أعلنت الجمعية المغربية لحماية المال العام رفضها القاطع للمادتين 3 و7 من مشروع قانون المسطرة الجنائية، معربة عن استنكارها الشديد لما اعتبرته توجهاً حكومياً يرمي إلى إقصاء المجتمع المدني والأفراد من معركة مكافحة الفساد والرشوة ونهب المال العام، بل وتمادي في تقليص صلاحيات النيابة العامة كجهاز قضائي مستقل في تحريك الأبحاث والمتابعات.
وفي بلاغ صدر عن اجتماع مكتبها الوطني المنعقد عن بُعد يوم الاثنين 19 ماي 2025، قررت الجمعية إطلاق برنامج نضالي يجمع بين التواصل والتحسيس والتعبئة المجتمعية والاحتجاج، لمواجهة ما وصفته بـ”الانحراف التشريعي” عبر توظيف المؤسسة التشريعية والضغط على أطراف في الدولة لتمرير المادتين المذكورتين، بما يهدف إلى حماية المتورطين في قضايا نهب المال العام وتقويض مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة.
ويتضمن البرنامج تنظيم لقاءات تواصلية مع مختلف الأحزاب السياسية، سواء من الأغلبية أو المعارضة، لشرح موقف الجمعية من مشروع المسطرة الجنائية وخاصة المادتين 3 و7. كما ستُعقد لقاءات حوارية مع مؤسسات الحكامة الدستورية، منها الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، المجلس الوطني لحقوق الإنسان، المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، مؤسسة الوسيط، ومجلس المنافسة. بالإضافة إلى عقد ندوة صحفية سيتم الإعلان لاحقاً عن تاريخها ومكانها، وتنظيم وقفة احتجاجية أمام البرلمان يوم السبت 14 يونيو على الساعة الرابعة مساءً.
وأكدت الجمعية في بيانها أن غياب الإرادة السياسية الحقيقية لمحاربة الفساد والرشوة ونهب المال العام يعكس تملصاً واضحاً من تطبيق المقتضيات الدستورية المرتبطة بتخليق الحياة العامة وربط المسؤولية بالمحاسبة.
ووصفت الجمعية المادتين 3 و7 بمحاولة لمنح المسؤولين المنتخبين الذين يدبرون المال العام حصانة غير مشروعة، ومنع المجتمع من أداء دوره في الرقابة والتبليغ عن جرائم الفساد، في تعارض تام مع الدستور ومع اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التي صادق عليها المغرب.
كما عبرت عن استنكارها لتشبث الأغلبية الحكومية بتمرير المادتين، معتبرة أن ذلك يهدف إلى إقصاء الأفراد والتنظيمات الحقوقية من ورش تخليق الحياة العامة، مقابل تردد الحكومة في مباشرة إصلاحات جوهرية كتشديد العقوبات على الإثراء غير المشروع، وتجريم تضارب المصالح، وتعديل قوانين التصريح بالممتلكات.
واعتبرت الجمعية أن تشريع قوانين لفئة خاصة دون مراعاة للمصلحة العامة والتطلعات المجتمعية في محاربة الفساد وبناء دولة الحق والقانون، يمثل انحرافاً خطيراً في استعمال السلطة وتوظيفاً للمؤسسة التشريعية لخدمة مصالح ضيقة وامتيازات ريعية.
وقد صادقت لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب على مشروع قانون المسطرة الجنائية رقم 03.23 الذي قدمه وزير العدل عبد اللطيف وهبي، حيث وافق عليه 18 نائباً، في مقابل معارضة 7 نواب، دون تسجيل أي امتناع.
وتنص المادة 3 على أنه لا يمكن فتح الأبحاث أو إقامة الدعوى العمومية في الجرائم المتعلقة بالمال العام إلا بطلب من الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، بناءً على إحالة من المجلس الأعلى للحسابات، أو استناداً إلى تقارير من هيئات تفتيش محددة. ويمكن للنيابة العامة التدخل تلقائياً فقط في حالة التلبس.
أما المادة 7 فتشترط حصول الجمعيات على إذن من السلطة الحكومية المكلفة بالعدل للتقاضي، وهو ما أثار جدلاً كبيراً داخل اللجنة البرلمانية.
وفي سياق متصل، ناقشت الجمعية خلال اجتماعها عدداً من الملفات، من بينها ما سمته “شبكة الفساد بجامعة ابن زهر بأكادير”، والتي يُشتبه في ضلوعها في تزوير شواهد جامعية استفاد منها بعض الأشخاص لتولي مناصب ووظائف عمومية، مطالبة بتوسيع التحقيقات وفتح مساطر غسل الأموال ضد كافة المتورطين دون استثناء.
وفي ختام بيانها، دعت الجمعية إلى تعبئة جماعية لمواجهة ما وصفته بـ”محاولات شرعنة الفساد” وتقويض مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، مؤكدة أن معركة مكافحة الفساد مسؤولية جماعية تتطلب انخراط الجميع.