالي مختلف: نبيلة منيب

من جانب آخر، لفتت المجلة الانتباه إلى التجربة الفريدة للدكتورة نبيلة منيب، أول امرأة تقود حزبا سياسيا في المغرب. منيب، أستاذة جامعية في البيولوجيا، صنعت لنفسها مكانة قوية داخل اليسار المغربي، وعُرفت بمواقفها الجريئة من النظام السياسي، والفساد، ومطالب الإصلاح الشامل. ترشحها لانتخابات 2016 و2021 عزز صورتها كصوت نسائي بديل وفاعل في الساحة السياسية.

نادية فتاح العلوي: إدارة الاقتصاد بأيدٍ نسائية

من الأسماء البارزة الأخرى التي أثارت اهتمام المجلة، نادية فتاح العلوي، وزيرة الاقتصاد والمالية. بعد تجربة ناجحة في القطاع الخاص (مجموعة سهام للتأمين)، عُيّنت وزيرة للسياحة ثم وزيرة للاقتصاد، حيث واجهت تحديات كبيرة خاصة خلال جائحة كوفيد-19 وأزمة التضخم. إدارتها الدقيقة للمالية العامة والسياسات الاجتماعية أكسبتها احترامًا واسعًا في الأوساط السياسية والاقتصادية.

تحليل: هل دخل المغرب فعلاً مرحلة ما بعد الذكورية السياسية؟

من الناحية التحليلية، يمكن القول إن المغرب دخل مرحلة انتقالية جديدة تتسم بتصاعد دور المرأة في المؤسسات الدستورية. لكن هذا التحول ما يزال يواجه مجموعة من التحديات:

  • الثقافة السياسية التقليدية لا تزال تميل إلى التشكيك في قدرات النساء على القيادة.

  • الإعلام السياسي نادرًا ما يسلط الضوء على الكفاءات النسائية بنفس حجم تغطيته للرجال.

  • العوائق الحزبية الداخلية تجعل من الصعب أحيانًا صعود النساء إلى المناصب العليا دون دعم قوي من القيادة الذكورية.

ورغم هذه التحديات، فإن ما نراه اليوم من حضور فعّال لنساء في وزارات سيادية، وداخل البرلمان، وفي رئاسة الجماعات، هو مؤشر على أن التغيير لم يعد فقط مطلبًا حقوقيًا، بل خيارًا استراتيجيًا لبناء مغرب أكثر عدالة وتوازنا وشمولاً.

خاتمة: نحو مغرب تقوده الكفاءة، لا النوع

ما تعكسه حالات فاطمة الزهراء المنصوري، نبيلة منيب، ونادية فتاح العلوي، وغيرهن من النساء، هو أن المغرب بدأ يتجاوز مرحلة “التمييز الإيجابي” إلى مرحلة الاعتراف بالكفاءة بغض النظر عن الجنس. وإذا استمر هذا المنحى، فإن السنوات القادمة قد تشهد تغيرات جذرية في تركيبة النخب السياسية، وقد نكون فعلاً على أعتاب لحظة تاريخية تقود فيها امرأة مغربية الحكومة لأول مرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى